وجهة نظر

تحول المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن نحو إعادة رسم دور الدولة في التدبير

إن تحويل المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادنOffice National des Hydrocarbures et des Mines (ONHYM) إلى شركة مجهولة الاسم يمكن اعتباره نموذجًا دالًا على توجه جديد في تدبير السياسات العمومية المغربية، خاصة في ظلالاصلاحاتالتي يعرفها المغرب والمرتبطة بإعادة هيكلة بعض المؤسسات العمومية.

أولا: ماذا نعرف عن المؤسسة؟

تعود جذور المكتب(ONHYM) إلى سنة 1928 من خلال إنشاء مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية (BRPM)، قبل أن يُستكمل البناء المؤسساتي سنة 1981 بإنشاء المكتب الوطني للأبحاث والاستغلالات البترولية (ONAREP) وقد تم دمج المؤسستين سنة 2005 لتشكيلONHYM، كهيئة مركزية مكلفة باستكشاف وتثمين الثروات المعدنية والطاقية للمغرب.

هذا الاندماج لم يكن فقط إجراءً تقنيًا، بل جزءًا من رؤية أشمل تروم عقلنة البنية المؤسساتية وتثمين الرأسمال البشري والخبرة المتراكمة. وقد شكلت هذه المرحلة انطلاقة استراتيجية جديدة للمكتب، تروم تعزيز البحث والاستكشاف الميداني والانفتاح على الأسواق العالمية وبناء شراكات مع المستثمرين الدوليين مع اعتماد التكنولوجيا الحديثة في استغلال الثروات الباطنية.

وقد جاء مشروع الإصلاح الذي نشهده اليوم، والذي يخطط للانتقالبالمكتب كمؤسسة عمومية إلى شركة مجهولة الاسم، بهدف تنويع مصادر التمويل والانفتاح على رأس المال الخاص وتأهيل المغرب للمساهمة في سلاسل القيمة العالمية المرتبطة بالمعادن الحيوية في سياق التحول الطاقي العالمي.

ثانيا: السياق العامللتحول

تعيش السياسة العمومية المغربية منذ سنوات تحولات بنيوية عميقة تمس نمط تدخل الدولة، خاصة فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية ذات الطابع الاقتصادي. في هذا الإطار، يُعد المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن (ONHYM) نموذجًا دالًا على هذا التحول، بالنظر إلى مساره التاريخي من جهة، وإلى التعديلات القانونية والمؤسساتية التي خضع لها، خاصة مع قرار تحويله إلى شركة مجهولة الاسم بموجب مشروع القانون 56.24 سنة 2025. الذي وافق عليه المجلس الحكومي المغربي يوم الخميس 26 يونيو 202. وقدمت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، هذا النص في إطار تطبيق مقتضيات القانون الإطار 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العموميةالذي يهدف إلى عقلنة النفقات، تعزيز الفعالية، والانتقال نحو التدبير القائم على النتائج.

يتماشى هذا القرار مع دينامية الإصلاح المؤسساتي التي أطلقتها الدولة المغربية منذ خطاب الملك محمد السادس (أكتوبر 2020) الموجه إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة، والداعي إلى إعادة هيكلة القطاع العمومي، من خلالإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومي (قانون 82.20)

ثانيا: أهدافهذا التحول

يسعى هذا التحول، حسب الوزيرة المكلفة بتدبير القطاع، إلى تحسين الحكامة وآليات التدبير للمكتب وتنويع مصادر التمويل وكذا تثمين الموارد المعدنية الوطنية من أجلجعله رافعة للنمو الاقتصادي الوطني.ويأتي هذا التحول استجابة لضرورات الاستقلالية والمرونة القانونية في التعاقد والتمويل قصد تأهيل المغرب للانخراط في سلاسل القيمة العالمية للمعادن الحيوية، خاصة في ظل الطلب العالمي المتزايد على الطاقات والمعادن المرتبطة بالتحول الطاقي. كما يمهّد هذا المشروع الطريق لفتح رأسمال المكتب أمام القطاع الخاص في إطار شراكات عمومية-خصوصية.

ولا يمكن أن نغفل أن هذا القرار يرتبط بسياق دولي مضطرب (حرب أوكرانيا، حرب إيران، صراعات جيواستراتيجية، تغيرات مناخية متطرفة)، مما يفرض تعزيز السيادة الطاقية للمغرب.

لكن، إلى أي مدى يُمكن أن تساهم إعادة هيكلة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن كمؤسسة خاصة في تحقيق أهداف المغرب في مجال السيادة الطاقية والتنمية المستدامة؟

رابعا: حدودومخاطرالإصلاح

إذا كان هذا التحول يعكس إرادة الدولة في تقوية جاذبية الاقتصاد الوطني ورفع أداء المؤسسات العمومية، فإنه يثير في المقابل مجموعة من التساؤلات حولمدى قدرة الدولة المغربية على الحفاظ على سيادتها الطاقية أمام انفتاح محتمل على المستثمرين الأجانب. مما قد يؤدي إلى بروز مخاطر تآكل المصلحة العامة خاصة، إذا ما تم تغليب منطق السوق على منطق التنمية المستدامة.

ورغم أن الطابع العمومي للمؤسسة لا يزال محفوظًا، فإن هذا التحول يمكن تأويله كخطوة نحو نموذج “الدولة المقاولة”، فبدل أن تكون مجرد “دولة منظمة” أو “دولة راعية” تقوم بتوفير الخدمات وتوزيع الموارد، تصبح دولة فاعلة اقتصاديًا تعتمد منطق المبادرة الاستثمارية والربحية والكفاءةفي إدارة مواردها ومؤسساتها.كما يمكن لها أن تفوّض جزء من التدبير إلى مؤسسات عامة ذات طابع تجاري أو بالدخول في شراكة مع القطاع الخاص.

إن مسارالاصلاح الذي يسير فيه المكتب الوطني ONHYM يعكس في العمق تطورًا في الفلسفة التدبيرية للدولة المغربية، حيث أصبحت المؤسسة العمومية مطالبة بأداء مزدوج: تحقيق النجاعة الاقتصادية مع الحفاظ على الطابع السيادي لقطاع استراتيجي. وتحولها إلى شركة مجهولة الاسم ليس فقط تعديلًا قانونيًا، بل تجسيدًا لتحول في السياسات العمومية نحو نماذج جديدة تزاوج بين الفعالية والمصلحة الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *