منتدى العمق

ملتقى الورد العطري.. إشكاليات التدبير وتوصيات لرؤية استشرافية مستقبلية

ونحن على مشارف زمن الاحتفال بمهرجان الورود في نسخته الجديدة الستين، ما الثابت وما المتغير في ظل التحولات الاجتماعية والتغيير والتحديث على المستوى المؤسساتي لأقدم موسم بالجنوب الشرقي؟ يسعدني أن أذكر بما دوناه كإسهام في عوامل البناء والتطور كدراسة نقدية استشرافية أفقًا للنجاح وتشجيعًا لثقافة الاعتراف، ولعل أجمل ما قرأت عن مهرجان الورود بقلعة مكونة في دورته الثانية والخمسين للكاتب الأستاذ الحسن فسكاوي، والذي قمت بنشره على العديد من الجرائد الصحفية الورقية منها والإلكترونية:

مهرجان الورود بقلعة مكونة: دراسة نقدية استشرافية. الدورة الأخيرة لمهرجان الورد في نسخته الثانية والخمسين، والإشكالية التي أسالت الكثير من المداد، وطرحت الكثير من الأسئلة، والقطرة التي أفاضت الكأس، الأستاذ الحسن فسكاوي يقربنا من وجهة نظر سوسيولوجية حول الحلول والمقترحات التي يراها مناسبة للدفع بالمهرجان إلى الاحترافية بدل الارتجالية؟ تقييمه للمتابعة الإعلامية مقارنة مع السنوات الماضية مع فارق القياس بحيث أن التقارير الصحفية جاءت مُخجلة؟ وجهة نظره حول المقاربة التشاركية التي هي أساس كل عمل ناجح.

1 – تقديم: الورود منة إلهية حبا الله بها بعض واحات حوض دادس، إنه معطى بيئي نابت من عمق الواحة ومن صلبها ترعرع ونما وفي حقوله درج واستوى يعجب الزراع.. عندما احتُفي به لأول مرة وجُعل له تقليد سنوي ما كان ذلك تنزيلًا لنشاط خارج سياقه ولا إسقاطًا مغرضًا وتبنٍّ مُجحف لاحتفال وهمي إنما الاحتفال السنوي ابن واحة الورد، عكس مهرجانات غُرست في غير ما وُضعت له في تربة ليست تربتها فكان مصيرها الفشل.

2 – مهرجان الورود بين أعطاب التدبير العمودي وأنوار التحديث: في بعض الأحيان تضيع التسميات لوصف مسميات هجينة لحدث يحتفي بالبيئة كل سنة وتحديدًا يحتفل بمكون الورد المنتوج الرائج بواحتي مكون ودادس، فالموسم تسمية بخلفية ثقافية تدل على زمن الاحتفال الذي يصادف الأسبوع الأول من شهر أبريل من كل سنة حيث موعد جني هذه النبتة الطبيعية فتكون مناسبة الاحتفال تمجيدًا للمنتوج وفرحًا بغلته وتتويجًا لقطفه وتوشيحًا للذاكرة الجماعية بنجاة الوردة من جفاف محتمل يذبلها قبل إبانها ومن صقيع مفاجئ يجتث رياحينها قبل تفتحها، أما المهرجان فهو تسمية جديدة وافدة على طقس دام تنظيمه لأزيد من خمسين سنة ونيف.. ففي الدورة الواحدة والخمسين هل هذا الاسم الجديد انسجامًا مع خلفية حداثية بنكهة مغايرة تحتفي بالوردة باعتبارها منتوجًا محليًا يستحق التثمين مادة ومجالًا وإنسانًا؟ وباعتبارها طاقة إيكولوجية قادرة على أن تكون رافعة تنمية قروية معطوبة فالتسمية الأولى تحيل على تدبير روتيني في سياق مغلق عمودي يحتفي بالطقس البيئي مجردًا عن آثاره الاقتصادية والاجتماعية ومستفردًا به من قبل جماعات قروية تفتقد لموارد بشرية قادرة على إبداع بدائل تنظيمية متفاعلة مع هموم الإنسان الواحي وحاجياته ومتناغمة مع مجال فقير يميد من هشاشة مستدامة ومن تحولات عميقة مست بنيته وعوزه، بات واضحًا داخل منظومة الريع الخبيث الأكال للوردة لا من حيث ضمور المرافعة للدفاع عن حقها ولا من حيث ضحالة الأشكال التنظيمية المواكبة لها التي فقدت عبقها مع مرور الزمن حتى صارت كالمرأة الشمطاء الفاقدة للجاذبية والجمال، أما التسمية الجديدة فهي تؤشر على مفصل التحول في تاريخية الاحتفال بالوردة في قلعة مكونة حيث سيتم تدشين منهج جديد أساسه الانفتاح على جميع الطاقات الجمعوية الراغبة في الانخراط والفعل التنظيمي للحدث السنوي الذي غدا علامة مميزة لهذه المجالات المطمورة وطنيًا ودوليًا.. لقد سبقت هناك محاولات لتحديث احتفائية الورد في نسخ سابقة من قبل شباب المنطقة سواء القادمين منهم في الخارج أو الداخل لكنها قوبلت اقتراحاتهم وأنشطتهم بالرفض والاستهجان من قبل الموكلة إليهم مهمة التسيير فكل المحاولات التجديدية السالفة الذكر احترقت في نيران محاربي التغيير ورافضي الإبداع لأن حفلة الورد في نظر هؤلاء ينبغي أن تكون وفية للسكون والرتابة والمصلحة الضيقة لذهنيات عاجزة عن نظم وشاح المحبة والسلام والتنمية المطردة التي تبشر بها الورود في جميع ثقافات العالم.. لقد تحولت الورود العطرية إلى جمار خبيثة في أيادٍ مسكت تلابيبه شنقته على مقصلة سوء التدبير لهذا المورد الاقتصادي المهم طيلة نصف قرن كان الكرنفال “الجنائزي” هو السمة التي طبعت الاحتفال بالفتور التنظيمي وتغييب الطاقات المبدعة والضبابية في البرمجة؛ يوم الجمعة عادة ما يُخصص للعدو الريفي الذي يشكو من هزال تنظيمي وفقر في المعدات اللوجستيكية ونقص في الخبرة عرف كوارث وأخطاء كثيرة في عدة دورات خلت تناط بمهمة تنظيمه لمتطوعين غير متدربين لمثل هذه التظاهرات.. يوم السبت هو موعد الكرنفال الروتيني الذي يشبه مأتمًا ينعي موت الورد أمام وفد رسمي يستعرض عربات تمثل مجهودات تنموية بمساحيق بالية لم يكن يستعرض النشاط الحقيقي للإنسان الواحي لم يكن يستعرض مجهودات المجتمع المدني فهذا الإجراء الاحتفالي فيه نكد لأنه يخفي حقيقة عطب التنمية ويلغي إشكالات وأسئلة مكتومة في جوف الحناجر التي تصطف منبهرة متفرجة ومحبوسة لدى القوى الحية للمجتمع الواحي من مثقفين وجامعيين وهيئات جمعوية وسياسية؛ فحتى تقليد ملكة الجمال ورقصة النحلة وجميع الأشكال الغنائية بالواحات المجاورة يتم تقزيمها وتقديمها في إطار صنمية العرض التسييجي الخال من البعد الثقافي والحضاري. المستحقات المادية للأنشطة الهزيلة أصلًا زهيدة جدًا تعكس عطبًا آخر ومحوًا للموروث الذي لم يكن يلقى الدعم المناسب من قبل القيمين على ذلكم الموسم الذي يعود كل سنة يحمل معه جرحًا غائرًا في النفوس: «أن لا مستقبل ينتظر أريج الورد وسط روائح تزكم الأنوف من انعدام الحكامة التنظيمية المنتجة..» يوم الأحد يكون فرصة لتبضع أبناء المنطقة الذين يأتون إلى مركزهم الحضري من كل فج عميق يتزاحمون في الشارع الرئيسي للمدينة غدوًا ورواحًا أمام باعة يفترشون جنبات الشارع الوحيد فتختنق المدينة في غياب خطط مندمجة لتدبير المخاطر، فالحشر البشري المتزاحم في مجال ضيق يفتح أبواب انفلاتات كثيرة تغدو بها الحفلة حفرًا لأخاديد الفقر التنظيمي ومحدودية إيجاد أنشطة قادرة على استيعاب هذا الجمع الغفير من الساكنة المحلية ومن الزوار في ظل محدودية الطاقة الاستيعابية لساحة المسيرة التي تعرف استعراض الفرق الفلكلورية على مدار اليوم ليختم الحفل فقراته بسهرة فنية قلما تسلم من فوضى وبلبلة بسبب تغييب الفنانين المحليين والرصيد الفني لمناطق الواحات والاكتفاء بمواد فنية لا يتجاوب معها الجمهور الواحي سيما تلاميذ المؤسسات التعليمية وطلبة الجامعات والمعطلون من جميع الشرائح الاجتماعية الذين يحملون خلفيات ثقافية وهموم فنية ويستمدون ميولاتهم الفنية من انتمائهم إلى هذا الهامش ذي الأبعاد الثقافية والجغرافية.. عمومًا كان الاحتفال بالوردة يطبعه الارتجال والعفوية والبساطة وتكرير الموسم لذاته حتى فقد بريقه.. لم تكن الثقافة مرغوبًا فيها من لدن المسيرين فعلى امتداد نصف قرن لم تشهد حفلة الورود نشاطًا ثقافيًا واحدًا.. الثقافة والمثقف مستبعدان من دائرة الاهتمام في مناسبة تحتاج إلى الثقافة للترويج الواعي والتسويق المتمر للوردة بنت البلدة والنابتة من صلبها.

3 – مهرجان الورود: أسئلة التحول وإكراهات التوطين ترجع القفزة المفصلية التي أحدثتها الدورتان الأخيرتان من المهرجان شكلًا ومضمونًا – رغم الإكراهات الكثيرة التي تحد من إشعاعه ومن آثاره ووقعه التنموي – إلى عدة عوامل وبواعث متظافرة كانت مصدر الإخراج الجديد لثوب الحدث البيئي المحلي بقلعة مكونة نفصلها أسفله:

✓ – بداية المرافعة الواعية بأهمية تثمين الورد نتيجة التراكم الكمي والنوعي لجمعيات تكاثر عددها بواحتي دادس ومكون استجابة لمحك التحول الاجتماعي بواحات حوض دادس عمومًا واستجابة كذلك للمخرجات النوعية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكّن من تهجير أشكال تنظيمية جديدة للبنية القروية التي كان شيوخ القبائل والأعيان في البداية هم المخاطبون الرئيسيون فيها يحضرون إلى الجلسة السنوية لتسعير الورد لا يبدون آرائهم حول المنتوج ولا ينقلون أصوات الفقراء والفقيرات الذين يراهنون عليه في سياق الاقتصاد العائلي ومعظمهم يحصلون على موازين – تذر عليهم أرباحًا من ثمنه الزهيد – توزعها عليهم شركتان تعنيان بتقطير الورد العطري بمعملين: الأول بدادس الأوسط والثاني بمركز قلعة مكونة.

✓ – إن انبلاج الفدرالية البيمهنية للورود العطرية – رغم أعطاب التأسيس ونواقص البداية ونشاز بعض أعضائها الذين يفتقدون للخبرة ولشرعية المرافعة والمنافحة عن الورد – يعتبر حدثًا جمعويًا في صميم تهيئة تربة الانطلاقة الأولى للمهرجان في نسخه الجديدة.. كان ينبغي تمثيل الفلاح المعني بالورد في هذه الهيئة العارف بثقافة الورد زراعة وقطفًا وتقليمًا وتصفيفًا وسقيًا، وكان لازمًا لازمًا تمثيل المرأة القروية التي تقطف الورد وتصطبر على أشواكه وكان من الأفيد تمثيل بعض الجامعيين من تخصصات متعددة يوفرون القاعدة العلمية للتفاوض والمرافعة ذات الأساس المعرفي.

✓ – بداية الإرهاصات الأولى لظهور متدخلين آخرين في تقطير الورد وتسويق مستحضراته حيث أنشأوا في البداية معامل صغيرة لا تستجيب لمعايير الجودة تشغل نساء قرويات ومع مرور الوقت نما هذا الشكل الجديد من إنتاج المستحضرات محليًا ساهم في توسيع بنية التسويق محليًا ووطنيًا..

✓ – ظهور تجارب رائدة قاربت سلسلة الورد العطري على مستوى الإنتاج والتصنيع والتسويق مستفيدة من دعم الإدارة الجهوية الوصية على القطاع الفلاحي متمثلة في مجلس الجهة الذي حاول إرساء بذور تثمين المنتوجات المحلية كوسيط تنموي ذي الآثار الاجتماعية والاقتصادية خصوصًا بعد الأزمات الاقتصادية التي تعاقبت على الدول الأوروبية وانسداد آفاق التشغيل وطنيًا؛ فبعد تثمين الأركان والصبار والزعفران في مراحل أولية، جاء الدور على الورد الذي يسبح تدبيره الاقتصادي في فوضى هدامة لثقافته وإنتاجه محليًا.. كل هذا عجّل بنقاش كان في البداية محتشمًا بين الصالح والطالح في شأن تصنيع الورد العطري لكنه سرعان ما تقوى عندما أصبح المجتمع الواحي يدرك أن الورد هو أساس تنميته وعبيره سيعطر سماء هذه المناطق المكدرة بأسئلة تخرج من القلوب تتوقف على الشفاه: «من المستفيد الأول من هذا المورد الطبيعي تسرقه الموازين المبثوثة في كل مكان طريًا تحمله الشاحنات إلى أماكن مجهولة يابسًا.. لماذا يتجمد سعر الورود ولا يخضع لقانون السوق؟ هل المواد الوردية المعروضة في الدكاكين المتناسلة تخضع لمعايير الجودة؟ هل هي مستوحاة من الورد الطبيعي أم مستخلصة من مواد كيميائية؟ هل هناك مراقبة طبية لهذا الكم الهائل من المنتوجات الرائجة بقلعة مكونة؟ كيف يحصل المزارعون على حقهم من الدعم المخصص للتثمين في إطار مخطط المغرب الأخضر باعتبارهم الحلقة الأساسية في سلسلة الورد العطري؟ لماذا تلكأ ظهور التعاونيات الخاصة بإنتاج الورد العطري هل السبب يعود إلى بطء المساطر الإدارية المنظمة لها أم لجهل الواحيين بها واحتكار البعض لها في إطار تعاونيات عائلية؛ أم “لكسل” الإدارة في التوعية بهذا النموذج الجمعوي ذي الفائدة البينة على المتعاونين؟ هل تستفيد قلعة مكونة من ورودها تتعطر بعطور منافعها أم هي حقل يحلبه الآخرون ومعمل يتطيبون بعبيره على حساب النساء القرويات المقهورات اللائي قدرهن أوخاز الشوك ولفحات الشمس وصفعات الفقر؟ متى يحين زمن التثمين الحقيقي للورد فيعود مردوده إلى أهله وإلى منشئه فيؤشر بعلامة تجارية تنجيه من عبث العابثين وتصيره رأسمالًا بيئيًا داعمًا وتضع حدًا أمام وسطاء وسماسرة التصنيع الكيميائي؟

✓ – التقطيع الترابي الجديد وما صاحبه من ظهور إقليم تنغير الوليد حفز الحكامة الترابية الجديدة إلى استثمار المهرجان السنوي للورد بقلعة مكونة وجعله مناسبة تنموية تعكس وجه الإقليم الجديد ذي الطابع الواحي كي تكون مستقطبًا بيئيًا وثقافيًا للسياحة الوطنية والدولية وتحقق ما لم يتم إنجازه عندما كانت قلعة مكونة تابعة إداريًا إلى إقليم ورزازات.. إن الإخراج الجديد للمهرجان خلاصة لتنافس المراكز الحضرية التابعة لورزازات الكبرى ونخبها السياسية والجمعوية والإعلامية وكل الحكامات من أجل تحقيق مكاسب مختلفة ومتنوعة.

4 – مهرجان الورود: آفاق الضوء ومدارات التعتيم ساهمت عمالة تنغير في شخص السيد العامل على تمهيد السبل وتذليل الصعاب التنظيمية لجعل مهرجان الورود يعكس الوجه البيئي الثقافي لهذا الإقليم الجديد لأن هذا الحفل يتواءم مع مجاله الجغرافي والثقافي ويخدم السياحة بامتياز وهو نقطة مضيئة سيكون لها وقع اقتصادي تنموي أكبر في ظل التقطيع الجهوي المرتقب بإحداث جهة درعة تافيلالت وسيصبح مهرجان الورد بقلعة مكونة ومهرجان التمور بأرفود سفيرين بيئيين بعمق مناطق الواحات وقدرة منتوجاتها المحلية – باعتبارها علامات نادرة ناطقة بتنمية مؤجلة – على بناء التنمية وإعادة الاعتبار لهذه المجالات المستنزفة بشريًا وثقافيًا وطبيعيًا.

من العلامات البراقة في تنظيم النسختين الأخيرتين من مهرجان الورود هي اعتمادها التواصل مع الحراك الجمعوي المتصاعد بدادس و تبنيها المقاربة التشاركية مع كل المبادرات بكل ألوان الطيف الجمعوي و غير الجمعوي، انسجم التنظيم مع طموح الشباب المحروم سابقا من حقه في المشاركة تناغم مع المبادرات الفردية التي طالها التهميش والمحسوبية في التجارب السابقة .. كان الإستعداد بحق عبارة عن تمارين تربوية ديموقرطية و قدوة منهجية لتهجير الحداثة التنظيمية لمناطق عرفت بالعنف الرمزي ضد كل ماهو جديد بمحو المبادرات وتعتيمها ، جاءت الدورة الواحدة و الخمسون كي تتصالح مع كل الطاقات المحلية بكل تجاربها و مقدراتها من المعرفة والفن والتفاني و الوطنية ولكي تضع اللبنة الأولى للتنمية البشرية القابلة لكل الأصوات ، المنصتة لنبض المجتمع ، رسا أهل الفن بفرشاة تشكيلهم يصنعون الحدث، وحمل الكتاب والمبدعون أقلامهم يتملون بطلعة كتبهم التي ولدت لأول مرة بعيدا عن بوتوكولات الطباعة ، وخرجت الضحكات عالية من دار الثقافة تبشر بربيع قلعة مكونة الحقيقي ، وانتصبت الثقافة جنبا إلى جنب في تشاكل دلالي مع المعرض التجاري في تآلف نقي طاهر زينته الوسائل الحديثة توزيعا تنظيما أعطى المعنى الحقيقي للحدث .. غير بعيد شدا الفنانون يعزفون حضورهم الأول على منصة البداية .. وفي ساحة خارج المدينة أثارت أسراب الفرسان نقيع الفرح بالشهامة و البطولة .. أما الأطفال فوجدوا ضالتهم في فضاءات للترفيه أعدت لهم للعب تنسيهم حرمانهم الأزلي ولو مؤقتا .. قلت المظاهر السلوكية السلبية من سرقة وتحرش و مناوشات بنهج المقاربة الجديدة التي ساهم المجتمع المدني بحضوره في حفظ الأمن والتنظيم العام ، نسجل كذلك تصالح المهرجان مع الأنشطة الثقافية من ندوات وعروض وموائد مستديرة حول تيمات مستوحاة من صلب المجتمع الواحي وحاجاته.

سطوع نجم الدورتين السالفتي الذكر من تاريخية مهرجان الورود بقلعة مكونة لا يخفي البثة نواقص و إكراهات كثيرة نجملها في قلة تجربة الكثير من الفاعلين والمتعاونين وضيق الحيز المكاني المخصص لتنظيم معظم الأنشطة لأن الشارع الوحيد بالمدينة يعرف تصفيف أنشطة متنوعة على امتداده بدءا بساحة البلدية ووصولا إلى ساحة الفروسية ما يربك حركية سير الحاجين إلى المهرجان ويخلق ارتباك جلي وقلاقل تنظيمية وزخم غير معتاد لأن مثل هذه التظاهرات لا ينبغي فصلها عن سياق التنمية وعن المؤهلات القادرة على احتضانه من بنية تحتية من فنادق مختلفة التصنيف ومستشفى مجهز و طرق و موارد بشرية متشربة .. فبقدر تجويد المهرجان من حيث فقراته و تنويع وسائل تشهيره والدعاية له بقدر ازدياد عدد الوافدين إليه من فعاليات متعددة محلية ووطنية ودولية ومن زوار وهذا ما يفتح شرعية التساؤل عن قدرة مركز قلعة مكونة ذي الخصائص القروية وذي الطبيعة الواحية على احتضان مهرجان كبير يحتفي بالوردة رمز الجمال و السلام في جميع الثقافات و الحضارات ، بمقاييس الجودة و بمعايير التنظيم المحكم الخالي من الآثار السلبية على البيئة و على الإنسان .. آن أوان التفكير في صيغ تنظيمية جديدة وازنة حكيمة قادرة على تحرير فكرة التأسيس لمهرجان لا شك أنه سيلعب دورا طلائعيا في التنمية القروية التي عزت في الواحات المطمورة .. هذه مسؤولية يجب أن يتجند لها الجميع بروح وطنية من غير تعصب ولا تحيز حتى نحافظ على هذا التراث الذي سيدون في الذاكرة الجماعية الجديدة .
هذا ناهيك عن غياب شبكة لتقويم الأنشطة المقترحة من قبل جميع الفاعلين تستند إلى أرضية استراتجية و خطوط عامة تؤطر المهرجان قلبا و قالبا فكثيرة هي الأنشطة التي تم قبولها من طرف لجن التقويم دونما وعي بها وبأهميتها ومدى خدمتها للإستراتيجية المؤطرة و الموجهة فإعادة إنتاج حلقة جامع الفنا مثلا بساحات قلعة مكونة هو تكرار قاتل لتراث شفهي وفصل غير سليم له عن ساحته الأصلية على حساب أشكال ثقافية تم السكوت عنها كان بالإمكان استحضارها حتى يتم التعريف بها و نشلها من براثن الشفهية إلى حبر التوثيق ونور التدوين . أن الورد عنصر لا يمكن فهمه حقا إلا داخل نسقه الثقافي ونظامه المجتمعي. تعيين رؤساء اللجن التنظيمية ينبغي ان يكون على أساس الكفاءة و الخبرة والمعرفة على ضوء سير ذاتية منصفة للجميع حتى نحقق التراكم المرجو وننأى بالمهرجان من التبسيط و التسطيح و الجفاف التنظيمي الذي يقتل أكثر مما يذر العطاء.فما تم تناقله عن تصدع في لجنة الإعلام الخاصة بالنسخة الأخيرة من المهرجان و من لغط كبير حول نشاطها يخفي صراعات ذاتية وهمية تتغذى من عصبية ومن قبلية غير محمودة في مثل هذه التظاهرات الإنسانية التي يجب ان ينتفي فيها مثل هذه السلوكات التي تعيد الى الأذهان «عهود السيبة» و«المجتمع الانقسامي » و«هرمية اللفوف». إن مهرجان الورد ايقونة إقليم تنغير وحاملة ثقافة الواحات فتذويب الخلافات شرط أساس لتمكين الجميع من المساهمة في وضع الإستراتيجية المبتغاة و تغليب جانب الخبرة والكفاءة هو المحك الصلب الذي سيغني ثراء برامج المهرجان مستقبلا.

5 – مهرجان الورود و استشراف الآتي

للرقي بالأشكال التنظيمية لمهرجان الورود باعتبارها تراثا وطنيا وجب الحفاظ عليه و تأهيله في جانبي الشكل و المحتوى وبالنظر الى كونه ذخيرة احتفالية من عمق .نجمل هذه المقترحات كالآتي:

✓ – مأسسة المهرجان بتأسيس إطار جمعوي كفء يضم خبراء في التواصل و التدبير المالي وفنيين و تقنيين و مستشارين في العلوم الجغرافية و الاجتماعية و النفسية و فعاليات من المجتمع المدني يعنى في المبتدأ و المنتهى بتنظيم المهرجان بتنسيق مع جميع المتدخلين ، وبتقويم أنشطته ووضع خطط ملائمة تضمن تأثيره الايجابي على مسار التنمية بشكل عام و تضمن تغذيته بأفكار من جنس الحاجات الحقيقية للانسان إسوة بما هو معمول به في المهرجانات المشهورة في بلادنا .

✓ – اعتماد أسبوع كامل في المهرجان بدل ثلاثة أيام لان حجم الاستعداد الكثيف المخصص للتحضير الملاحظ خلال الدورتين الأخيرتين يحتاج إلى مهرجان بحيز زمني أطول.

✓ – ولأن مدن الواحات عاممة تتميز بالنذرة في المجال و في الموارد و لان قلعة مكونة بتمدنها الهش ونسيجها الحضري الضيق المعمور بين نهري دادس و مكونة الخالي من بنيات تحتية ضرورية فهي لا تستطيع بنيتها الواحية بالمواصفات السالفة الذكر أن تحتضن مهرجانا بيئيا كبيرا بمواصفات الجودة المطلوبة من حيث توفر فنادق وشساعة مجالية وطرق واسعة ….لذا فان المنظمين مدعوون إلى التفكير في توسيع مجال التنظيم و نقل بعض الأنشطة إلى الجماعات المعروفة بإنتاج الورد ومن تم ستعطى الفرصة لهذه الجماعات لاختيار الأنشطة التي تتوافق مع معطياتها السكانية و المجالية. فبدل منصة واحدة بساحة بلدية قلعة مكونة يمكن إقامة منصات نوعية على طول الواحتين، ويكمن نقل نشاط التبوريدة إلى بومالن دادس لتوفرها على حيز مكاني قادر على استيعابه ناهيك عن الامكانات التي توفرها هذه المنطقة لتنظيم ندوات الجدل الفكري و التنموي وورشات تنشيطية حول قضايا الثقافة والهوية و التنمية الجبلية و الرصيد التاريخي فبومالن دادس منطقة وسطى بين مركز العمالة الجديدة و عاصمة الورود وهي كذلك منطقة وسطى بين مراكز تتحلق حولها مزدانة بناشطين جمعويين كثر ويتعلق الامر بمركز امسمرير ومركز اكنيون ومركز تنغير . ويمكن تنظيم الماراطون بجماعات أيت سدرات و خميس دادس حتى يصطبغ بطابع الورد و القصبات وأرائج الوادي .. فتهجير بعض أنماط تنظيم المهرجانات من المدن إلى الأرياف يجب ان يخضع لتكييف و تعديل و اجتهاد حتى لا نضر بهذه المناطق وحتى نخلص لنسيجها الثقافي و الطبيعي .

✓ – توخي الدقة في اختيار الأنشطة و اعتماد عقود تلزم المستفيدين من التمويل تجويد أنشطتهم واعتبار عنصر الجدة والإبداعية ومراعاة الجوانب الثقافية التليدة وربط مضامين الأنشطة الفنية و الإبداعية بثقافة الواحات عموما .. مثمن بالبنى التحية وبأنشطة ورودية مذرة للدخل و الحياة الطيبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *