وجهة نظر

المجتمع المدني وصناعة التغيير الاجتماعي: بين الطموح والواقع

لم يعد المجتمع المدني في المغرب مجرّد مبادرات خيرية أو أعمال موسمية، بل صار اليوم أحد الفاعلين الرئيسيين في الساحة الوطنية. من القرى النائية إلى قلب المدن الكبرى، هناك آلاف الجمعيات التي تتحرك، تبادر، وتطرح حلولاً لقضايا اجتماعية واقتصادية ملحّة.

لكن، ورغم هذا الحضور القوي، يبقى السؤال مطروحًا: هل نملك فعلاً القدرة على صناعة التغيير الذي نحلم به؟

من الاحتياج إلى الفعل

قوة المجتمع المدني تكمن في قربه من الناس. الجمعيات تعرف نبض الشارع، وتلمس معاناة الأسر الهشة، وتواكب الشباب في لحظات قوتهم وضعفهم. هذا القرب يمنحها مصداقية وقدرة على التدخل السريع حيث قد تتأخر المؤسسات.

غير أن هذا القرب وحده لا يكفي. فالتغيير العميق يتطلب رؤية واضحة، عمل منظم، وتحالفات ذكية تتجاوز منطق المبادرات الفردية أو ردود الفعل.

الواقع بين التحديات والفرص

في الميدان، نلمس واقعًا مزدوجًا:
• من جهة: هناك طاقات شبابية مبدعة، جمعيات ناجحة، ومشاريع أحدثت فرقًا حقيقيًا في حياة الناس.
• ومن جهة أخرى: هناك جمعيات تفتقد للشفافية، أو تكرر نفس الأنشطة بلا أثر ملموس، أو تعاني من نقص التمويل وانعدام الاستمرارية.

إضافة إلى ذلك، لا تزال العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني غير مستقرة؛ أحيانًا تتسم بالشراكة، وأحيانًا أخرى يسودها الحذر أو ضعف الثقة المتبادلة.

كيف نصنع الفرق؟

حتى يصبح المجتمع المدني قوة تغيير حقيقية، نحن بحاجة إلى:
1. توحيد الجهود: إنشاء منصات للتنسيق بين الجمعيات وتبادل الخبرات.
2. تطوير القدرات: الاستثمار في التكوين والابتكار، بدل الاكتفاء بالأساليب التقليدية.
3. تنويع مصادر التمويل: تقليل الاعتماد على الدعم الخارجي وبناء شراكات مستدامة مع القطاع الخاص.
4. جرأة في الطرح: الانتقال من معالجة الأعراض إلى مناقشة جذور المشاكل الاجتماعية.

الخلاصة

التغيير الاجتماعي ليس سباقًا قصير المدى، بل مسار طويل يحتاج إلى نفس قوي وإرادة جماعية.

إذا أردنا لمجتمعنا المدني أن يكون فاعلًا حقيقيًا في صناعة المستقبل، علينا أن نؤمن بأن الحلول ليست دائمًا بيد الدولة وحدها، بل أيضًا في طاقات مواطنين قرروا أن يكونوا جزءًا من الحل، لا مجرد متفرجين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *