وجهة نظر

عصف ذهني في قضية قوامة الرجل على المرأة

تعد قضية قِوامة الرجل على المرأة من القضايا المثيرة للجدل اليوم داخل المجتمع الذي يعرف تحولات عنيفة نتيجة هيمنة الفكرة المادية واختراقها لبنيات التفكير عند الرجل والمرأة، ونتيجة تأثير أفكار المساواة على المجتمع، وتصوير الفلسفة المادية لما يرتبط بالمرجعية الإسلامية أنه تخلف بطرق ملتوية وملبسة وخفية، وما يجد ذلك من موافقة لهوى النفس عند المرأة والرجل أحيانا، ونظرا لما نتج عن عمل المرأة وفق شروط سوق شغل صاغتها المادية الغربية وقلبت فيها معادلة القوامة المعنوية والمالية بين الرجل والمرأة، وغيرت مفهوم طاعة الزوجة لزوجها، وانعكست على تربية الأبناء ذكورا وإناثا.

وسنحاول في هذا المقال الحديث عن الإطار القرآني المحدد لقوامة الرجل على المرأة بوصفه الكتاب العملي الذي أنزل من الله العارف سبحانه بأدق خصائص الرجل والمرأة، ومن ثم دقة التشريع فيه لمبادئ أدوار كل منهما في الحياة. ثم نقوم بعصف ذهني حول متطلبات القوامة المعنوية للرجل على المرأة وبعض تطبيقاتها وأثرها على استقرار الأسرة، وبعض تطبيقات القوامة في بعدها المالي ومشكلاتها المعاصرة في ضوء شروط عمل المرأة التي صاغتها الحضارة المادية الغربية التي تبتعد عن الوحي وتجعل الإنسان مركزا، وتتمركز حول الأنثى حاليا.

أولا: الإطار القرآني المحدِّدُ لقِوامة الرجال على النساء

يتحدث القرآن الكريم بالقطع والوضوح عن اختصاص الرجل بالقوامة على المرأة في كل أمورها، بما فيها القوامة المالية [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ] (سورة النساء/ من الآية 34). ولقد اقتضت هذه القوامة من الرجل على المرأة أن يكون هو المخاطب الرئيس بوسائل معالجة نشوز الزوجة [واللاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ] (سورة النساء). والمرأة الناشز كما تحدث عنها المفسرون هي: “المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له”. (تفسير ابن كثير). ولأن الرجل هو المخول بممارسة القوامة فقد أُمِر مباشرة بالتوقف فورا عن الوعظ أو الهجر أو الضرب عند التزام الزوجة بطاعة الرجل الزوج، الذي تتوفر فيه شروط القوامة طبعا كما سنحددها لاحقا، [فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا]. وفي حالة تعذر معالجة النشوز بمختلف تلك الوسائل، وجه القرآن الكريم نحو استدعاء حكمين من أهلهما إذا اشتد الأمر وخيف الشقاق، وذلك من أجل الإصلاح بينهما إن أرادا ذلك وتعذرت عليهما السبل. [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا]. (سورة النساء/ الآية 35).

ولأن قوامة الرجل على المرأة رهينة بخصائص فطرية فضل الله بها الرجل على المرأة، مقابل خصائص مختلفة فضل بها المرأة على الرجل فطريا لتقوم بدورها الطبيعي، فقد نهى القرآن صراحة عن أن يشتهي الرجال أو النساء ما ميز الله به بعضهم على بعض [وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)] (سورة النساء، الآية32). وكأن الآية تخاطبنا اليوم حيث اشتدت دعوات المساواة المثلية بين الرجل والمرأة في كل مناحي الحياة، والغالب تعقب المرأة اختصاص الرجل خطوة خطوة دون مراعاة الخصوصية تحت مسمى محاربة الذكورية وتحقيق استقلالية المرأة وحريتها.

ويعد تكليف الله الرجل أولا بوقاية نفسه ثم أهله، أي زوجته وأبنائه ومن تحت قوامته، من النار وجها آخر من وجوه القوامة المنوطة به على المرأة [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] (سورة التحريم/ الآية 6). وجاء في تفسير الطبري عن ابن عباس، قوله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) يقول: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينْجيكم الله من النار. وجاء عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) قال: اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله.

وعندما تحدث القرآن عن اختصاص الرجال بالقوامة عللها بأمرين اثنين، الأول “بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ” والثاني “َبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”. وهاذان التعليلان يتضمنان بعدين للقوامة المنوطة بالرجل على المرأة، بعد معنوي وبعد مالي. والأفضلية التي بمناطها استحق الرجل القيام على المرأة معنويا وماليا تتطلب شروطا ومعايير نتعرف عليها في الآتي من الموضوع.

ثانيا: القوامة المعنوية: متطلباتها وبعض تطبيقاتها وأثرها على استقرار الأسرة
أ ـ السيطرة واستيعاب البعد الانفعالي العاطفي للمرأة

نوضح أولا أن المقصود بمفهوم السيطرة، بحسبانه خصيصة فطرية للرجل، هو: قدرة الرجل على ممارسة أقصى درجات التحكم في الانفعالات الذاتية. وهذا يمنحه نوعا من” الكاريزما”، أي قوة الجاذبية الشخصية التي بها يؤثر الرجل في المرأة وتنجذب إليه وتخضع له بإرادتها.
إن المرأة غالبا ما تميل إلى متع الحياة الدنيا أكثر، كما تميل إلى نوع من الأنانية والرغبة الشديدة في فعل أشياء أو تحقيقها قد تنتج عنها حتى مخالفات شرعية. ومن أمثلة ذلك: أن ترغب في استقلال فردي تام عن أسرة زوجها لتجنب أدنى احتكاك معهم على الرغم من تعذر ذلك أحيانا، بل وتفضل أن يعيش زوجها في أسرتها، الأنانية المفرطة في حب الخير وفعله لأبنائها على حساب أبناء إخوة أو أخوات زوجها، أو حتى أبناء جيرانها، تفضيل أمها وأسرتها على أم زوجها وأسرته، الرغبة في العيش بمستوى يفوق إمكانيات الزوج، الرغبة في لباس مثير وادعاء أن وجودها داخل أسرة الزوج يمنع ذلك، إلى غيرها من الأمثلة التفصيلية. وفي سبيل ذلك تضغط الزوجة على الزوج لتحقيق تلك الرغبات. ونلاحظ مثل هذا أيضا في انتصار المرأة لأبنائها تجاه المدرسين أو إدارة المؤسسة أو تجاه من لاحظ على ابنها أو نصحه أحيانا.

وإذا كان هذا الكلام في حاجة إلى مزيد من الدراسة الميدانية المعمقة، فإن الملاحِظ يمكنه الوقوف على حقيقة هذا الأمر في الواقع المجتمعي. ومما يدل على صحته أن الوحي نزل منبها للرسول صلى الله عليه وسلم وموجها له في أمر كهذا الذي نتحدث عنه؛ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة التحريم الآية1). فبقدر ما تضمنت الآية تنبيها وعتابا حول تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للحلال على نفسه إرضاء لزوجاته، بقدر ما تضمنت حقيقة أن الزوجات ترغبن منه صلى الله عليه وسلم عدم فعل شيء، رغم أنه حلال، تبعا لنفسيتهن التي تكره ذلك الشيء. فقد جاء في تفسير الطبري أن أهل العلم اختلفوا “في الحلال الذي كان الله جلّ ثناؤه أحله لرسوله، فحرّمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه، فقال بعضهم: كان ذلك في مارية مملوكته القبطية، حرمها على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلبًا بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته، لأنها كانت غارت بأن خلا بها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في يومها وفي حجرتها”(تفسير الطبري). والدليل الآخر هو نزول الوحي مخيرا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بين رغبات أنفسهن في ملذات الحياة الدنيا والطلاق، أو الضغط على تلك الرغبات ابتغاء مرضات الله والدار الآخرة؛ [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلْآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا]. (الآيتان 28 و29، سورة الأحزاب.)

فإذا كان هذا حدث لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فما بالنا في عموم المرأة الزوجة اليوم في ظل المغريات وانخرام الفطرة؟

ولا تخطئ العين مجاراة كثير من الرجال لزوجاتهم بعلة إرضائهن تجنبا لغضبهن، مما يجعل الزوجة تعتاد ذلك وتزيد شهوتها في اتجاه مزيد من انتظار قبول الزوج بأشياء مرتبطة بغيرة أو هوى إلى أن يقول ذات يوم: “كفى”. ويكون آوانها فات لأنه حينها كمن يتعامل مع مدمن على شيء ويريد هو منعه منه فورا.

وهذا ما يتطلب من الزوج قدرة كبيرة في القيام بدوره الفطري المتمثل في السيطرة (الكاريزما)، وقيامه بمسؤوليته وتحمل ذلك الضغط، الذي تمارسه المرأة بفطرتها وبما أفسدته منها المادية الغربية منذ البداية حتى لا تدمن على أشياء تتطور نحو الأسوأ. فيبذل وسعه ما أمكن لمساعدة زوجته على الحد من رغباتها النفسية تلك التي قد ينتج عنها مخالفات شرعية تدمر ما يبقي الأسر متلاحمة، أو تقع في محظور قطيعة الرحم أو الشقاق أو الطلاق.

ب_ إدارة العلاقات بين الزوجة وأفراد أسرة الزوج بالحوار والعدل

تعد علاقة الزوجة بأفراد أسرة الزوج، وخصوصا الأم والأخوات من المشكلات التي تهدد استقرار الأسرة وصلة الرحم، وعندما أسند الله القوامة للرجل على المرأة فذلك عائد إلى استعداده الفطري بحكم تكوينه البيولوجي على القيام بهذا الدور، لكن الاستعداد الفطري غير كاف، إذ يلزمه التكوين في هذا السياق والقوة والحكمة. فقد أُمِر الرجل أولا بالعدل [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ] (سورة النساء/34).

ومن المقامات التي تتطلب عدل الزوج هو الغيرة الزائدة، أو غير المبررة بين الزوجة وأم الزوج أو أخته، وأحيانا بين زوجات الإخوة، وهي الغيرة التي مردها الضعف في تكوين شخصية إحدى النساء عاطفيا بشكل متوازن. ومهما كانت الغيرة فدور الزوج، إن كانت الغيرة من قبل زوجته أو أسرته، هو التذكير بضرورة مقاومة هوى النفس والشيطان عبر الحوار اقتداء بما ورد “أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ مِن عِندِ عائشة لَيْلًا، قالَتْ: فَغِرْتُ عليه، فَجَاءَ فَرَأَى ما أَصْنَعُ، فَقالَ: ما لَكِ؟ يا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟ فَقُلتُ: وَما لي لا يَغَارُ مِثْلِي علَى مِثْلِكَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَقَدْ جَاءَكِ شيطَانُكِ قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، أَوْ مَعِيَ شيطَانٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: وَمع كُلِّ إنْسَانٍ؟ قالَ: نَعَمْ. قُلتُ: وَمعكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عليه حتَّى أَسْلَمَ. (الحديث ورد في صحيح مسلم). فهذه أم المؤمنين تغار غيرة ربطها الرسول صلى الله عليه وسلم بالشيطان، وعالجها بالحوار. وفي أحايين كثيرة قد يكون مجرد الاستماع للزوجة أو الأم أو الأخت حلا للمشكل، لأن أغلب فطرة النساء الرغبة في الثرثرة والحكي وليس تلقي النصائح.

وغالبا ما يعد تصرف الزوجة مع أم زوجها بسوء مؤشرا على انعدام أو ضعف حب الزوجة لزوجها كأن يكون الحب في بداية العلاقة ثم يضمر ولم يسيج بالمودة والرحمة، أو تزوجته لأسباب اجتماعية بدون حب أو تصبر فقط لأجل الأولاد، أو مؤشرا على فشل الزوج في تأمين الانتقال العاطفي للزوجة من الارتباط بأسرتها إلى الارتباط بزوجها وأسرته فيبقى ارتباطها بأسرتها أكثر، وذلك يجعلها، لا شعوريا، تقوم بإسقاط علاقتها بأبويها على علاقتها بزوجها، وإسقاط علاقتها بأفراد أسرتها (إخوة، أخوات، عمات وأعمام…) على أفراد أسرة زوجها، وهي العلاقات التي لا يمكن بأي حال أن تكون متشابهة. وهو ما يؤثر سلبا على علاقتها الزوجية نتيجة ذلك الفشل في الانتقال العاطفي.

وهذا الانتقال هو ما كانت الأمهات قديما تعد البنات له من خلال إعدادهن للزواج، ويساهم فيه الزوج عبر تحسيس الزوجة بذلك. والنجاح في هذا الانتقال العاطفي رهين بمدى إفهام الزوج زوجته باختلاف الوسط الجديد (الزوج وأسرته) عن وسطها الأسري الذي ترعرعت فيه. وغالبا ما تكون تصرفات الزوجة تجاه أم الزوج هي انتقام لا شعوري من الزوج. وفي بعض الأحيان تكون الزوجة هي ضحية صلابة الأم في التعامل عندما تكون مدعومة من ابنها مطلقا. وفي كلا الحالتين ينبغي أن يكون الزوج قاضيا عادلا في خلق التوازن في العلاقات داخل البيت، محاورا قويا في تقريب نقاط الخلاف، محتويا للزوجة والأم وأخواته.

والإنصات للأم أمر ضروري لما يوفره من معلومات جوهرية تمكن الزوج من تحقيق التوازن في علاقة أمه بزوجته من جهة، وفي علاقته هو معهما. وخصوصا عندما تكون الأم من الشخصيات التي تتحمل التصرفات غير السوية للزوجة ولا تنقلها لابنها حرصا على علاقته بزوجته. وفي هذا السياق ينبغي للزوج تذكير زوجته بقاعدة ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، التي ينبغي أن تحكم تصرف الزوجة وكأن أم زوجها بمثابة أمها، فيكون تعامل الزوجة مع الحماة وباقي أفراد أسرة الزوج كما تحب أن يتعامل مع أمها وأسرتها دون أن يمل الزوج من ذلك التذكير.

ومن مقامات الحوار المفضي لتوظيف قيمة العدل فهما وتنزيلا؛ أن يقارن الأطفال (أبناء الإخوة في الأسرة مثلا) بين آبائهم في عدة أمور (الوظيفة أو طبيعة العمل، المدخول المالي، البنية الجسمية، نوع السيارة، اللباس، طريقة الكلام… وغير ذلك)، وواجب قوامة الرجل داخل الأسرة هو توجيه الأطفال وتنبيههم إلى عدم جدوى تلك المقارنة، ومحاورة الزوجة بدل الاصطفاف وراء الأطفال والزوجة في تلك المقارنات وجعلها وقودا للافتخار والمباهاة، وتسميم العلاقة بين الأطفال والإخوة داخل الأسرة الواحدة ولذلك ضرر بالغ، ليس على العلاقات بين الكبار فقط، بل ضرره أبلغ على الصغار من ناحية بناء شخصية سوية ومعتدلة.

ويعد الحوار مدخلا لإقامة العدل بين أفراد الأسرة، وانعدام الحوار داخل الأسرة قنبلة موقوتة تنفجر في لحظة وتشتت الأسرة. والمقصود بالحوار الأسري: “هو التفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة عن طريق المناقشة، والحديث عن كل ما يتعلق بشؤون الأسرة من أهداف ومقومات وعقبات ويتم وضع حلول لها، وذلك بتبادل الأفكار والآراء الجماعية حول محاور عدة، مما يؤدي إلى خلق الألفة والتواصل”. (قيم أسرية من بيت النبوة، مركز إشعاع للدراسات الأسرية. فدوى توفيق ص 79). فغياب الحوار يعني أن كل فرد يفكر في مشكلة داخل الأسرة أو في مشكل يعانيه بمفرده. ونتيجة التفكير الفردي هي تصرف فردي صادم يؤدي إلى توترات وصراعات أسرية. لذلك لا بد من الحوار بين كل أفراد الأسرة. والحوار الأسري في حده الأدنى هو نقاش يومي حول مختلف الأحداث والقضايا داخل الأسرة، وفي حده الأقصى هو حوار حول قضايا تستشرف فيها الأسرة المستقبل وتتوقع. ولا بد أن يتأسس الحوار على احترام الأفكار مهما كان موقع صاحبها في الأسرة ومستواه، مع أخذ خبرة الكبار بعين الاعتبار وتطعيمها بالعلم، وأن ينتقي كل فرد الألفاظ والعبارات بعيدا عن التجريح والسخرية والتصنع.

ويشكل اجتماع أفراد الأسرة الممتدة فرصة حقيقية لتربية الأبناء على الحوار والقيم المجتمعية. ويشترط من كل فرد راشد التعامل بالعدل والعقل مع أخطاء الأبناء فيما بينهم، واعتبار كل تدخل للكبير هو تربية للأطفال بصرف النظر عن علاقة البنوة. طبعا مع توفر قدر من الثقافة التربوية لدى أفراد الأسرة الكبار يؤهلهم لتصحيح الخطأ دون انحياز عاطفي.

ج ـ حسن إدارة الرجل علاقة الحميمية مع زوجته والتحكم في غريزته

من أبعاد القوامة التي أناط الله بها الرجل، القِوامة النفسية، ومن أبرز تجلياتها قدرة الرجل على التحكم في شهوته وغريزته الجنسية حتى لا تصبح مدخلا تستغله المرأة لابتزاز الرجل والتلاعب به. و يقتضي هذا قدرة الرجل إخضاع حبه للمرأة للعقل حتى لا يصبح حبا أعمى يُفْقِد الرجل سيطرته عندما يتعلق بامرأة. (تداول شباب ورجال عبارات: تَنْتْسَطّا عليها، تَنْحْماقْ عليها، هْبْلَتْني…). وإنَّ ضُعْفَ القِوامة النفسية عند الرجل سبب في تداول النساء عبارات بينهن مفادها؛ أنكِ إذا أردتِ الحصول على شيء من زوجك فتزيني له وأشبعي له رغبته الجنسية ويعطيك ما تريدين. وعندما يكرس الزوج هذا الأمر بربط العطاء بتلبية الرغبة الجنسية، وبدونها يبخل فهو بذلك يعطي شرعية لما تفعله الزوجة. والحال أنه يجب الفصل بين الأمرين وأن ينفق الرجل الزوج من سعته.

وبدون هذه القدرة على السيطرة لنا أن نتساءل؛ كيف يستطيع الرجل الزوج تطبيق قوله تعالى: “وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ”؟ فقد تقمصت المرأة دور الرجل في هذه النقطة اليوم، وأصبحت هي من تهجره في الفراش أحيانا لانفعاله وضعف قوة جاذبيته الشخصية التي تعطي لهجره لزوجته معنى وتأثير عليها.

ومن مظاهر السيطرة وإدارة العلاقة الحميمية أن يتجمل الرجل في كلامه، وفي لباسه، وفي سلوكه، وفي كل تفاصيل الحياة مع زوجته. ومنها جمالية الجماع التي حددها القرآن في آيات النكاح التي تبين كيف ومتى يجامع الزوج زوجته. وفي السنة النبوية كما جاء في الحديث (عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها فإذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها.) رواه أبو يعلى. فمما يقتضيه فهمنا للحديث ضرورة توفر حد أدنى من السيطرة والتحكم في الغريزة الجنسية عند الرجل لإدارة تلك العلاقة الحميمة مع زوجته وفق مقتضى الحديث “فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها”.

ثالثا: عصف ذهني في القِوامة المالية للرجل على المرأة

تعرض بعد القوامة المالي للرجل على المرأة لهزات عنيفة نتيجة خضوعنا إجبارا لما فرضته علينا المادية الغربية من مفاهيم تتعلق بمفهوم عمل المرأة وظروف تطبيقه، والاختلاط في مختلف مرافق الحياة وأثره على تحصيل الذكور والإناث، ودعوات ضرورة اقتحام المرأة لعالم الرجل وتنظيم دورات حول؛ كيف تكوني مستقلة؟ كيف تكوني حرة؟

ويعد عمل المرأة أحد أسباب اختلال بعض الأدوار في مفهوم القوامة المالية للرجل على المرأة، حيث تحصر الحضارة المادية الغربية مفهوم العمل في كل جهد مقابل أجر مادي مباشر. ومن ذلك المنطلق اعتبرت المادية المرأة التي تعمل للقيام بشؤون بيت الزوجية عاطلة عن العمل. بينما يتسع مفهوم العمل في الحضارة الإسلامية ليشمل كل جهد يقوم به الإنسان ويبتغي به إقامة شأنه في الدنيا ونيل الجنة في الآخرة، سواء كان الجهد بمقابل مالي أو بدونه. وهو مفهوم العمل الذي أسست له الآية الكريمة [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]. (سورة النحل/97).

وتوزيع الوظائف والأدوار بين الرجل والمرأة، وفق الرؤية الحضارية الإسلامية، كان محكوما بالبعد البيولوجي الذي يجعل الأنثى مختلفة على الذكر من حيث الحمل والولادة والدورة الشهرية والعاطفة والقوة البدينة، ومحكوما بسؤال الغاية من قيام المرأة بدور معين يختلف عن دور الرجل ويكمله. فلم يكن إسناد وظائف الرجل للمرأة غاية في حد ذاته، بقدر ما كان الواقع وحاجة المرأة للقيام بأدوار معينة هو الموجه. فمارست المرأة في تاريخ الحضارة الإسلامية الطب، والتدريس، والفقه، وتربية الأبناء، واستشار الحكام معها وهي زوجة وأم، وشاركت في الحروب بوظائف محددة، تصل حد الجهاد بالسيف إذا اقتضى الأمر ذلك، لكن يبقى ذلك مؤخرا دائما على دورها الحيوي في تربية الأبناء وقيامها بوظائف الأمومة وبناء الرجال.

وبالرجوع إلى علاقة المرأة بالمال والرجل نقف مع خلاصات دراسة سويدية أكدت أن الثراء المفاجئ يزيد من إقدام النساء على الطلاق بعكس الرجال، وأوردت مجلة “فورتشن” أنه بالنتيجة تبين أن الثروة المفاجئة تدفع الرجال العزاب إلى الزواج، وتخفيض ميل المتزوجين إلى الطلاق كما تزداد رغبة الرجال في الإنجاب” (نقلا عن اندبندنت عربية بتاريخ 18 أبريل 2023، الساعة: 15 و43د). وبهذا نفهم لماذا جعل الله الطلاق بيد الرجل وليس بيد المرأة إلا في حالة ضيقة جدا يريدون اليوم توسيعها أكثر لتسهيل الطلاق وتعسير الزواج.

وتشمل القوامة المالية للرجل الزوجة والأم والأبناء، وقد تأثرت بالغلاء، لكنها تأثرت كثيرا بمجاراتنا أحيانا لنمط عيش ليست لدينا إمكانياته المالية. وتأثرت بدرجة إيماننا المنخفضة جدا في قضية الرزق الذي تكفل به الله وأمرنا باتخاذ الأسباب فقط. وبيان ذلك أننا نرى أشخاصا (ومنا من عاش هذه التجربة) لم يترك له أبواه ما يسمى اليوم مستقبلا (المنزل، السيارة، المال، المنصب، الزوجة…)، وإنما رَبَّياه تربية حسنة فبنى هو بنفسه حاضره (المنزل، السيارة، المال، المنصب…). بينما هو نفسه حريص أشد الحرص على تهيئة ذلك المستقبل لأبنائه!!! بل ربما خاصم أقاربه (أعمامه، إخوته…) وقطع رحمه من أجل ذلك المستقبل/ متاع الدنيا. ولم يسأل نفسه: ماذا سيفعل هؤلاء الأولاد إذا وجدوا كل شيء متوفرا؟ فالتجربة بَيَّنَت أن أغلب هؤلاء يَسْتَفْرِغون جهدهم في بناء ما يسمى مستقبل الأبناء ولا يستمتعون هم به، وبعد وفاتهم يقتسم الأبناء ذلك الإرث، أو يختصمون بسببه. يحدث كل هذا وسط مجتمع يفترض أن العقيدة التي تؤطره في قضية الرزق هي أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنه ما خلق الناس إلا ليعبدوه، وحذر من قتل الأبناء خشية الفقر، وأكد أنه تعالى يرزقهم ويرزق كل دابة على الأرض.

وفي كثير من الأحيان يتحول جوهر الزواج إلى تركيز فقط على الأجرة المالية، وأول ما يفكر فيه الزوج عندما يريد الارتباط بزوجة هو راتبها لتساعده على الحياة قبل أن يفاجأ بأمور أخرى تتعلق بالأخلاق أو بالقيم أو طبع معين أو بفهم خاطئ عند الزوجة للدين والطاعة، وسرعان ما يتحول الأمر إلى شقاق فطلاق. فوفقًا لدراسة نشرتها صحيفة الرياض توضح “أن 84% من المطلقات هن من الموظفات”. وهنا تظهر عدة أسئلة: هل الوظيفة هي السبب؟ أم أن سلوكيات الزوجة الموظفة هي السبب؟ أو أن زوج الموظفة بسلوكياته وزيادة غيرته هو السبب؟ أو أن زميلات وصديقات الموظفة هن السبب؟” (موقع صحيفة المدينة السعودية). أم هيمنة متطلبات العمل على متطلبات الزوجية والأمومة هو السبب؟ إلى غير ذلك من الأسئلة المقلقة. وكلها أسئلة تبين دور اختلال القوامة المالية للرجل على المرأة في هشاشة الأسرة والمجتمع.

وهناك أسئلة من باب العصف الذهني نحتاج إجابات عميقة عليها من قبيل: إلى حد يؤثر امتلاك المرأة عملا ودخلا ماليا، بالشروط المادية الحالية للعمل، سلبا على دور الرجل في القوامة المالية على المرأة؟ هل عمل المرأة وسيلة أم غاية ترتبط بتحقق كينونة المرأة الزوجة بما يشمله العمل من مغريات (الجاه/ المنصب/ الاجتماعات/ الشراء بشهوة المرأة..)؟ هل يرجع ما نراه من تحمل بعض النساء مسؤولية تدبير مالية الأسرة (إعطاء الرجل المرأة راتبه الشهري بعد خصم مصروف المقهى والحمام وبعض الأغراض) إلى انعدام شروط القوامة في الرجل؟

خلاصة

رأينا الإطار القرآني المحدد لقوامة الرجل على المرأة، وتناولنا بعض شروط القوامة المعنوية للرجل على المرأة ومتطلباتها، والمتمثلة في قدرة الرجل على السيطرة واستيعاب البعد الانفعالي العاطفي للمرأة، وإدارة العلاقات بين الزوجة وأفراد أسرة الزوج بالحوار والعدل، والقدرة على إدارة العلاقة الحميمية مع الزوجة والتحكم في غريزته. ثم رأينا بعض تطبيقات القوامة في بعدها المالي ومشكلاتها المعاصرة فيما له صلة بتحديات مفهوم العمل الذي صيغ في سياق رأسمالي مادي، وبعض مظاهر اختلال تطبيقات الإيمان وعقيدة الرزق.

وعموما فالإنسان الْحَكيمُ، رَجُلا كان أو امْرَأَةً، زَوْجا أَوْ زَوْجَة، هُوَ مَنْ يُحَوِّلُ التَّحَدِّياتِ أَو المُشْكِلاتِ والأَحْداثَ السّلبِيَّةَ إِلى فُرَصٍ لِلِاجْتِهادِ مِن أَجْلِ تَجاوُزِها عَبْرَ الصَّبْرِ وَالحِكْمَةِ وَالتغافُلِ بَدل تَحْويلِ تِلْكَ التَّحَدِّياتِ وَالْمُشْكِلاتِ إِلَى مَصدر لِلشَّقَاءِ وَالتَّعَاسَةِ لَهُ وَلِمُحيطِهِ عَبْرَ الانْفِعَالاتِ وَالنَّكدِ وَسُوءِ الظَّنِّ. وهَذا مِنْ صَميمِ الْبِناءِ النَّفْسِيِّ السَّوِيِّ الَذِي أَلَحَّ عَلَيْهِ القرآن الكريم لِيَجْعَلَ الإِنسانَ هُوَ مَنْ يَتَحَمَّلُ الْمَسْؤولِيَّةَ بَدَلَ إِلْقَائِهَا عَلَى الْمُحيطِ الخارِجِيِّ. فيقوم كل طرف بما يتوجب عليه وفق خصوصية الرجل والمرأة فطريا وفق ثنائية السيطرة والخضوع.

_____________________________________________________________________________

مراجع
 القرآن الكريم
 موسوعة الحديث
 تفسير ابن كثير: نسخة إلكترونية
 تفسير الطبري: نسخة إلكترونية
 فدوى توفيق: قيم أسرية من بيت النبوة، مركز إشعاع للدراسات الأسرية.
 موقع صحيفة “اندبندنت عربية” بتاريخ 18 أبريل 2023، الساعة: 15 و43د
 موقع صحيفة المدينة السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 4 أسابيع

    سييير. للقرن 7 ونعس وتغطى بجريد النخل رااه موجود عندكم فالجنوب الشرقي حيت من ملامحك ...ترواست اسمكٌُان ن طاطا ولا الرشيدية.ههههه....دوك الايات اللي ذكرتي لا انا ولا انت ولا اي انسان يمكن ان يفهم منها شيأ اليوم .لسبب بسيط لان سياقات كتابتها بالغة التعقيد من حيث تاريخها ومفاهيمها...القران ان صلح لاقوام بالامس فهو اليوم اقتضت كل تحولات البشرية ان يرَكَّنَ للتعبد به اما تنزيله على الارض فلم يعد ممكنا