وجهة نظر

نتائج البكالوريا.. متى ينصف المتفوقون في الشعب الأدبية؟

(ثلاثة إشكالات تُسائل عملية التقويم التربوي بالمدارس)

صار المتعلم في المقاربات الحديثة ــ ضمنها المقاربة بالكفايات ــ محور الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التعلُّمية، إذ بات يُنظر إلى العلاقة بين عملية التعليم وعملية التعلم بأنها علاقة تفاعلية بين معلم ومتعلم في محيط معين، أجبرت المعلم على ترك مسافة للتلميذ من أجل التعلم الذاتي والتعبير عن الرأي والتعايش مع خبرات التعلم، ونقلت دور المعلم من التلقين الذي يجعل التلميذ متفرجا على التعلم، إلى التنشيط والتوجيه والتحفيز. ويُقصد بالتنشيط إنعاش عقل المتعلم وقدراته ومواهبه.

ويُجْمِعُ القائمون على سير العملية التعليمية على أهمية التقويم في النظام التربوي، وعلى دوره الكبير في تحسين إنجاز المتعلمين، وفي الحكم على مدى وصول العملية التعليمية إلى أهدافها وتحقيقها لغاياتها الكبرى الموجِّهة لنظام التربية والتكوين. فالتقويم في مجموع النظريات الحديثة لا يدفع فقط نحو تطوير أداء المتعلمين، بل يدفع نحو تطوير المناهج التربوية والبرامج الدراسية وطرق التدريس، بحيث يُصيب ريحُها الطيب كافة المتدخلين في الحياة المدرسية، ويُجَوِّدُ كافة الموارد والعناصر الأخرى ذات الصلة بالعملية التعلِيمية التعلُّمية، فيتحسن بسبب التقويم أداء المعلم وتتقوى علاقته بالتلميذ، ويتحسن دور الإدارة وتتقوى علاقتها بالمعلم، وتتحسن ظروف التدريس والتمويل والشرَاكات التربوية، فتتقوى علاقة المؤسسة التربوية بمحيطها.

وهكذا فإن الحكم الموضوعي والدقيق على جودة مُخرجات العملية التعلِيمية التعلُّمية برمتها يقع على عاتق التقويم التربوي، الذي يُعد المُقَوِّم الأساسي لكل أنظمة التعليم. وعطفا عليه، فإن عدم فاعلية نظام التقويم تؤدي بالضرورة إلى عدم فاعلية جميع أنظمة التعليم، من مناهج دراسية ومقررات وأهداف وغايات…

وإذا كان التقويم هو عملية منظمة ووسيلة لقياس معلومات التلاميذ وقدراتهم العقلية كالقدرة على الملاحظة والفهم والتذكر والاستدلال… بطريقة كمية أو كيفية، وإصدار حكم بشأنها (التقييم) في انتظار اتخاذ قرار بشأنها؛ فإن الأسئلة الشفوية والكتابية التي يطرحها المدرس على المتعلمين تُعَدُّ أهم أدوات التقويم المدرسي بكافة مستوياته الرئيسية في بناء الكفايات وتحققها، سواء أكان التقويم تشخيصيا (قبليا)، أم مرحليا (تكوينيا)، أم إجماليا (نهائيا)، وهذا الأخير هو موضوع مقالنا.

ويطرح التقويم النهائي لتعلمات التلاميذ بالمدرسة المغربية في السنوات الإشهادية على الخصوص عدة إشكالات تربوية واجتماعية على مستوى وظيفته الجزائية، خاصة بعد اعتماد الدولة المغربية المقاربة بالكفايات في أواخر القرن الماضي (1999). ففي الوقت الذي ينشغل فيه الجميع ــ تلاميذَ وأولياءَ أمورٍ وعمومَ الناس ــ عند ظهور نتائج الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا، بمعرفة أسماء المتفوقين على الصعيد الوطني والمقارنة بين معدلاتهم، ومعرفة المديريات الجهوية والإقليمية والمدارس التي ينتمون إليها، فإنهم يغفلون عن عدد من الملاحظات ذات الطابع الإشكالي التي تفرزها هذه النتائج في الواقع التربوي، ولا بد من رصدها وإثارة الأسئلة حولها إذا كنا فعلا نروم تجويد التعلمات، ونطمح إلى ضمان تقويم شامل (لمعارف المتعلمين) بإمكانه السير نحو التطور المرغوب فيه، ويتم اختباره باستمرار. ويمكن ترتيبها على النحو الآتي:

الإشكال الأول: محاباة أساليب التقويم لتلاميذ الشُّعب العلمية

بعيدا عن أية مبالغة، ومنذ انتقال الدولة المغربية من التدريس بالأهداف إلى التدريس بالكفايات (1999)، تسجل وزارة التربية الوطنية في كل موسم دراسي أعلى معدل على الصعيدين الوطني والجهوي (يتجاوز عتبة 20/19,5) بامتحانات البكالوريا في دورتها العادية بإحدى الشُّعب العلمية: مسلك العلوم الفيزيائية على الخصوص، ثم مسلك العلوم الرياضية؛ وأحيانا نادرة في شعبة من الشُّعب التقنية: مسلك العلوم الاقتصادية نموذجا. وعلى النقيض من ذلك، لم يسبق أن أعلنت الوزارة ولو مرة واحدة في بلاغ من بلاغاتها حول نتائج الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا عن أعلى معدل وطني بشعبة من الشُّعب الأدبية. ما يُشعر طلبتها بِجَوْرِ نظام التقويم عليهم، ويُوَلِّدُ عندهم إحساسا بالدُّونِية أمام نظرائهم من طلبة الشُّعب العلمية، ويصبح وصف التلميذ ب “أدبي” مَعَرَّةً يخجل منه الأدبيون، ووصمة عار ينعت بها الطلبة العلميون أحد زملائهم في الشعبة كلما فشل في فهم درس من الدروس، أو في معالجة مسألة من المسائل العلمية بقولهم له: “الأخ أدبي لا يفهم”.

وبسبب هذا الجَوْرِ عليهم في التقويم تنشأ عندهم قناعات واستنتاجات خاطئة حول الشُّعب الأدبية، وحول اختياراتهم الدراسية وإمكاناتهم وقدراتهم العقلية، وينتهون إلى أنهم عاجزون عن مجاراة الطلبة العلميين في ذكائهم واجتهادهم، ويقتنعون أن الشُّعب الأدبية هي خيار من لا حظ له في الذكاء، وخيار من لا مكان له بين الطلبة العلميين النجباء. والواقع أن ذكاء الطلبة الأدبيين لا يقل عن نظرائهم من العلميين لو كانت هناك بالفعل عدالة في التقويم التربوي للاختبارات التحصيلية، ولو كانت هناك معايير دقيقة ترصد تلك الاختلافات البسيطة في الإجابات بين التلاميذ.

وحتى لو سلَّمنا، مع سابق الأسف والحسرة، بأن الأستاذ المصحح أيضا يتحمل جزءاً من المسؤولية عند تقويمه لإجابات التلاميذ في المواد الأدبية، وهي اللغة العربية واللغات الأجنبية والتربية الإسلامية والاجتماعيات والفلسفة، بحيث نجد أن أعلى درجة يمنحها المصححون لتلميذ الشُّعب الأدبية هي 20/18 مهما كانت إجابته وافية شافية؛ فإن المفروض أن هؤلاء المصححين يُقَوِّمون الإجابات بناء على أُطُر مرجعية خاصة بالامتحانات الإشهادية، وكفيلة بتحديد القدرات والمجالات المتوخى قياسها بدقة عالية، اعتمادا على إجراءات عملية ومعايير ثابتة يُفترض أن تُفرز نتائج منسجمة وغير متباينة؛ وبناء على دليل تصحيح يستطيع أن يميز الفروق الصغيرة في الأجوبة بين المتعلمين وفق سلم تنقيط دقيق وموثوق به، يتراوح بين صفر و20 نقطة. ما يدفعنا إلى التساؤل: هل نحن أمام تقويم حائف للمواد الأدبية، ومُحابٍ للمواد العلمية؟
الحقيقة أننا نشهد على مظهر من مظاهر هذا الحيف كل عام.

الإشكال الثاني: منح أساليب التقويم امتيازا كبيرا لمسلك العلوم الفيزيائية
المتتبع لنتائج البكالوريا منذ بداية الألفية الثالثة أيضا، لا يجد أدنى صعوبة في ملاحظة تَسَيُّدِ شعبة العلوم الفيزيائية لمشهد المعدلات المرتفعة في امتحانات البكالوريا في دورتها العادية. فمن بين العشرة الأوائل على الصعيد الوطني والجهوي، نجد أن مسلك العلوم الفيزيائية يحصد كل سنة تقريبا 10/05 فما فوق مقارنة مع باقي الشُّعب العلمية (مسلك العلوم الرياضية ومسلك علوم الحياة والأرض…) والشُّعب التقنية الأخرى (مسلك العلوم الاقتصادية، ومسلك علوم التدبير المحاسباتي، ومسلك العلوم والتكنولوجيات الكهربائية…)، بل إن بعض المسالك كمسلك علوم الحياة والأرض، ظل مُغَيَّبًا عن منصة التتويج لأكثر من عقدين من الزمن. ما يدعو للتساؤل والاستغراب في هذا الباب هو أن تلاميذ الشُّعب العلمية يتفرعون عن جذع مشترك علمي واحد!

فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن امتحانات مسلك العلوم الرياضية صعبة للغاية، ولا يختار هذه الشُّعبة إلا نخبة النخبة من المتفوقين، لما تتطلبه من نبوغ علمي لدى التلميذ، وقدرات لا حدود لها كالقدرة الفائقة على الملاحظة والقياس والتجريب والاستنتاج، فضلا عن الاستعداد للتحصيل الدراسي طيلة الموسم الدراسي، والقابلية للاشتغال لساعات طويلة على حل التمارين والمسائل بشكل يومي ومتكرر؛ فإن مسلك علوم الحياة والأرض من أيسر المسالك العلمية مقارنة مع مسلك العلوم الرياضية. والمنطق يفرض أن تتصدر هذه الشُّعبة النتائج الوطنية والجهوية أكثر من مسلك العلوم الفيزيائية التي تهيمن على المعدلات المرتفعة سنويا، وأكثر من مسلك العلوم الرياضية الذي لا يختلف اثنان حول صعوبة تجاوز عتبة 20/19 فيه في الامتحانات النهائية.

أتصور أن تقويم التعلمات له نصيب من المسؤولية في هذا الاختلال، خاصة إذا علمنا أن اختبارات المواد العلمية تكون إجرائية أكثر من اختبارات المواد الأدبية، وقياس الأهداف التعليمية فيها يكون أكثر دقة وموضوعية، ولا يطرح أية مشاكل على مستوى الثبات في النتائج. فكيف نفسر هيمنة شعبة العلوم الفيزيائية على باقي الشُّعب العلمية والتقنية؟ حتى أن التلاميذ المتفوقين باتوا يختارونها لهذه الغاية، ويراهنون عليها أكثر من باقي الشُّعب في حصد المراتب الأولى. ولن أَتَجَنَّى على أساتذة الفيزياء والرياضيات إذا زعمتُ أنهم يتمنون تدريس أقسام مسلك العلوم الفيزيائية دون أقسام مسلك علوم الحياة والأرض، وبقية الشُّعب التقنية الأخرى للسبب ذاته. أليس تلاميذ هذه الشُّعب نتاجا للمدرسة المغربية وتعلماتها، ويستحقون التتويج بالرتب الأولى أيضا مثل نظرائهم في مسلك العلوم الفيزيائية؟ أسئلة تحتاج إلى إجابة من ذوي الاختصاص.

الإشكال الثالث: استعصاء الأهداف الصُّنافية على القياس في المواد الأدبية.

علاقة بالإشكال الأول، ومحاولةً منا لإلقاء الضوء على بعض الأسباب التي تحول دون تحقق عدالة تقويمية بين المواد العلمية والمواد الأدبية، أعتقد أن نظام التقويم المعتمد عندنا لقياس التحصيل الدراسي في المواد الأدبية، مهما ادعى القائمون على إعداده أنه يساير الأهداف المتوخاة من التعلمات، فإن طبيعة الأهداف الصُّنافية التي سطرها “بلوم” (حين قسَّم مستويات الأداء الإدراكي إلى ستة وهي: المعرفة؛ الفهم؛ التطبيق؛ التحليل؛ التركيب؛ التقييم) مازالت عَصِيَّةً ــ إلى حد التمنع ــ على القياس في مجمل الاختبارات التحصيلية. وجزءٌ من تلك الأهداف وإن توافق مع أدوات التقويم، فإنه لا يتوافق مع معايير الإنجاز التي يُشترط توفرها في الوضعيات التقويمية، بحيث لا يستطيع المصحح قياسها من خلال مؤشرات واضحة، كتلك التي نقيس بها مدى تحقق الأهداف التعليمية في المواد العلمية. مما يعني أن أهم خاصية في تقويم المواد الأدبية قد ٱنْتَفَتْ، ألا وهي “الصدق”.
فالتقويم التربوي يكون “صادقا” متى ما حصل التوافق بين وسيلة القياس وبين ما نريد قياسه من أهداف تعليمية اعتمادا على معايير دقيقة، تؤكدها مؤشراتٌ عند الإنجاز. وهذا يرشدنا إلى وجود مشكلتين في عملية التقويم التربوي: الأولى لها علاقة بلجنة وضع الامتحان، والتي ربما بَنَتْ أسئلة الاختبار التحصيلي على أسس لا تتلاءم مع طبيعة الأهداف التعليمية، وربما وضعتها بكيفية لا تستجيب لمؤشرات الإنجاز. والثانية لها علاقة بخبراء التقويم ومصمميه، وتتمثل في عدم تطويرهم لنظام تقويم مَرِن ومناسب للأهداف الصُّنافية الخاصة بالمواد الأدبية، بشكل يجعل إجراء عملية القياس الفعلي للتعلمات في وضعية تقويمية ممكنا، ويعطي الأحكام الناتجة عن عملية التقويم مصداقية وموضوعية.

وأحسب أن أكثر الأهداف التعليمية التي لا تناسبها معايير الإنجاز المطلوبة في المواد الأدبية هي “التحليل والتركيب والتقييم”. ذلك أن الاختلاف بين الأساتذة المصححين غالبا ما يأخذ هامشا كبيرا عند تقويم الأسئلة المقالية/المفتوحة التي تصلح لقياس التعبير عن الرأي في القضايا المطروحة والتعبير عن المواقف، إضافة إلى قياس عناصر الربط والدمج والتحليل والتركيب. نتحدث هنا عن مكون التعبير والإنشاء في مادة اللغة العربية، والموضوع المقالي في مادة الاجتماعيات، ومناقشة قولة في مادة الفلسفة ونحوها.

إن عدم اتفاق المصححين على تقدير الدرجة نفسها أو تقدير درجات تتباين فقط في جزء من النقطة، يدل بما لا يدع مجالا للشك أن خاصية “الثبات” قد ٱنْتَفَتْ بدورها عند تقويم “التحليل والتركيب والتقييم” بوصفها أهم الأهداف الصُّنافية التي تميز الاختبارات التحصيلية في المواد الأدبية. وخير مثال على صدق هذا الاستنتاج أن المفتشة التربوية اجتمعت بنا نحن أساتذة اللغة العربية في يوليوز 2024 قبل شروعنا في عملية التصحيح لأوراق الامتحان، ووزعت على بضعة أساتذة ــ دون انتقاء ــ عشر نسخ من إنشاء واحد يعود لأحد التلاميذ الممتحنين، ثم طلبت منهم تصحيح الموضوع الإنشائي نفسه على ضوء عناصر الإجابة التي بين أيديهم، فجاءت العلامات التي قدَّرها المصححون متباينة جدا وتدعو إلى الدهشة والحيرة في آن واحد.

