وجهة نظر

دفاعا عن مقترح إحداث هيئة الصلح والوساطة الأسرية

منذ أن أعلنت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة،أمام جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، عن بعض ملامح اشتغالها التي أفرزت مشاريع أفكار ومقترحات لإصلاح وتطوير واقع الاسرة المغربية، انطلق نقاش واسع في الفضاء العمومي يشقيه الشفاهي والمكتوب، خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي عكس مختلف اتجاهات الراي العام المغربي حول قضايا هذا الورش الإصلاحي الهام.

الا ان الملاحظة التي استرعت انتباهنا عند رصد مختلف الآراء والمواقف التي صدرت إزاء مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة، هي أنها أراء جاءت في معظمها مؤكدة للاصطفافات الأيديولوجية السائدة داخل أوساط بعض المهتمين بشأن الأسرةالمغربية، مما جعل النقاش غير قابل لان يفضي الى حوار مجتمعي يساهم فيه مختلف الأطراف برؤية موضوعية غير آبهة بتعزيز مواقعها الأيديولوجية بقدر ما هي معنية ببناء حلول واقعية تسهل على المغاربة عيشهم الاسري في مجتمع عصري قادر على رفع التحديات التي يطرحها عليه تاريخه. لقد جاءت أغلب الآراء والتصورات حول مقترحات مراجعة مدونة الاسرة, وكأن هدف أصحابها هو التأكيد على مرجعياتهم الأيديولوجية المسبقة, والافتخار بالوفاء لها, بإظهار اختلافها مع مرجعياتأمامها دون انشغال جدي بفهم تعقد الواقع الاسري المغربي أولا, واجتراح حلول واقعية وفعالة تلائم راهنيتها خارج الصندوق الأيديولوجي الجاهز الذي تستعمله هذه الجهة او تلك. فبدلا من التعاطي مع أزمة الاسرة المغربية بروح نقدية تنطلق من مراجعة المنطلقات الأيديولوجية ونقدها على ضوء التجربة الاجتماعية لهذه الاسرة، نلاحظ ان غالبية أعلام هذا الاتجاه او ذاك، خرجوا بخطابات تعارض هنا أو تؤيدهناك، وفق خطاطة أيديولوجية تؤطر النقاش حول اصلاح الاسرة منذ خطة ادماج المرأة في التنمية وما ترتب عنها من اصلاح لمدونة الاسرة سنة 1999. وكأن النقاش عند هؤلاء حول اصلاح الاسرة بالمغرب يخضع لمنطق المسرحية التي تقام بنص معد سلفا على مقاص شخوصه.

ولعل ما يعبر عن هذه الأدلجة المفرطة التي يعاني منها النقاش العمومي حول مراجعة مدونة الاسرة هو إغفاله الشبه الكامل لما ورد في مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة من مقترح إحداث هيئة غير قضائية للصلح الاسري والوساطة تتدخل في غير حالات الطلاق الاتفاقي مهمتها محصورة في محاولة الصلح بين الزوجين و التوفيق بينهما فيما يترتب عن الطلاق من اثار, وهو مقترح كان من المفروض أن يجد صدى قوي لدى المهتمين والباحثين والمفكرين في شؤون الاسرة المغربية, لأنه مقترح يصب في الاهتمام بأسباب الخلافات والمشاكل التي تخلق اضطرابات نفسية واجتماعية مؤدية للطلاق.

كما انه مقترح، عند الاهتمام به وتطويره وإعطائه كل الإمكانيات التي يحتاجها، سيشكل لبنة أساسية لبناء معرفة واقعية بمشاكل الاسرة المغربية وتشكيل سياسات اجتماعية وثقافية كفيلة بالحد من ظاهرة الطلاق وتداعياته السلبية على الفرد والمجتمع.

بيد أن خطاب الأدلجة المفرطة لموضوع الاسرة المغربية ينشغل أكثر بمشاكلها باعتبارها مناسبة لنشر ما يجب أن يكون من وجهة نظر خلفيته الأيديولوجية،أكثر مما يشتغل على تقديم حلول وبلورة أليات واقعية لها، وتعزيز سبل قائمة لمنع هذه المشاكل من الحدوث والانتشار.

وتتمثل أهمية مقترح انشاء هيئة غير قضائية للصلح الاسري والوساطة التي أعلنت عنه الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة, في ثلاث ابعاد أساسية تجسد قوته في تطوير وتنمية إمكانية النهوض بإصلاح شؤون الاسرة المغربية, وتجعله يندرج ضمن استراتيجية الدولة الاجتماعية التي يتطلع اليه المغرب. يمكن ضد هذه الابعاد الثلاث على الشكل التالي: بعد ثقافي إصلاحي, بعد قانوني تدخلي, ثم بعد مؤسساتي يعزز صرح العدالة الديمقراطية التي جاء بها دستور المملكة.

بالنسبة للبعد الأول فإن مقترح إحداث هيئة غير قضائية للصلح والوساطة الاسرية المعلن من قبل الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة،يحمل تصورا ثقافيا إصلاحيا حول مفهوم الاسرة المغربية وخصوصيات وضعها الاجتماعي داخل المجتمع. فاذا كان كل المتحدثين في شأن الاسرة المغربية يتفقون على ضرورة إصلاح الواقع الاسري للمغاربة، فانهم لا يتفقون على فهم واحد لهذا الواقع، كما لا يتفقون على حلول لمشاكله.

لهذا جاءت مبادرة مقترح إحداث هيئة للصلح والوساطة الاسرية على تصور يرى واقع الاسرة أمرا معقدا ومركبا ويحتاج الى تجنيد مؤسساتي بكل الموارد الثقافية والاجتماعية للمجتمع كي تتحقق حماية واقعية ودائمة لهذه الوحدة الاجتماعية التي لها أدوار هامة داخل البناء المجتمعي للمغاربة. إنه تصور خارج الثنائية التي تؤطر النقاش السائد لدى اغلبية المتحدثين في شأن الاسرة المغربية، والمتمحورة حول سؤال هل الاسرة المغربية تعاقد بين فردين ذكر وأنثى. أم هي وضع اجتماعي داخل خصوصية تاريخية معينة؟

فعند التعريف الاولي لهذه الهيئة الاسرية المقترحة نفهم أن الاسرة في مرجعية الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة المغربية هي تعاقد فردي بين ذكر وأنثى وهي في الأن نفسه وضع اجتماعي داخل خصوصيات تاريخ ثقافي لأمة محددة. فعلى عكس أغلبية المتحدثين في شأن اصلاح الاسرة المغربية الذين ينقسمون بين من يعتقد أن الاسرة عقد فردي بين ذكر وانثى، وبين من يعتقد أنها وضع اجتماعي محدد بمنظومة الدين والثقافة، نجد أن إحداث هيئة تتكفل بالإصغاء لمشاكل الاسرة وفهم واقع مشاكلها وإشراك أفرادها في إيجاد سبل الصلح وإنجاح الوساطات في خلافات واقعية، هو أمر يشير بقوة الى أن المقترح مبني على تصور للأسرة المغربية يعتبرها شأن أفراد, المعنيين بالعيش داخلها, كما أنها في نفس الوقت شأن مجتمعي يهم كل المجتمع. فتجزيء الرؤية للأسرة المغربية باعتبارها إما شأن أفراد فقط لا دخل لثقافة وتاريخ المجتمع في حرية التعاقد فيما بينهم. أو اعتبارها شأن المجتمع كنمط تديني ومنظومة سوسيوثقافية على الافراد الخضوع والالتزام بموروث الأمة, هو تجزيئ ينم عن ميولات أيديولوجية مسبقة تحكم الرؤية والتحليل في واقع الاسرة المغربية. فاختزال واقع الاسرة في عقد بين فردين ذكر وانثى يتمتعون بوضعية مساواة وحرية يهددها تدخل المجتمع بثقافته ونمط تدينه, هو تشبيه عقد الزواج بعقد بين فردين يتبادلان مصالح في سوق تجارية منعزلة على الاعتبارات الاجتماعية والثقافية للمجتمع الذين يعيشون فيه. ودعوة للقانون لحماية حرية هؤلاء الافراد من بطش الثقافة والمجتمع. لهذا دعوة الإصلاح عند دعاة الفردانية يتمثل في التشبث بالقيم والمبادئ والقوانين التي انبثقت من المجتمعات الغربية التي يعتبرونها نموذج يجب ان يحتذى بها.

كما ان اختزال واقع الاسر المغربية في وضع اجتماعي وثقافي محكوم ببنيات تدينية وثقافية موروثة تلزم الفرد, ذكر كان ام انثى, الخضوع لها دون مساءلة أو مراجعة أو اعتبار لخصوصيته السوسيو-ثقافية والمجالية التي تهيكل تجربته داخل المجتمع, هو في الواقع اختزال يسجن رؤية الاسرة المغربية في قوالب أيديولوجية غير قادرة على فهم الديناميات النفسية والأخلاقية والثقافية التي اخترقت حياة الافراد المغاربة وجعلتهم يعيشون تدينهم في توليفة بين احترام المقدسات والثوابت الدينية مع خوض تجربة واقعية تبحث عن حلول لتحديات العيش العصري.

بهذا تقف الاسرة المغربية كواقع حي ديناميكي تخترقه تناقضات العصر. إن سحق الفرد كوجود وقيمة ثقافية داخل العلاقات الاجتماعية للمغاربة ينتج واقعا يسحق الفئات الأكثر ضعفا في المعادلة الاجتماعية للأسرة المغربية بدءا بالمرأة التي ورثت وضعا دونيا إثر التخلف الاجتماعي والثقافي الذي طال واستطال داخل المجتمع،وانتهاء بالفئات الفقيرة والهشة التي تعيش وضعها الثقافي والتديني تحت الوطأة الشديدة للعوز والحاجة وقلة الحيلة. إن رؤية الاسرة المغربية بأحكام ماضوية جاهزة ينتج عنه تبرير واقع الظلم والغبن اللذان قد تعيشهما فئات المغاربة داخل الحياة الاسرية العصرية.

لا نريد المضي في تحليل لا يسمح به المقام هنا حول المنطلقات الفلسفية والدينية لكل من الرؤيتين الفردانية والماضوية، وخلفياتهما السياسية والأيديولوجية. المهم في سياقنا الأن هو القول إن كلا الرؤيتين تقومان على تبسيطية منهجية تؤدي الى مغالطات في التشخيص وإنتاج الحلول. لأنهما ينطلقان من رؤية المجتمع المغربي بشكل مجزئ ومنحاز. رؤية مجزئة لأنها ترى المجتمع إما من زاوية الفرد فقط،أو من زاوية البنية الموروثة من الماضي فقط. ورؤية منحازة لأنها ترى الاسرة المغربية بخلفيات أيديولوجية مسبقة يراد لها ان تنتصر على الواقع المعقد والمركب القائم على تحولات تنتج نمطا متميزا من خصوصيته.

على عكس هذه الرؤية التجزيئية والأيديولوجية، يأتي مقترح إحداث هيئة غير قضائية للصلح والوساطة الذي جاءت به الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة المغربية، ينطوي على تصور للأسرة المغربية واقعي ومتكامل. اذ لمجرد الاهتمام بخلق مؤسسة تعنى بمشاكل الاسرة وسبل الوساطة فيها من أجل حفظها وصيانتها، يعني أننا نفهم الاسرة على أنها واقع فردي واجتماعي في الأن معا. لهذا وجب الإصغاء لعناصر الاسرة كأفراد، وصون مصالحهم وكرامتهم، وفي الأن معا ربط اختياراتهم وسلوكياتهم بأوضاعهم الاجتماعية التي تشكل المرجعية الواقعية لاقتراح حلول لمشاكلهم. فالفرد في الواقع المغربي هو فاعل حر لكن ليس على النمط الغربي الرأسمالي، كما ان الاسرة المغربية هي أكثر من اختيار فردي، بل هي وضع اجتماعي وثقافي تخلق تداعيات وتنتج وقائع داخل المجتمع ككل. إلا أنه وضع لا يشبه وضع الماضي. بل له مقومات ومحددات تنبع من مقتضيات الحياة العصرية الراهنة.

أما فيما يخص البعد الثاني الذي يحمله مقترح احداث هيئة غير قضائية للصلح والوساطة في شؤون الاسرة المغربية، يتمثل في اعتماد فهم متميز لتدخل القانون في الحياة الخاصة للمغاربة. إن الهيئة المقترحة للصلح والوساطة في شؤون الاسرة المغربية تحمل كهدف لها نمط معين من التدخل المؤسساتي في الواقع الاجتماعي يقوم على فهم للقانون كظاهرة سوسيو-ثقافية يحتاج في بنائه وتطبيقه لاعتبارات اجتماعية واقعية تجعل فعاليته لا تقتصر على الجزر والعقاب، بل هدفها الأمثل، خاصة في مجال الاسرة، هو مرافقة واقعية المشاكل والاختلالات نحو الحد من تداعياتها السلبية وصون وحدة العلاقات المشكلة للواقع. فالقانون يتعامل مع وحدة الاسرة كأفراد لهم وظائف ومسؤوليات، عليهم واجبات ولهم حقوق، ويتعامل مع مشاكل واختلالات هذه الاسرة وكأن هؤلاء هم وحدهم المسؤولين عنها. في حين أن الجميع يعلم أن أفراد الاسرة يعيشون في محيط اقتصادي واجتماعي وثقافي،وضمن تقاليد وعادات، ووفق طموحات وآمال مبنية سياسيا، وبالتالي فإن فهم ومعالجة مشاكلهم واختلالاتهم لا تستقيم إلا عند ربطها بهذا المحيط وبإكراهاته المادية والرمزية والثقافية. لهذا فإن تعاطي المفاهيم القانونية مع واقع الاسرة باعتبارها وحدة اجتماعية قانونية رسمية، لا يجب ان ينسيها في الأن نفسه في الوحدات الاجتماعية غير الرسمية التي تؤثر وتهيكل حياة أفراد هذه الأسرةوبالتالي فان محدودية القانون، مهما كانت إرادته عادلة وأهدافهنبيلة، لا يمكن تداركها إلا عبر مؤسسات ذات التدخل الاجتماعي ترافقه بهذا الشكل أو ذاك، فهي تحقيق أهدافه الأولى والأخيرة التي هي صون وحدة الاسرة وضمان كرامة أفرادها.

فاقتراح إحداث هيئة غير قضائية تعنى بالصلح والوساطة في شؤون الاسرة المغربية، هو إرادة ديمقراطية لعدم ترك أفراد الاسرة المغربية معزولين أمام مشاكلهم من جهة، وأمام أحكام القانون المجردة بطبيعتها من الخصوصيات السوسيواقتصادية لواقعهم المعيشي، من جهة ثانية. كما أنه اقتراح ينم عن وعي مستنيربأن من واجب المجتمع ان يهيئ مؤسسات ترافق الافراد في تجربتهم الخاصة، وتنشغل بالدفاع عن قيم العدالة والانصاف داخلها، ووفق خصوصيات هذه التجربة دون تعالي أو تجريد.

إنه مقترح يعبر عن إدراك واضح ان أحكام القانون تفهم عبر المحيط المعياري الذي يعيش فيه الافراد والجماعات واحتكاما لخصوصيات تجربتهم الواقعية. لهذا فان الاسرة المغربية تحتاج الى هيئة تلعب أدوارا بيداغوجية وثقافية لجعل قيم العدالة ومبادئ الدين الإسلامي السمحة قادرة على المساهمة في صيانتها وصون كرامة افرادها, دون السقوط في سذاجة تقلل من قيمة دور القانون. بهذا فإننا نقرأ في مقترح إحداث هيئة غير قضائية تعنى بالصلح والوساطة في شؤون الاسرة المغربية توجها اجتماعيا ديمقراطيا متقدما يدعو الى تجاوز المقاربات التجزيئية القائمة على الثنائيات العقيمة القائمة على أحكام مسبقة مفرطة في أدلجة مشاكل وصعوبات عيش المواطنات والمواطنين. فالأسرة ليست تراكم أفراد، ولا هي امتثال لتأويلات أخلاقية ماضوية. فهي ليست مفاهيم قانونية مجردة حول الحريات الفردية، كما أنها ليست وضعا اجتماعيا محدد بشكل مسبق. إنها جدل كل تناقضات المجتمع المغربي الذي يعيش تراجيديا ثقل التاريخ وطموحات التحديث والعصرنة. والهيئة المقترحة هي عامل مساعد لردم الهوة بين المفاهيم الأخلاقية والقانونية, وبين الواقع الحي المعاش للأسرة المغربية في ترابطاتها داخل المجتمع.

البعد الثالث والأخير الذي نعتقد أن مقترح إحداث هيئة غير قضائية معنية بالصلح والوساطة في شؤون الاسرة المغربية، يعبر عنه ويرمي لتحقيقه، هو بعد تعزيز صرح منظومة العدالة الديمقراطية الذي جاء بها دستور المملكة منذ 2011. إنها هيئة مقترحة ضمن أفق تقوية بناء العدالة الديمقراطية التي يراد لها ان تقف مكملة اشتغال المؤسسات الديمقراطية المنتخبة. فبالقدر التي تثبت هذه الأخيرة مشروعيتها, بالقدر الذي يتضح حدود مجالاتها التدخلية في حل النزاعات الاجتماعية والاقتصادية, خاصة في سياق تزايد تعقد الظواهر المعيشية. لهذا فان مؤسسات العدالة الديمقراطية التي ينص عليها دستور المملكة, هي الموكول لها ردم الهوة التي تنتج جراء العمل التشريعي الذي تضطلع به المؤسسات المنتخبة, وطنيا وجهويا وترابيا, لحل مشاكل المواطنين. فالقرار الشرعي لهذه المؤسسات يخلق سياقات اجتماعية جديدة غير مقصودة, غالبا ما تطبع باختلالات جديدة ومشاكل لم تكن معروفة, وبالتالي فان الديمقراطية تحتاج لمؤسسات العدالة الديمقراطية التي ترافق الفرد والجماعة في مسار التحولات التي يعرفها واقعهم.

بناء على هذا الأفق الديمقراطي فالمؤسسة المقترحة من قبل الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة المراد لها أن تنشغل بالصلح والوساطة في شؤون الاسرة، هي مؤسسة يمكن ان تكون ضمن مؤسسات لعدالة الديمقراطية، خاصة وأنها تشتغل على الاسرة المغربية التي هي ملتقى تقاطعات مختلفة البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتأثر بقوة في بنيتها ومسار تطورها، ونوع الاختلالات والمشاكل التي تعرفها. لذلك فان واقع هذه الاسرة معقد وديناميكي يحتاج الى استراتيجية شاملة بتدخل متعدد يبتدأ بقضاء أسري عصري ومتطور, وينتهي بمؤسسات ترافقه لتعالج الظواهر والوقائع التي تفرزها تحولات تهم الشغل وعالم الإنتاج, التعليم والتكوين وانماط التفكير الثقافية كما تهم رهانات العلاقات الاجتماعية وعالم الاستهلاك والعيش العصري واكراهات التربية العصرية, الى تأثيرات نمط السكن وطبيعة مجال العائلة المغربية التي تعيش تناقض اكراهات العائلة النووية الحضرية, وثقل التقاليد وأشكال التضامن الموروثة. كل هذه المجالات والمستويات تتكثف في واقع الاسرة المغربية البعيد عن كل اشكال التنميط الذي عرفته الاسرة الغربية. ومواجهة هذه التأثيرات تملي مقاربة متعددة تشمل التدخل القانوني والاجتماعي والنفسي والثقافي في تركيبة أنثروبولوجية حديثة تنطلق من خصوصيات التاريخ المغربي لتصب في مقتضيات التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي التي يتطلع لهما المجتمع المغربي. ان إحداث هيئة غير قضائية للصلح والوساطة في شؤون الاسرة المغربية مقترح إصلاحي جد متقدم في سياق الإصلاح المجتمعي المغربي. لأنها الهيئة التي ستضطلع بجعل عملية إصلاح الاسرة المغربية عملية تركيبية بين الحقوق الفردية واحترام حرية المواطن المتطلع لحياة أفضل، وبين ضرورة تقوية الاندماج الاجتماعي باعتباره الرافعة الأساسية للنهضة الاقتصادية والاجتماعية التي هي شأن جماعي واجتماعي. إن ربط الفردي بالجماعي هو التحدي المطروح دائما على كل اصلاح مجتمعي جاد. والهيئة المقترحة للصلح والوساطة في شأن الاسرة المغربية،إذا ما أعطيت لها الإمكانيات اللازمة والصلاحيات الواسعة، ستكون احدى عناوين ربح هذا التحدي.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *