استبق إحاطة دي ميستورا.. هل يمهد “تأكيد أمريكا” الطريق لطي نزاع الصحراء؟

جددت الولايات المتحدة الأمريكية، أمس الثلاثاء، اعترافها الواضح والثابت بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه، في موقف لا غبار عليه عبر عنه كاتب الدولة الأمريكي، ماركو روبيو، خلال لقائه بوزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة في العاصمة واشنطن.
هذا التأكيد جاء ليزيح كل الغموض الذي حاول البعض الترويج له خلال ولاية الرئيس جو بايدن، ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، كما رسم معالمه دونالد ترامب في رسالته التاريخية إلى الملك محمد السادس سنة 2020، حين اعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وهو يؤكد أن الرسالة باقية، والموقف الأمريكي لا يتزحزح، حتى وإن حاول البعض إيهام نفسه بالعكس.
ويأتي هذا الموقف الأمريكي الحاسم قبل أيام قليلة من الإحاطة المرتقبة التي سيقدمها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء المغربية، ستافان دي ميستورا، أمام مجلس الأمن منتصف أبريل الجاري، ما يضفي على هذه الإحاطة أهمية خاصة، فالتأكيد الأمريكي المتجدد، الذي يرسخ الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، يبعث برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن حل هذا النزاع المفتعل لا يمكن أن يخرج عن إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتباره الخيار الواقعي الوحيد لتسوية القضية.
دينامية جديدة
كما أن التطورات التي شهدها الملف منذ الاعتراف الأمريكي الأول سنة 2020، مرورًا بالمواقف المتسارعة التي تبنتها قوى كبرى مثل فرنسا وإسبانيا، تجعل من إحاطة دي ميستورا القادمة محطة لتقييم مدى استجابة الأمم المتحدة لهذه الدينامية الجديدة، وما إذا كانت ستواكب التحولات الحاصلة أم ستظل رهينة لمواقف متجاوزة لم تعد تلقى صدى في المشهد السياسي الدولي.
وفي هذا السياق، أكد الخبير في قضية الصحراء، عبدالمجيد بلغزال، في تصريح لجريدة “العمق” أن البيان المشترك الصادر عن وزارتي الخارجية الأمريكية والمغربية أعاد التأكيد على دعم الولايات المتحدة لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وأبرز أن المستجد في هذا البيان يتمثل في وصف الحكم الذاتي بأنه الحل الوحيد والأنسب لإيجاد تسوية سياسية واقعية، وفقًا لمبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها.
وأشار بلغزال إلى أن الموقف الأمريكي سيؤثر بلا شك على تطورات الملف، حيث سيساهم في إنهاء حالة الغموض التي سادت خلال ولاية بايدن، رغم أن الولايات المتحدة لم تتراجع عن اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، كما سيعزز الاعتراف بالحكم الذاتي كحل وحيد ودائم للنزاع، ويدعم استراتيجية المملكة في حشد التأييد الدولي لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها تسوية سياسية عادلة وواقعية، إضافة إلى تكثيف الجهود مع الدول الصديقة لوضع خطة متوافقة مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، تهدف إلى إخراج الملف من مداولات اللجنة الرابعة.
وأوضح أن أبرز ما جاء في البيان الأمريكي هو التأكيد على أن الحكم الذاتي يمثل الإطار الوحيد لحل النزاع، وفقًا لرؤية الأمم المتحدة التي تدعو دائمًا إلى مقاربة تقوم على الواقعية والتوفيق بين المشروعية الدولية والواقع السياسي إعمالا من جهة للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن بدءا من القرار 1754(2007) وانسجاما مع التوصية الواردة في تقرير الأمين العام الصادر بتاريخ 16 ابريل 2008 ضمن الوثيقة S/2008/252، والتي جاء فيها “أن تحلي الطرفين بالواقعية والرغبة في التسوية أمر ضروري لإحراز تقدم في المفاوضات، ويشجع البلدين المجاورين على تقديم إسهامات هامة وفعالة في هذه العملية، ويشدد على أهمية أن تسهب جميع الأطراف المعنية في عرض تفاصيل مواقفهما من أجل التوصل إلى حل”. كما شدد على أن البيان تضمن إشارة أساسية إلى مفهوم “الحكم الذاتي الحقيقي”.
وفي هذا السياق، رفض بلغزال أي تصور بأن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على المغرب لتقديم تفاصيل إضافية أو تجاوز مقترحه بشأن الحكم الذاتي، مؤكدًا أن هذا المقترح في جوهره يقوم على تصور متكامل لحكم ذاتي حقيقي. وأوضح أن المبادرة المغربية انطلقت من رؤية تهدف إلى تعزيز البنيات الديمقراطية وتحديثها، في إطار مشروع ديمقراطي حداثي يشمل المغرب بأسره، بما في ذلك الصحراء المغربية، ويرتكز على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الكونية.
حلول تفاوضية
وأوضح أن المقترح المغربي يظل مفتوحًا على التفاوض، رغم إيجازه في بعض الجوانب، حيث إن تقديمه بتفاصيل أوسع قد يُفسَّر على أنه تجاوز لمجال التفاوض مع الأطراف الأخرى. وأكد أن جوهر هذا المقترح يقوم على مشروع ديمقراطي حداثي، يرتكز على أسس دولة القانون واحترام الحريات الفردية والجماعية، ويضمن لجميع الصحراويين، سواء في الداخل أو الخارج، دورهم الكامل ومكانتهم المستحقة داخل مختلف هيئات ومؤسسات الجهة دون أي إقصاء أو تمييز. كما تسعى المبادرة المغربية، التي تتسم بروح الانفتاح، إلى خلق بيئة مواتية لمسار تفاوضي وحواري قادر على التوصل إلى حل سياسي يلقى قبول جميع الأطراف.
أما على مستوى الصلاحيات، فقد أوضح بلغزال أن وثيقة الحكم الذاتي تستند إلى معايير دولية، وجاءت نتيجة مشاورات موسعة، لم تقتصر على الداخل المغربي، بل شملت أيضًا مشاورات مع أكثر من 40 دولة، مستفيدةً من التجارب المقارنة في هذا المجال.
وفيما يتعلق بتنزيل المقترح، أشار المحلل السياسي إلى أن الفصل الثالث منه يعالج الإشكالات المحتملة بين جهة الحكم الذاتي والدولة المركزية، كما أنه مؤطر بالمعايير والأهداف المستمدة من القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن. وأكد أن المقترح يعتمد على ركيزتين أساسيتين: عرضه على استفتاء شعبي، وإجراء تعديل دستوري يدمجه ضمن الوثيقة الدستورية.
خيار جيوسياسي
وعلى المستوى القضائي، أوضح أن هناك محكمة مختصة ستتولى الفصل في أي نزاعات قد تنشأ بين الجهة والدولة المركزية، مما يجعل المبادرة تستوفي كل الشروط اللازمة لتكون نموذجًا لحكم ذاتي حقيقي، وليس مجرد تصور نظري.وشدد بلغزال على أن نجاح هذه المبادرة يتطلب مناخًا ديمقراطيًا حقيقيًا، يقوم على سيادة القانون واحترام الحريات الفردية والجماعية، مؤكدًا أنه بدون هذه الأسس، لا يمكن للحكم الذاتي أن يحقق أهدافه، حتى وإن استوفى جميع المعايير الدولية.
وفي سياق متصل، أكد الخبير السياسي الفرنسي، كريستوف بوتان، أن تجديد الولايات المتحدة دعمها لسيادة المغرب على صحرائه يمثل خيارًا جيوسياسيًا يعكس التزامًا ثابتًا تجاه فاعل رئيسي على الساحة الدولية. ويأتي هذا الموقف استمرارًا لما أعلنه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في رسالة إلى الملك محمد السادس، مما يعزز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
وأوضح بوتان، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب قدمت في عام 2020 دعمًا كبيرًا ليس فقط لمبادرة الحكم الذاتي التي تساندها الأمم المتحدة، بل أيضًا لمغربية الإقليم، مشيرًا إلى أن السيادة الكاملة والتامة للمملكة على هذه المنطقة “باتت اليوم مؤكدة بوضوح”.
وأضاف أن “بعد مرور أربع سنوات ونصف، تؤكد الإدارة الأمريكية مجددًا أن الحل الوحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء يتمثل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”، مبرزًا أن قرار الولايات المتحدة عام 2020 كان له تأثير إيجابي على تطورات الملف دوليًا، حيث بدأت مواقف العديد من الدول تشهد تحولات، إما بالابتعاد عن الأطروحات التي تنكر مغربية الصحراء أو بالاقتراب من الاعتراف الصريح بها، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا.
وأشار بوتان إلى أن تجديد هذا الموقف الأمريكي سيؤدي إلى تأثيرات إضافية في الاتجاه نفسه. كما اعتبر أن “الوضع الحالي للصحراء المغربية، باعتبارها محورًا اقتصاديًا مستقبليًا بفضل ميناء الداخلة الأطلسي، وكقطب استقرار أمني في منطقة تتزايد فيها التهديدات، خصوصًا في الساحل المجاور، ينبغي أن يدفع دولًا أخرى للانضمام إلى صف الداعمين لهذا الحل الواقعي”.
اترك تعليقاً