وجهة نظر

الخلافة والعرب

إن المتتبع لمسار الأمة العربية الاسلامية بعد زهاء اثنتين و تسعين سنة على سقوط السلطنة العثمانية وإلغاء الخلافة الإسلامية، يجد أنه منذ تلك اللحظة بدأ العالم العربي يتخبط بشكل واضح و مباشر في براثن الاستعمار الأجنبي، وصارت ثرواته تنهب بشكل مباشر و غير مباشر، وكأنما أن الخلافة كانت الحامي الضامن لأمن المسلمين، فكيف ذلك؟

كانت الخلافة الإسلامية تلغي القوميات بشكل علني مركزة على الطابع الإسلامي الشامل للدولة، فما كان ممن يكيدون لها إلى أن أشعلوا نار القوميات و العصبيات الإقليمية، لدى الأرمن و الترك و العرب، مؤسسة بذلك لتشرذم داخلي تحول إلى انقسام إقليمي، وهيمنة غربية بعد الإجهاز على رمز الوحدة الأعظم.

و كانت تجمع الداخلين فيها على البر، وعلى شريعة الله التي تحقق لهم السعادة، وكانت تجمع النازحين ممن يخضعون لها من غير المسلمين على العدل، فتأتلف عليها قلوبهم، فحطم ذلك كله رجل (كمال أتاتورك) حين أسكرته خمر النص، وحين سكنه الغرور، فأفتى في الدين بمثل الجرأة التي يفتي بها في ميدان القتال، فكان كالسرطان الذي ظل ينهش في جسد الخلافة العثمانية، إلى أن تمكن مرضه و قويت علته، فأعلن إلغاء الخلافة.

فأي شر حسب هؤلاء الكماليون أنهم بإلغاء الخلافة يدفعونه، وأي خير يظنون أنهم للدولة يجلبونه… لقد نقضوا موثقاً أخذته عليهم ثمانية قرون وبعض قرن، واطرحوا أمانة حملوها كل ذلك العهد وخرجوا للمسلمين من تبعة لم يخرجهم منها أحد، وحاولوا عبثاً أن يحلوا بيعة بعنق كل مسلم في الأرض معقودة.

لفد جردوا الخليفة من القوة التي تقوم بها خلافته بدعوى الفصل بين السلطتين، وما أرادوا إلا الفصل بين عهدين، عهد الدين الذي استدبروه، وعهد الإلحاد الذي استقبلوه، ثم صرح الشر عن محضه وتكشفت النية عن خبثها، فإذا هم يلغون الخلافة برأيهم، ويخرجون بالخليفة من مقر خلافته في جنح الليل، كأنهم استحيوا أن يواجهوا بجريمتهم وضح النهار، وودوا لو استطاعوا أن يخفوا جريمتهم عن مسلمي الأمصار، معلنين قدوم ليل حالك في هذه المرحلة من تاريخ العرب و المسلمين.

و كما أشرت فالعرب لم يستفيدوا شيئا، فقد وزعوا ضمن تركة الرجل المريض بين مختلف الدول الغربية، و صاروا إرثا لها ينضب بالخيرات، تستغله إلى حاضر الأيام، وعمموا فيها الجهل الفساد و التفرقة التي تبتدأ من الأسرة وصولا إلى سدة صنع القرار.

و يخطئ من يؤول كلامي هذا بأنه نصرة لتنظيم الدولة البائس، فهذا ما كان لي أن أعتبره نظام خلافة بقدر ما هو نظام إبادة ولعبة مصطنعة لإبقاء موضع القدم في الشرق الأوسط، ولإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية هناك. لكن مقالي هذا تحسر على فترة ذهبية ليست ببعيدة منا، كانت فيها دولة إسلامية تسود العالم، ممتدة في ثلاث قارات، وكانت ملئ سمع الدنيا و بصرها، على رأسها خليفة واحد، يطبع شريعة ملك الملوك.

فهل إعادة منصب خليفة المسلمين كفيل بإعادة التوحد؟ و هل المسلمون يكترثون أصلا؟؟