وجهة نظر

الهجمات المتكررة في تركيا.. ما الغرض منها ؟

تعرضت تركيا في الشهور الأخيرة لعدة هجمات استهدفت النقط الحساسة داخل البلاد، وآخرها الهجوم الإرهابي الذي استهدف “مطار أتاتورك” الدولي بإسطنبول أمس الثلاثاء 28/06/2016، وراح ضحيته 48 شخصا حسب أخر الإحصائيات إضافة إلى عشرات الجرحى. هذه الواقعة جعلت بعض الأسئلة تساورني كما قد تساور كل متتبع للهجمات التي استهدفت تركيا مؤخرا، حول من يقف وراء هذه الهجمات المتكررة ؟ تحميل المسؤولية ل “بيكاكا” أو “داعش” لم يعد يشفي الغليل، فإن كان أحدهما هو الفاعل فمن يقف وراءه ؟ لأنه من المستحيل أن نصدق أن إحدى هاتين المنظمتين قامت لوحدها باختراق كل الحواجز الأمنية وفي غفلة من الاستخبارات التركية لتضرب أكبر مطار في تركيا..! وبعد كل هذا، من الرابح من وراء استهداف أمن واستقرار تركيا ؟

تلعب تركيا دورا مهما في معادلة الشرق الأوسط، من خلال سياستها الخارجية الداعمة لشعوب المنطقة، وربما هذا ما جعلها مستهدفة من المنظمات الإرهابية ومن بعض الدول، خصوصا ما يتعلق بالملف السوري الذي يمثل نقطة اختلاف جوهرية بين تركيا وبعض البلدان المجاورة، هذا الموقف جعل دول المنطقة تنظر إلى تركيا (كعدو)، أو (كمنافس قوي في الساحة)، مثل إيران وروسيا وإسرائيل.

منطقيا فإن اختراق الخطوط الأمنية من طرف “انتحاري” يحمل حوالي “كيلوغرام” أو أكثر من المتفجرات، وبدون علم الاستخبارات التركية، ليضرب نقطة مهمة جدا، فهذا كما قلت سالفا يستحيل أن تنفذه لا “داعش” ولا “بيكاكا” دون وجود استخبارات قوية وراءها.

بالنظر إلى طريقة تنفيذ العملية (إنتحاري)، وبالرجوع إلى العمليات المشابهة، فإن أغلبها -إن لم أقل كلها- كانت “داعش” مسؤولة عنها، لكن إن كانت داعش هي المنفذ، فمن يقف وراءها ؟
هناك عدة احتمالات واردة عن الجهة التي تقف وراء هذه التفجيرات، ولعل “روسيا”، و”إسرائيل” هما أبرزها.

الاحتمال الأول: روسيا

إن علاقة موسكو بأنقرة اتسمت ببعض التوتر خلال السنوات الأخيرة، وذلك نتاج لموقف كلا البلدين من “الملف السوري”، وقد بلغ هذا التوتر أشده حين أسقطت الطائرة الروسية من طرف الجيش التركي بدعوى اختراقها للأجواء التركية، شكل هذا الحدث النقطة التي أفاضت الكأس، فقطعت العلاقات الروسية التركية، وطلب بوتين من أوردوغان الاعتذار، إلا أن هذا الأخير رفض ذلك، وبعد مدة اتضح أن هذا القرار أدى إلى خسائر كبيرة لدى الطرفين، ما جعلهما يبحثان عن سبيل لإعادة العلاقة إلى سابق عهدها، وهذا ما تأتى لهما مؤخرا بعد أن اعتذر الرئيس التركي لعائلة الطيار الروسي، ما جعل العلاقة تتحسن.

يمكن أن يكون لروسيا دخل في الأعمال التي حدثت في تركيا مؤخرا، خصوصا وأن حالة روسيا الاقتصادية ليست على ما يرام، ما يمكن أن يدفعها إلى فعل كهذا لتعزيز التعاون معها، قصد “محاربة الإرهاب” الذي يوجب تحسين العلاقات.

الاحتمال الثاني: إسرائيل

قامت أنقرة بتطبيع علاقاتها مع تل أبيب بعد خلاف دام 6 سنوات، يأتي هذا التطبيع قصد تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ينظر البعض إلى هذا على أنه اقتناع تركي بضرورة مصالحة إسرائيل قصد الحفاظ على الأمن القومي التركي، لكن ها قد تصالح البلدين، لكن رغم ذلك وفي الأسبوع الأول للتطبيع فجر مطار أتاتورك.

يمكن لإسرائيل أن تكون وراء هذا التفجير، وذلك لتسريع عملية التطبيع، وفتح المجال أمام العلاقات التركية الإسرائيلية لتعود كما كانت إن لم أقل أفضل، والخطة تقوم على أنه بعد إعادة العلاقات إلى سابق عهدها ستنعم تركيا بالأمان، لتتأكد أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من معادلة الأمن القومي التركي، وأنها شريك أساسي في المنطقة.

المصلحة أم التطبيع

إن طبيعة العلاقات الخارجية لأي دولة تتسم بالبحث عن “المصالح”، وحيث دارت هذه الأخيرة دارت معها الدول، فبالرغم من أن نتينياهو في عين أوردوغان ارتكب مجاز حرب في غزة، والموقف التركي لا يخفى على إسرائيل وهو الإصطفاف جنب الشعب الفلسطيني، فإن إلتقاء المصلحة جعلت الطرفين يصلان لتسوية للخلافات السابقة، وكذلك بالرغم من الموقف الروسي الواضح بخصوص الوضع في سوريا، والموقف التركي الذي يمثل نقيضه تماما، فإن مصالح الطرفين إلتقت لتجعلهم يسويان علاقتهما، ويبقيانها على اتصال دائم، فحتى حين توقفت لسنة سارعت أنقرة وموسكو للبحث عن حل. وهذا هو الوضع الراهن إلى حين دوران المصلحة باتجاه آخر لتدور معها رحى الدول، لنجد حلفاء اليوم، أعداءا في الغد.

تلك المصلحة التي جعلت “الشيطان الأكبر”، و”محور الشر” يلتقيان، وجعلت تركيا تضع يدها في يد إسرائيل، هي نفسها التي قد تجعل إسرائيل تقف وراء الهجمات المتكرر داخل الأراضي التركية، وهي نفسها التي يمكن أن تجعل روسيا أو إيران تقفان وراءها.

الأمن القومي التركي المقدس

كما أن الجانب التركي قد تأكد على أنه لا يمكن حفظ الأمن القومي، دون تطبيع العلاقات مع تل أبيب، فإن هذه الأخيرة تبين لها، أن الأمن القومي التركي هو أكثر شيء يمكن أن يحرك أوردوغان، لذلك وجب على “نتنياهو”، أو “بوتين”، اللعب على أوتاره ما دامت تركيا تغض الطرف عن إسرائيل وروسيا، وحين أعلن رسميا عن عودة العلاقات إلى سابق عهدها بين الدولتين وتركيا، جاء “الهجوم الأخير” لإجبار “أوردوغان” على الإسراع في “التبطيع” للبدء “بمكافحة الإرهاب”.

خلاصة

خلاصة ما قيل في السطور السابقة، هو أن تركيا مستهدفة “بالهجمات الإرهابية” لوضعها أمام “الأمر الواقع”، وإقناعها بأن مصلحتها المتمثلة بالأساس في حفظ “أمنها القومي”، تقتضي “تطبيع” العلاقات مع مجرم حرب، “كنتنياهو”، وقاتل “كبوتين”.