وجهة نظر

بنكيران أنت محاصر.. إستسلم و تحالف مع “البام”

عندما نسمع أبرز قيادات حزب العدالة و التنمية بما في ذلك السيد عبد الإله بنكيران، دائما، و السيد سعد الدين العثماني، مؤخرا، يقدمون تصريحات متشددة رافضة لأي تحالف مستقبلي مع حزب الأصالة و المعاصرة الذي يعتبرونه هجينا، و دخيلا على الحياة السياسية المغربية، و أنه يتعين حله أو رفض التعامل معه على الإطلاق بحجة جنوحه نحو التحكم و التسلط، و توجيه الفاعلين السياسيين الآخرين، عندما نسمع ذلك يوحى إلينا أن السيد بنكيران هو من يقرر بشكل أحادي و منفرد الإرادة في التحالفات الحكومية و في صناعة الأغلبيات البرلمانية. الشيء الذي لا يستقيم مع التحليل العميق و الفهم الحقيقي لدواليب هندسة المشهد السياسي، و لآليات إنتاج السلطة و السياسة في المملكة.

السياسة شأنها شأن التجارة، لا تقبل أداء اليمين في البيع و الشراء و لا تقبل الخسارة أو كساد البضاعة، و إن إضطر التاجر إلى بيعها بالجملة أو تصفيتها بأي ثمن كان، المهم هو تحصيل بعض المداخيل لتعويض الخسائر المحتملة التي قد تصيب البضاعة بفعل تقلبات السوق و قواعد العرض و الطلب، و أيضا بفعل قوة قاهرة ما كالزلازل و الفيضانات و الجراد و غيرها.

عالم السياسة ليس فيه صحو دائم، و لا جفاء مستمر و لا أخ خالد أو عدو أبدي، بل فيه مصالح و قوى و مناطق ظل و ضعف.
الواقع يقول أن البلاد عاشت على المنح الملكية الدستورية و السياسية الحزبية منذ حقبة طويلة، و نفس الواقع يخبرنا أيضا أن في البلاد دولة موازية مثقلة بالمؤسسات الكبرى و المندوبيات السامية و المرافق الضخمة، و المكاتب الوطنية و المجالس العليا، وزعت بين الملك و رئيس الحكومة، تسير قطاعات إستراتيجية و بميزانيات مهمة و مستقلة عن الحكومة و خاضعة مباشرة للملك و غير قابلة لتنافس المشاريع السياسية، و تكاد تكون سيادية لا رقابة للحكومة عليها.

هذا الواقع المخضب بفسيفساء السياسة و التاريخ و الإجتماع و الثقافة و اللغة، يقول لنا أيضا أن قواعد اللعبة السياسية و الحزبية لا تصنع فقط بواسطة الدستور أو القانون، و أن الحياة السياسية هي هكذا ميزان للقوى و من يملك مفاتيحها هو من يحدد التوجهات و يمنح التحالفات. الواقع نفسه يفيد بأن هناك نقابات و تنظيمات حقوقية و ثقافية و مجتمع مدني و إعلاما شرسا عند اللزوم، كلهم قد يشكلون جبهة فرسان في الشوارع كلما كان هناك نشاز في العزف لم تستغه الأذان، أو كلما صاحب الإيقاع أراد تسريع وتيرة العزف أو طبل إيقاعا كما على طبول الحرب. التجربة علمتنا أيضا أن خصم الأمس قد يصبح اليوم، الصاحب بالجنب على أرائك المجلس الحكومي لكي تستمر الحياة و التعايش.

هو الواقع ذاته، يحدثنا أيضا بمرارة عن مصير صناديق الإقتراع في مصر و التي تحولت إلى صناديق للدفن و للإعتقال، و عن تراجعات تحت ضغط الشارع و الترهيب في تونس. ناهيك عن تجارب أخرى فتحت لها السماء أذرعها لحصاد الأرواح و الأرض جيوبها للتبرع بالدماء بدون إنقطاع.

العقلية الفرعونية في التحالفات السياسية “ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد” لا يمكن إلا أن تصطدم بصخرة قوية بعد السابع من أكتوبر ليجد المرء نفسه لاجئا إلى جهة لتظله بظلها يوما من أكتوبر لا ظل إلا ظلها لصناعة الحكومة.

لذلك كان من الأحسن ألا يتم تضييق الأفق و تركه رحبا لأي إحتمالات أو وساطات قوية من جهة ذات نفوذ و ملكوت لأي تقارب شعاره المصلحة العليا للبلاد و العيش المشترك، غداة الإنتخابات التشريعية من أجل المساهمة في قيادة هذا البلد نحو مستقبل أفضل للمغاربة جميعهم، فلا البام سيرحل عن هذا البلد و لا البيجيدي سينحسر، فالمغرب رحب يسع جميع أبنائه و التحالف و الندية في نفس الوقت تفرضهما سنن التاريخ و الحياة، و سيكون من الأفضل أن يتنافس الخصوم من داخل العمل القطاعي الحكومي على مرآى و مسمع من جميع المغاربة ليرونا ما هم فاعلون و مبدعون، و ليميز الشعب بين الخبيث و الطيب و بين القوي و الضعيف و لينظر الجميع كيف يعملون، و لا ينبغي أن نتناسى أن البام كان دائما حاضرا في إتخاذ القرارات، و بالتالي عملية التحالف ما هي إلا إزالة الأقنعة و اللعب بوجه مكشوف في ملعب الحكومة.

ـــــــــ

باحث في العلوم السياسية.