أنْ تأتي تقويمات الأساتذة لموضوع إنشائي واحد متباينةً بنصف نقطة إلى نقطة على الأكثر تبقى مقبولة من الناحية التربوية في العلوم الإنسانية، بحكم أن طبيعة الأسئلة المفتوحة (ومنها الإنشاء) تتيح للمصحح هامشا من التدخل في تقدير الجواب الصحيح، لكن أن يصل التباين إلى أربع نقط من أصل ستة، فلا ريب أنه تمييز لا سند له في عناصر الإنجاز ولا في شروطه، ويجب على القائمين على نظام التقويم تصويبه.
أمام هذا التمييز، لا مناص عن تدقيق المعايير ومؤشرات الإنجاز، بحيث يستطيع المصحح إعطاء أجزاء من النقطة على كل تقدم للمتعلم في جزء من أجزاء السؤال، ولا مناص من توضيح ذلك في عناصر الإجابة حتى تتقارب درجات تقييم الأجوبة بين المصححين من جهة، وتتساوى الفرص بين جميع التلاميذ بمختلف شُعبهم ومسالكهم من جهة أخرى.

ويعود هذا القصور ــ من وجهة نظري ــ في تقويم الأهداف التعليمية الخاصة بالمواد الأدبية، إلى تأثر عملية التصحيح تارة بالخلفية الفكرية المسبقة التي قد يحملها المصحح (يساري، ليبيرالي؛ إخواني…) حول الموضوعات والقضايا المطروحة للاختبار، وتارة أخرى تتأثر ببعض الأحكام الذاتية التي يُنشئها المصحح حول إجابات التلاميذ لحظة التصحيح.
وهذا عيب آخر في التقويم ينضاف إلى سَابِقَيْهِ. ذلك أن عدم استقلالية النتائج عن الأحكام الذاتية للمصحح يجعل خاصية “الموضوعية” تنتفي هي الأخرى من التقويم، ويضع الأستاذ في قفص الاتهام بتعمده إفشال أية نظرية ناجعة للتقويم بناء على قاعدة: “نبل النظرية وقبح الممارسة/التطبيق”.

افتقار التقويم إلى ثلاث صفات من صفاته الأساسية، وهي: الصدق (ملاءمة وسيلة القياس لما نريد قياسه من أهداف)، والثبات (منح المصححين درجة واحدة/متقاربة للإجابة نفسها)، والموضوعية (تجرد المصححين من الأهواء الذاتية)، يُسائل أصحاب نظريات التقويم الحديثة عن مصداقية الأحكام التي يصدرونها حول مُخرجات العملية التعلِيمية التعلُّمية، وما يصاحبها (الأحكام) من قرارات لإصلاح الاختلالات ومعالجة التعثرات؛ ويدعوهم إلى مراجعة مقارباتهم التربوية لقياس التحصيل الدراسي في جميع المسالك.

خاتمة:
إن الهيمنة المطلقة للشُّعب العلمية على أعلى المعدلات وطنيا وجهويا، وتربُّع شُعبة العلوم الفيزيائية على عرش التتويج بالذهب في كل سنة تقريبا، تضع مصداقية التقويم النهائي لتعلمات التلاميذ بالمدرسة المغربية على المِحك، وتُضعف ثقة المتعلمين المتضررين في طريقة التقويم، كما تُضعف ثقة المُدرسين في وظائفه وأدواره، وأسوأ منهما أنها تُضعف العلاقة بين المدرس والمتعلم، لأن هذا الأخير سَيَتَّهِمُ المصححَ بالشح في التقويم، ويُحَمِّله جزءًا من المسؤولية في تهزيل النقطة، ولن يُتعب نفسه في البحث عن أسباب أخرى قد تعود إلى طريقة التقويم المعتمدة مثلا من قبل وزارة التربية والتعليم بالمغرب.
فإذا كنا فعلا نقيس التحصيل الدراسي عند المتعلمين بمختلف المسالك، فلماذا لا تُنصف أساليبُ التقويم الطلبةَ الأدبيين والتقنيين مثلما أنصفت الطلبة العلميين لِرَدْحٍ طويل من الزمن؟ أين تكافؤ الفرص بين التلاميذ على مستوى نظام التقويم؟ وأيهما أولى والحالة هذه: تقويم التقويم أم تقويم التحصيل؟

أسئلة وأخرى كثيرة لا يمكن الإجابة عنها إلا من خلال تطوير جميع أنظمة التعليم لتجاوز القصور في بعض مُدخلات التعليم، ومواجهة انخفاض مستوى مُخرجاته. وأولى الأولويات مراجعة نظام التقويم التربوي في ظل المقاربة بالكفايات، بشكل يضمن مبدأ “التتويج للجميع” بدل “النجاح للجميع والتتويج للعلميين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • سليمان
    منذ شهرين

    المقال رائع و جميل ، لكن ربما يعزى صعوبات تقييم إلى طبيعة كل من العلوم الطبيعية ( الرياضيات و الفيزياء و علوم الحياة و الأرض و العلوم التقنية ) كونها سهلة عمليا بحيث تعتمد الارقام و الحساب و التجريب ... يعني الإجابة على سؤال معين تكون محددة ، بينما الادب مثل اللغة العربية اللغة الانجليزية ..... و العلوم الإنسانية ( الفلسفة و الاجتماعيات ... ، الاجابات فيها محدودة يعني الاجابات تكون فيها مفتوحة و خاصة العلوم الإنسانية مثل الفلسفة تكون مفتوحة حيث سؤال واحد قد تختلف فيه الاجابات و الاختلاف لا يعني الخطأ إنما تتطلب مجهود لضمان نقطة عادلة و الاعتماد على تقييم متطور ، المشكلة ليست في الاداب أو العلوم و لا يعني أن هذا أفضل من هذا ، المجتمع يحتج الطبيب و المهندس و الفيلسوف و عالم الاجتماع و الانتربولجي لكل عام تخصصه و إمتيازه عن باقي العلوم و تطور أي مجتمع يحتج إلى كليهما ، يجب أن نتجوز تفكير الأفضلية هو صحيح الشعب العلمية لها أفاق متعددة عمليا لكن يجب أن نتذكر أن كل علم مستقل بذاته و له دور و أن نركز في الابداع في ذلك التخصص ، طبعا هذه مجرد وجهة شخصية نظر تحتمل الصواب و تحتمل الخطأ ، مع إحترامي لجميع التخصصات و العلوم .

  • ابواسماعيل،مكناس
    منذ شهرين

    لا املك الا ان ارفع القبعة لصاحب المقال الخاص بالتقويم في العملية التعليمية التعلمية في شقها المرتبط بنتاءج الامتحانات الإشهادية عموما والبكالوريا على الخصوص،كممارس في القسم تجدني غالبا محرجا لانني ادرس مادة الاجتماعيات بفعل ما يصدره المتعلمون من احكام مجحفة بفعل النظرة الدونية للمواد الأدبية والتي هي في الاصل نظرة افرزتها السياسة المتبعة من طرف الدولة ،كنا في السبعينيات و الثمانينات تتباهى بشعبة الاداب وعلومها لان المجال كان مفتوحا لولوج عدة مهن ،اما الان وقد أصبح الاهتمام منصبا على الشعب العلمية فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على أساليب المراقبة وطرق التقويم ،ان هذه النظرة المزدوجة لاتجد لها مايبررها لان المجتمع يحتاج الى الطبيب والمهندس ويحتاج على نفس الدرجة الى الفقيه والشاعر و الفيلسوف ،،،انها الاختيارات السياسية العمياء التي خلقت فكرة ما يسمى بالتميز في مجتمع يعاني من تبعات النيوليبرالية المتوحشة التي تتعامل مع التربية والتعليم بعقلية المقاولة ،السؤال المطروح هو،مانصيب النجباء من الشعب الأدبية في سوق الشغل هكذا ينظر الى الامور ،شعبة تخول لصاحبها فرصة شغل وشعبة يستحيي صاحبها من كونه اختارها ،في نظري يجب إعادة النظر في السياسة التعليمية بشكل يضمن تكافؤ الفرص بين المتعلمين من حيث الاختيارات وافاقها المستقبلية ولن يتحقق هذا كله الى اذا توفرت إرادة سياسية حقيقة تتعامل مع المدرسة الوطنية العمومية كرافعة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية

  • الجيلالي
    منذ شهرين

    فعلا يجب انصاف الادبيين الناجحين في التاسعة بأقل من 8 شعبة تضم شرذمة من المتعثرين ليس فقط في المواد العلمية بل حتى في المواد الأدبية. المظلوم فعلا هو تلاميذ الشعبة العلمية فإلى جانب المولد العلمية يدرسون كذلك كل المواد الأدبية و بنفس المحتوى نفس الصعوبة الفلسفة الاجتماعيات التربية الإسلامية الإنجليزية دون أن ننسى الفرنسية التي نجدها في الشعب العلمية أصعب منها في الآداب. الحل هو إلغاء شعبة الآداب في الثانوي فالشعب العلمية فبها كل شي و بعد البكالوريا يمكن للتلميذ ان يختار كذلك كلية الآداب او الحقوق و بذلك نرقى قليلا بمستوى طلبة الآداب و الحقوق التي أصبحت ملجأ لكل كسول. باراكا منوالطنز

  • محمد الظالع
    منذ شهرين

    ما يتم رصده من اختلالات تقويمية /اعتبار التلميذ العلمي هو الأفضل.نجد بأن المعدل تدخلت فيه مواد أدبية بقوة سواء من خلال الإمتحانات الجهوية او من المراقبة المستمرة للسنة الختامية.هذا الأمر يعني شيئا واحدا هو أن التلميذ العلمي يحصل على معدل مرتفع رغم خلل أدوات التقويم .لكن لو اجتاز الباكالوريا في المواد العلمية فقط كما كان في النظام القديم لكانت النتائج كارثية. نطرح الآن السؤال التالي: بأي طريقة نقرأ نتائج التلميذ العلمي في ظل تداخل المواد الأخرى المساعدة على رفع المعدل النهائي؟

  • رشيد
    منذ شهرين

    عندما يُنصف أساتذة المواد العلمية في الامتحان المهني

  • غير معروف
    منذ شهرين

    المنظومة التعليمية في المغرب فاشلة يلا جيتي تشوف راه دك المعدلات لتيتحصلو عليهم الطلبة قليل لكتلقاه جايب 19 ,18,17..يعني غير وحد الفئة قليلة ماشي كتلقى جل المؤسسات فيهم معدلات مرتفعة كتوجد تلميد ولا تلميدة فمؤسسة او جهة على كدها ..خاص الدولة تراجع النظام التعليمي وتخرج نمودج فعال

  • حسين
    منذ شهرين

    مقال رائع. يجب مناقشة هذا الحيف وهذا التمييز بين التلاميذ، على مستوى عالي وفي برامج تلفزيونية.

  • مهتم
    منذ شهرين

    مقال على الرغم من أهمية المعلومات الواردة فيه، إلا أنها وجِّهت وجهة غير سديدة، بحيث لم تعكس المنزلق الذي انزلقت فيه المنظومة التربوية ككل، أمام تنامي واستفحال ظاهرة الغش في الامتحانات بل حتى في فروض المراقبة المستمرة للأسف الشديد، وأصبحت المنظومة تعيش على وقع سباق النسب وشبح اللجان، ففقدت المنظومة برمتها بوصلة الإصلاح ...

  • غير معروف
    منذ شهرين

    اخيرا هناك من يتحدث وينصف شعبة الآداب حفظك الله استاذ ورعاك

  • غير معروف
    منذ شهرين

    سلام عليكم، اضن ان السبب وراء تسيد شعبة العلوم الفزيائية اعلى معدلات على المستوى الوطني راجع بالاساس الى مسألتين الأولى و هي التوجيه حيث التلاميذ الاكثر انضباط و تحصيلهم جيد يتوجهون إلى شعبة العلوم الفزيائية بينما الاقل يختارون علوم الحياة و الأرض و التلاميذ الذين يواجهون تعثرات يتوجهون إلى العلوم الإنسانية بستتناء قلة قليلة جدا تكاد تكون منعدمة (من خلال تجربتي و انا ممارس) انا المسألة الثانية فمجموعة كبيرة من التلاميذ المتميزين يتوجهون إلى العلوم الرياضية في السنة الأولى و يغير الشعبة إلى العلوم الفزيائية في السنة التانية للحصول على اعلى معدل .... الشيء الذي يجعل من تلاميذ شعبة العلوم الفزيائية يتصدرون النتائج المشكل ليس في العلوم الإنسانية او الادب المشكل في التوجيه الذي أدى إلى ان تصبح شعبة الآداب (حضيرة الفاشلين دراسيا) رغم بعض الاستثناءات

  • فريد
    منذ شهرين

    الشعوب تتقدم بالعلوم الرياضية و الفيزيائية و التطبيقية ...و ليس بالشعر !

  • غير معروف
    منذ شهرين

    اظن ان هناك مبالغة في هذه النقط المرتفعة .هدوك الناس اللي قراو في الثمانينات والسبعينات كانوا كيقراو احسن من هذا الجيل وما كيوصلوش لهذه النقط.شيء اخر هذ المتميزين في الشعب العلمية .ما عندهومش مادة الا نشاء والانشاء الفلسفي المواد التي تختلف في طريقة تقديمها عن المواد العلمية.هذا والله اعلى واعلم

  • Abou Saad
    منذ شهرين

    أصبتم أستاذ عين الحقيقة. وما يثير الدهشة فعلا هو ذاك الانطباع " السيكولوجي" لدى أغلب المتدخلين في العملية التعليمية حول متعلمي الشعب الأدبية : انطباع يوحي لدى العديد منهم بأنهم الأقل دافعية للتعلم، الأقل بلوغا لعتبات التعلم المطلوبة، الأكثر ميلا للغش و الإبداع في أساليبه ... وما يلاحظ خلال تصحيح الامتحانات من تهافت على اختيار باقة الشعب الأدبية وتهرب كبير من نظيرتها العلمية -خاصة العلوم الرياضية مثالا- لهو خير دليل على تكريس الفارق والحقيقة أن الأمر واقع بيننا كممارسين ميدانيين ، لكن ما أستغرب له أحكام القيمة السلبية الجاهزة مسبقا بصيغة العموم - دون إستثناء - على الادبيين .هذا هو الظلم الحقيقي. شكرا أستاذ هشام على نبش الموضوع

  • البوزيدي
    منذ شهرين

    كلامك من ذهب هناك تحيز بين للمواد العلمية على حساب المواد الادبية، وهذا راجع بالاساس للسياسات العمومية ،فحتى طالب الآداب يشعر بالدونية مع أقرانه ذوي التخصص العلمي، ناهيك عن قلة فرص الشغل في التوجه الادبي،والذي هو بالاساس يعزز الهوية والموروث الثقافي المرتبط أساسا بالقرآن الكريم ولغته العربية التي نفتخر ونعتز بها

  • مراد السوسي
    منذ شهرين

    تحياتي أستاذي الغالي، وفقكم الله.