وجهة نظر

الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.. هل هي بداية التفكك؟

صوت الشعب البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وذلك خلال الاستفتاء الذي أجري يوم الخميس 23 حزيران/يونيو 2016، والذي أعلن عن نتائجه صباح اليوم الموالي. انتصر معسكر المطالبين بالانفصال بقيادة الأحزاب اليمينية، صار الآن بإمكان البريطانيين التخلص من القيود الاقتصادية والسياسية، والسيطرة على الهجرة، وتحتم على الأوروبيين أن يعضوا أناملهم من هول الصدمة التي تمنوا عدم حدوثها. بعد أن حسمت الأمور، بإمكاننا كمتتبعين، أن نحلل الحدث لعلنا نصل إلى بعض الإجابات الشافية للأسئلة التي تطرح نفسها؛ ماهي تداعيات هذا القرار ؟ وهل لهذا عواقب ؟ وإن كانت له فماهي ؟ وما مصير الاتحاد مستقبلا ؟

تداعيات القرار

اجتاحت موجة استياء واسعة معسكر المطالبين بالبقاء، ومعه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعد نتائج الاستفتاء، وكانت أول تداعياته، إعلان رئيس الوزراء البريطاني، “ديفيد كامرون”، أنه سيستقيل من منصبه في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، باعتباره غير قادر على قيادة السفينة في ظل هذا القرار الذي كان ضده في الأساس.

كما قال “دونالد تاسك”، رئيس المجلس الأوروبي، أن “هذه لحظات تاريخية لا يسعني أن أبدي ردود فعل حيال ذلك، وما أتمناه هو أن نكون على استعداد لمواجهة النتائج السلبية”.

نفس الشيء ذهبت إليه بعض الدول “المؤسسة” التي عبرت عن استيائها وحزنها من هذا القرار، حيث قال الرئيس الفرنسي “فرانسوا أولاند” القرار البريطاني “يضع أوروبا في مواجهة اختبار خطير”. كما وصف رئيس الوزراء الهولندي، “مارك روتا”، نتائج الاستفتاء بأنها “مخيبة للأمال”. ووصفت المستشارة الألمانية “أنجيلة ميركل” هذا “باليوم الحزين”.

وفي الجانب المقابل، فإن هذا القرار لقي ترحيبا واسعا من الأحزاب اليمينية في أوروبا، حيث دعوا للاقتداء ببريطانيا، وإجراء استفتاءات مماثلة.

في فرنسا قالت مارين لوبان زعيمة حزب “الجهبة الوطنية” اليميني “فرنسا لديها أسباب تفوق بكثير أسباب الإنجليز للخروج من الاتحاد الأوروبي”.

وفي هولندا قال زعيم “حزب من أجل الحرية” غريت فيلدرز “الآن الدور علينا”، ليتم إجراء استفتاء يحسم خلاله الشعب الهولندي مسألة بقائه في الاتحاد الأوروبي من عدمها، كما أشاد بالمواطنين البرطانيين.

إن “طلاق” بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون له تداعيات أخرى، وخصوصا في الجانب الاقتصادي، وهذا ما بدأ فعلا بعد إعلان نتائج الاستفتاء، فقد تراجع “الجنيه الإسترليني” إلى أدنى مستوياته منذ 31 سنة. كما أكد عدة مراقبين أن هذا القرار سيؤدي بالمملكة المتحدة إلى المجهول، وقد يتسبب بخسائر إقتصادية فادحة، مما سيخلق مشكلا داخليا يتجلى في تراجع الأجور، أو عدم القدرة على توفير الوظائف للمواطنين، مما يعني انتشار البطالة، وهذا ما كان يبرر به مسعكر البقاء خياره، وربما هذه العواقب هي من جعلت “ديفيد كامرون” يتخذ قراره الأخير.

حسب دراسة أعدها البنك الدولي فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيعود بأضرار جسيم عليها، بحيث ستخسر الاتفاقيات التجارية الحرة، وحوالي 224 مليار جنيه إسترليني، وسيؤدي الخروج كذلك إلى انكماش إقتصادي يقدر ب 1.4% بحلول سنة 2019، مما سيميل بكفة التأثر على التأثير في علاقتها بغيرها.

ونفس الخسائر ستلحق بالاتحاد الأوروبي، لأن بريطانيا تعتبر من أقوى بلدان العالم ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، لذلك فمجرد إنسحابها، سيمثل ضربة قوية للاتحاد الأوروبي، دون النظر للخسائر الاقتصادية.

التداول الحضاري

ذكرني مبرر معسكر المطالبين بالانفصال (السيطرة على الهجرة)، بمرحلة الغريزة التي تحدث عنها الأستاذ “مالك بن نبي” في ذكره لمراحل الحضارة وهي أخر مرحلة، وصف الأستاذ الحضارة بالشمس، التي تدور حول الأرض مشرقة في أفق هذا الشعب ثم متحولة إلى أفق شعب أخر، قد يبدو للوهلة الأولى كلامي خروجا عن الموضوع لكنه في حقيقة الأمر من صلبه وفي صميمه، ففي طيات ما تحدث عنه الأستاذ نجد ما سيفيدنا، فقد تحدث مالك بن نبي عن نظرية التداول الحضاري، وذكر مراحل الحضارة وهي ثلاث مراحل :

مرحلة الروح.
ومرحلة العقل.
ومرحلة الغريزة.

وهذه الأخيرة هي التي ذكرتها في أول الفقرة، وهي من بدأت تدب في الأوروبيين وبدأ يحتكم إليها الناس، ليكون هذا نذير انتهاء الحضارة في تلك المنطقة، لتشرق الشمس في منطقة أخرى توفرت فيها شروط الحضارة، وهذا التداول يأتي مع مرور السنين.

بداية التفكك

سنركز على مرحلة الهرم والإنهيار، أو مرحلة الغريزة وهي التي بدأت تظهر في الاتحاد الأوروبي كما قلت، بعد أن احتكم الشعب البريطاني إلى الغريزة، وهي العصبية، وهذا ما عبر عنه بصريح العبارة المعسكر المطالب بالانفصال، حيث كان من ضمن الأسباب الحد من هجرة شعوب أوروبا الشرقية إلى بريطانيا، وخصوصا “بولندا” و”أوكرانيا” وهما دولتان عضوتان في الاتحاد، ما يؤكد بوضوح أن الأمور أعمق من مصالح اقتصادية أو سياسية، وإنما نزعة داخلية تنم عن غريزة طبيعية بدأت تسيطر.

الغريزة نفسها هي من ستجعل دولا أخرى تطالب بالانفصال، خصوصا وأن الاتحاد ليس في أفضل حالاته كي يغري الدول على البقاء فيه أو الانضمام إليه، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها.

هذا ما استغلته الأحزاب اليميينية للمطالبة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وقد ذكرت سابقا أن بعضهم بدأ بالمطالبة بالاستفتاء قصد تقرير مصيرهم، الأمر يتعلق خصوصا بزعيمة حزب “الجبهة الوطنية”، مارين لوبان، في فرنسا، وزعيم “حزب من أجل الحرية “، غريت فيلدرز، في هولندا.

وعلى ما يبدوا فإن هذا “الطلاق” هو بداية تفكك هذه العصبة الفيديرالية التي أبهرت العالم. صحيح أن هذا التتفكك لن يات بين ليلة وضحاها، ولكن سيأتي في السنوات القادمة، وقد نجد شعوب دول عظمى مثل بريطانيا تطالب بالانفصال.

القرار يمثل بداية التفكيك، هذا ما ذهب إليه كذلك الرئيس المشارك لحزب الجبهة الوطنية القومي في بلغاريا، فاليري سيمينوف، حيث توقع أن تمزق الاتحاد الأوروبي بات قريبا، واعتبر القرار البريطاني أمرا عاديا.

خاتمة

تمخضت الحروب التي شهدتها القارة العجوز لتلد الاتحاد الأوروبي، بعد سنوات من الدماء والصراعات والدمار، تكتلت الدول لإعمام السلام، ولتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية واجتماعية وهذا ما تأتى لهم بعد ذلك، فهل يمكن أن تتمخض الحروب التي يشهدها العالم العربي والإسلامي لينتج لنا تكتلا مشابها ؟ وتشرق شمس الحضارة عليه ؟