مجتمع

الـ”TGV” يمر عبر الأحياء.. نزع الملكية وتعويضات “هزيلة” يفجر احتجاجات مرس السلطان

تعيش عشرات الأسر بمنطقة مرس السلطان، الواقعة ضمن نفوذ عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، على وقع الضغط والارتباك بسبب قرار السلطات المحلية القاضي بهدم مجموعة من المحلات السكنية والتجارية في إطار نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.

وحسب المعطيات المتوفرة لدى جريدة “العمق المغربي”، فإن هذا الإجراء، الذي يهدف إلى هدم عشرات البنايات والعقارات في سياق تشييد الخط السككي الجديد المتعلق بالقطار السريع، والذي سيمر عبر عدد من المنشآت السكنية والتجارية بمختلف مناطق جهة الدار البيضاء – سطات.

وقد رفضت الساكنة المتضررة من هذا المشروع، المتعلق بتمرير خط سككي جديد، التعويضات التي منحتها السلطات، معتبرة إياها “غير ملائمة مع القيمة الحقيقية للعقارات الخاضعة لمسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة”.

وطالبت فعاليات جمعوية ومدنية، السلطات الجماعية والمحلية بضرورة مراعاة الجانب الإنساني والاجتماعي، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على حقوق المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالتعويضات، بالنظر إلى أن هذه المناطق معروفة بنشاطها التجاري الكبير.

وأعرب عبد الفتاح زكي، وهو فاعل جمعوي بمنطقة مرس السلطان، عن قلقه العميق إزاء تداعيات مشروع القطار الجهوي فائق السرعة، الذي تعتزم السلطات تمريره عبر أحياء سكنية مأهولة، مؤكدا أن هذا المشروع، على أهميته، خلق حالة من الغضب والارتباك وسط ساكنة المنطقة.

وأوضح زكي، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن “السلطات المحلية شرعت في تنفيذ إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، وذلك تمهيدا لهدم العشرات من المساكن الواقعة في المسار المستقبلي للخط السككي الجديد”.

غير أن ما يزيد الوضع تأزما، بحسب المتحدث، هو أن “التعويضات المقترحة من طرف الجهات المعنية وُصفت بالهزيلة وغير الكافية”، ما دفع المتضررين إلى رفضها بشكل جماعي.

وأضاف زكي أن “أكثر من 150 أسرة في مرس السلطان وحدها مهددة بالإفراغ، ناهيك عن مناطق أخرى كعين السبع، التي تشمل بدورها مساكن وفيلات مبرمجة للهدم ضمن نفس المشروع”.

وأكد الفاعل الجمعوي أن الساكنة لا تعارض المشروع في حد ذاته، بل تعارض غياب مقاربة اجتماعية وإنسانية حقيقية تراعي الأوضاع الاقتصادية للأسر المتضررة.

وأشار إلى أن التعويضات المقترحة تنقسم إلى ثلاث فئات: حيث جرى تخصيص حوالي 5000 درهم للمتر المربع لفائدة الملاك الأصليين، و2000 درهم فقط للمتر الواحد في حالة وجود “تزينة” أو تشييد غير موثق، بينما تم منح مبلغ قار قدره 10 ملايين سنتيم فقط للأسر القاطنة في وضعية كراء.

واعتبر زكي أن “هذا العرض غير مسبوق من حيث تدني مستواه مقارنة بالقيمة السوقية الحقيقية للعقار في مرس السلطان، والتي تصل في بعض المواقع إلى مليونين ونصف مليون سنتيم للمتر الواحد، بحكم أن المنطقة ذات طبيعة تجارية حيوية، وليست سكنية فقط”.

وتابع قائلا: “الساكنة تعيش اليوم حالة من الترقب والخوف من المصير المجهول”، مشيرا إلى أنه “هناك أسر مهددة بالتشرد في غياب حلول بديلة أو برامج لإعادة الإيواء تراعي كرامتهم وظروفهم الاجتماعية”، مضيفا ان “التعويضات الحالية لا تمكن الأسر من اقتناء سكن بديل في نفس المنطقة أو حتى في أطراف المدينة”.

واختتم الفاعل الجمعوي حديثه بالتأكيد على أن المجتمع المدني انخرط في مسار الترافع من أجل الدفاع عن حقوق السكان، قائلاً: “لسنا ضد التنمية أو المشاريع الكبرى التي تعود بالنفع العام، لكن من غير المقبول أن تتم على حساب فئات هشة، دون ضمان تعويض عادل أو بدائل حقيقية تحفظ للمتضررين كرامتهم وحقهم في السكن اللائق”.

ومن جهته، أكد محمد التويمي بنجلون، رئيس مقاطعة مرس السلطان، أن السلطات الجماعية لم تقف موقف المتفرج إزاء تداعيات مشروع القطار الجهوي فائق السرعة، بل انخرطت بفعالية في سلسلة من الاجتماعات مع مختلف المتدخلين والسلطات المعنية، وذلك من أجل ضمان إنجاح هذا المشروع الاستراتيجي، وفي الوقت ذاته، الدفاع عن حقوق المواطنين المتضررين، والحفاظ على مصالح ساكنة المقاطعة.

وأوضح بنجلون، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن المقاطعة حرصت على أن يكون تنفيذ المشروع مبنيا على مقاربة تشاركية تراعي الأبعاد الاجتماعية والإنسانية، خصوصا في ما يتعلق بعملية نزع الملكية وهدم المنازل والمحلات التي توجد في مسار القطار، مشيرا إلى أن هذه المقاربة تجسدت من خلال تخصيص تعويضات مالية وصفت بـ”الملائمة” لفائدة الساكنة المتضررة، في خطوة تهدف إلى تقليل حجم الأضرار الناجمة عن عملية الهدم.

وأشار المسؤول الجماعي إلى أن عدد البنايات التي ستشملها عملية الهدم يصل إلى 133 محلا سكنيا، موزعة على أربع دوائر ترابية مختلفة، منها 127 منزلا لا تتجاوز مساحة كل واحد منها 60 مترا مربعا، في حين أن 28 وحدة سكنية من مجموع هذه البنايات تعود ملكيتها إلى الجماعة الترابية نفسها.

وفيما يتعلق بالمنازل المتبقية، أوضح بنجلون أن 14 منزلا تقع تحديدا في حي البلدية، وهو الحي الذي يضم أيضا 10 محلات تجارية بمساحات متفاوتة، كلها ستخضع بدورها لقرار نزع الملكية بغرض تنفيذ المشروع. وقد حدد ثمن المتر المربع في هذه المناطق من قبل مديرية الضرائب في حدود 11 ألف درهم، وهو مبلغ يعكس القيمة العقارية للموقع وموقعه الاستراتيجي داخل المدار الحضري للدار البيضاء.

وشدد رئيس المقاطعة على أن تحديد قيمة التعويضات لم يكن عشوائيًا، بل جاء نتيجة دراسات ميدانية وتقييمات قامت بها لجان مختصة في الخبرة العقارية، خلُصت إلى اعتماد سعر 5 آلاف درهم للمتر المربع بالنسبة للبقع الأرضية، سواء كانت تابعة للأملاك الخاصة أو العمومية، فيما حدد مبلغ 2000 درهم للمتر المربع للبناء القائم.

وأكد المتحدث ذاته أن السلطات حريصة على أن تمر هذه المرحلة في إطار من الشفافية والإنصاف، دون المس بحقوق المواطنين، مشيرًا إلى أن المشروع في حد ذاته يشكل إضافة نوعية للبنية التحتية والنقل الحضري بجهة الدار البيضاء-سطات، لكن تنفيذه يجب ألا يتم على حساب الفئات الهشة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *