منتدى العمق

الأخطبوط الإسرائيلي أو الرئيس الكارثة.. المخطط الإسرائيلي لتوسيع الاحتلال وتهجير سكان غزة

تترامى إلى الأسماع بين الحين والآخر عبارة “نحن شعب الله المختار”، وكأنها صادرة عن يقين راسخ بأننا قد اصْطُفينا عمّن سوانا من الأمم، فنحن المركز وما سوانا هامش، أو بتعبير أدقّ؛ نحن اليهود محور الكون. وقد بحثتُ يوما عن مغزى هذا الكلام، فلم أجدْ ضالّتي إلاّ بين صفحاتِ كتابه الشهير” مكان تحت الشمس” أو ” أرض بين الأمم” لمؤلِّفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

يُحدّثنا في أكثر من مرّة عن حلمه وحلم اليهود الذي لم يتحقق بعدُ، حلم إقامة دولة صهيونية على الأراضي الفلسطينية، ولمّ شتات اليهود من كلّ بقاع العالم، لتتشكل دولة وهمية طالما سعى إليها. فلم يكف الرئيس اليهودي في كتابه عن التوسل والتذلّل للعرب في إقامة دولة يهودية بين دُولهم، أي اقتطاع أرض من بين أراضيهم، أو إن شئتَ قلتَ أراضٍ من أراضيهم. “أرض بين الأمم”، كتاب لا يتوانى فيه “الرئيس الكارثة” عن طلب العون – بقصد أو بدون قصد – من الأمم لإعانته في إقامة دولة لـ (شعب الله المختار)، اختارهم الله فلم يقم لهم مكانا. وقد توالت عليه الإعانات من حيث لا يدري، ومن كلّ صوبٍ وحدبٍ (طوعا أو كرها) ومن كلّ الاتجاهات، شرقا وغربا؛ يمينا وشمالا.

فكيف خطّط نتنياهو في كتابه لإبادة غزة وتوسيع دولة الاحتلال الصهيوني؟

شبحُ التوسّع يطارد عربَ الجوار

بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الكارثة كما يحلو للبعض تسميته، وهي صفة أطلقت عليه منذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 1996م حتى اليوم، هذا اللقب يناسب شخصيته القادرة على إيصال إسرائيل ومناطق الجوار إلى الكارثة بحسب قناعة اليسار الإسرائيلي. في عام 1993م صدر لرئيس الوزراء الحالي “الرئيس الكارثة” كتابا بلغته الأم “العبرية”، وقد تُرجم إلى العربية تحت مسمّى “مكان تحت الشمس” أو “مكان بين الأمم”.

وربّما هو الكتاب الذي أوصله إلى الرئاسة، وقد برمجه ليكون حملة انتخابية، مُتمكّنا خلال فترات من رئاسته تحقيق جزء غير قليل من رؤاه التي شرحها في كتابه. وفي ظلّ هذه الأجواء المشحونة بالصراع في الشرق الأوسط، وأمام الصمت الرهيب الذي يُحدِق بالجميع، هل سيستمر “الرئيس الكارثة” تنفيذ باقي أجزاء الكتاب، وهو اليوم يبيد شعب غزة الصامد الأبي؟

في كتابه، يتربّع البعد التوسعي عرش أبعاد الفكر الصهيوني المسطّر، نهج نتنياهو سبل السلام لدرء أي خطر آت من الجيران، فقد أبرم معاهدة سلام مع كلّ من مصر والأردن، ووفق تعبيره: هي “ما منحت إسرائيل ترتيبات أمنية وافرة ومعادية ومحتملة من الشرق”. ويعود نتنياهو إلى سنة 1976م، ليستحضر حرب يوم الغفران التي نشبت آنذاك بين العرب وإسرائيل، “إسرائيل الموسّعة” كما يزعم، “إسرائيل التي وقف جيشها على أبواب القاهرة ودمشق”.

واليوم، وأمام أنظار العالم، دخلت القوات الإسرائيلية مدينة القنيطرة جنوب سوريا، كما نقلت بعض الأنباء العربية عبر قنواتها الرسمية من ضمنها قناة الحدث. وقبل هذا التدخّل الذي واكب نقضَ اتفاقية السلام المبرمة قبل أشهر بين إسرائيل وحماس، توغّل الجيش الإسرائيلي برّا وبحرا في 08 من ديسمبر لعام 2024م الأراضي السورية بعد سقوط حكومة بشّار الأسد، بذريعة إنشاء منطقة عازلة. لكن في الحقيقة هذه التحركات ما هي إلا محاولات هنا وهناك بهدف توسعة أطماع دولة الصهاينة على حساب مناطق عربية مجاورة.

الخطر الفظيع الذي يُنبئ بتحقيق حلم اليهود بإقامة دولة “من جدول مصر إلى نهر الفرات”، وتشمل غالبية الشرق الأوسط، كما هو مكتوب في “الكتاب الأبيض المقدس”. ويؤكد الفيلسوف الفرنسي الذي اعتنق الإسلام روجيه جارودي: أنه قد تم وضع آلية لطرد العرب مما كان يُعرف بأرض الميعاد وتفكيك الدول العربية. دول مثل مصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان، تتعقب عن كثب ما يقع بين حماس وإسرائيل، وهي على يقين أن رياح عاصفة الكارثة ستصل لا محال عاجلا أم آجلا. وربما قد تنقلب الموازين وتضمحل فكرة “أنا ومن بعدي الطوفان”، ولا السلام الزائف ولا دوغمائية الدول العربية ستكبح مدّ الكارثة، وستتجرع تلك الدول جرعات الندم من كأس الحنظل، كما تتجرع غزة اليوم مرارة الحرب لوحدها.

لا أحد يعلم ما يخبئه المستقبل لدول الجوار، إلا أن الحقيقة التي لا يجحدها أحد ولا ينكرها عاقل، أننا نعيش قرن الكارثة بامتياز، قرن فرضه علينا الرئيس الكارثة، الذي ما فتئ يدافع عن هويته الصهيونية وثقافته اليهودية وسياسته التوسعية، وإصراره المستمر على إقامة “مكان تحت الشمس” أو “أرض بين الأمم” لشرذمة اليهود.

استراتيجية نتنياهو لإبادة غزة

رغم الوضع الصعب الذي تعيشه غزة اليوم بعد العدوان الإسرائيلي الذي قارب السنتين، وما خلفه من سفكٍ لدماء الأبرياء؛ أطفالا وشيوخا، نساء ورجالا، وأمام أعين العرب والعالم، شدّ انتباهي ما أورده الرئيس الكارثة في كتابه عن العرب، حيث قال: “إن العرب يتشبثون بأرضهم ولا يسمحون لنا بإقامة دولة في موقع جغرافيّ صغير من هذه المساحة الشاسعة المترامية الأطراف، ولم يتنازلوا عن ذرة تراب واحدة من الأرض العربية”. كلام مثل هذا، بلا شك، عربون عن قوة العرب في تشبثهم بأرضهم، وهو كلام يزرع الثقة في كل ّ عربيّ ومسلم يحمل همّ الأمة، ويعيد لنا بصيص أمل ويبعث فينا أمجاد العرب.

يضيف “الكارثة” قائلا: “منذ 70 سنة واليهود يقدمون التنازلات المتكررة عن مطالب جوهرية واستراتيجية”، في إشارة منه إلى أن إسرائيل تنازلت للعرب في ظل تحقيق السلام. وأيّ سلام يتحدث عنه وقد نقض العهد اليوم ؟! ومن ثمة، فما يقع في غزة ليس وليد الصدفة، إنّما هو نتيجة خطوات وإجراءات اتخذها نتنياهو قبل توليه قبضة الحكومة. ولاستهداف سكان غزة، أجرى مقارنة تضمّنها الكتاب، لتحليل النمو الديموغرافي لكلا الشعبين؛ الإسرائيلي والفلسطيني، وقد خلُص إلى أنه رغم الجهود التي تبدلها الدولة الصهيونية (إن اعتبرناها دولة) في إعادة تعمير المناطق الفلسطينية المحتلة عبر الاستيطان وتهجير اليهود نحو فلسطين، فإن عدد الفلسطينيين لا يزال يفوق عدد الإسرائيليين، خاصة في المناطق التي تشهد كثافة كثيرة ومخيفة مثل غزة.

لاتزال غزة اليوم صامدة برجالاتها الأحرار، رغم أنها كانت مستهدفة منذ عقود خلَت وإلى اليوم، وهو ما صرّح به “الكارثة” في كتابه: إن التجمعات السكانية العربية في المنطقة التي احتلتها إسرائيل تعرف عددا قليلا من السكان، باستثناء منطقة واحدة مكتظة بسكان العرب، هي قطاع غزة. ويُردف قائلا: “إن الشرط الوحيد الذي لابد منه لإبعاد الخطر القادم من غزة، هو إعادة منح حرية العمل للجيش الإسرائيلي وقوات الأمن”. فصدق وعْد الكارثة وهو من الخاسرين، فالجيش الإسرائيلي اليوم يقتل ويعتقل، يدمّر ويخرّب، يصول ويجول كما شاء، أو كما شاءت أمريكا درعه الواقي وأبوه الحامي.

أخيرا، تظلّ غزة نبراسا للحق وصوتا للإنسانية، فكيف لا، وهي الحصن الحصين والسدّ المنيع لدول غارقة في سبات عميق، فلنعترف إذن، أن غزة هي جدار العرب العظيم، جدار إن سقط سقطنا جميعا، فهو اليوم حاميَ العرب من شرّ العدو، مثل ما أمريكا حامية لـ(شعب الله المختار). وعليه، فإن نصرة غزة هي نصرة للحق، للعروبة، للإسلام، وللإنسانية جمعاء. فما أقبح عالما يرى المظلوم يسبق موت الظالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *