
اختتمت الدورة الربيعية للبرلمان المغربي وسط تقييمات متباينة لحصيلتها التشريعية، التي وصفت من قبل رئاسة مجلسي النواب والمستشارين بأنها “إيجابية كما ونوعا”، بالنظر إلى عدد النصوص المصادق عليها وتنوعها. فقد شهد مجلس النواب المصادقة على 14 مشروع قانون، وصفت بأنها تؤطر إصلاحات جوهرية في قطاعات حيوية كالقضاء وحقوق الإنسان والاستثمار والإعلام، كما تم التداول في شأن 27 مقترح قانون.
وإذا كانت الحصيلة التشريعية توحي بدينامية على مستوى المصادقة، فإن التفاوت الملحوظ بين عدد مشاريع القوانين الحكومية التي تم اعتمادها ومقترحات القوانين التي تقدم بها النواب يعكس استمرار اختلال في توزيع المبادرات داخل المسار التشريعي، ويبرز الأسبقية التي تحظى بها النصوص ذات المصدر الحكومي مقارنة بنظيرتها البرلمانية، وهو ما لم يخفه رئيس مجلس المستشارين، معربا في خطاب نهاية دورة أبريل، عن قلقه من ضعف التفاعل الحكومي مع مقترحات القوانين، خاصة تلك التي تم التوافق عليها داخل اللجان، اعيا إلى مواصلة الحوار المؤسساتي مع السلطة التنفيذية لتمكين البرلمان من الاضطلاع بكامل مهامه التشريعية.
وفي هذا الصدد، اعتبر المحلل السياسي محمد شقير أن مناقشة مختلف النصوص القانوني ومناقشتها والمصادقة عليها أظهر نوعاً من التغول التشريعي للأغلبية الحكومية، سواء في تقديم مشاريع القوانين أو في رفض تعديلات مكونات المعارضة، حيث تم الاستناد في ذلك، بالإضافة إلى الأغلبية العددية، إلى تماسك الأغلبية الحكومية والحفاظ على انسجامها، أمام تشتت المعارضة وتنافس مكوناتها، الشيء الذي انعكس بشكل كبير في فشل ملتمس الرقابة.
وأوضح شقير في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن أي تقييم لحصيلة الدورة الربيعية ينبغي ألا يُختزل خارج سياقها السياسي العام، الذي طبعته ملامح تسخين انتخابي سابق لأوانه للظفر بحكومة المونديال، خاصة في ظل التجاذبات الحزبية داخل الأغلبية والمعارضة على حد سواء، منبها إلى أن الجدل السياسي المواكب لموضوع الدعم الحكومي لاستيراد الأغنام، وما تلاه من إعلان ملكي بإلغاء ذبح الأضحية، شكل خلفية سياسية أثرت على إيقاع الدورة ومناخها العام.
وأضاف الخبير أن الدورة الربيعية شهدت المصادقة على قوانين وُصفت بالمهيكلة، على رأسها قانون تنظيم الإضراب الذي ظل معلقاً منذ ما يقارب الستة عقود، وقد سجلت هذه المصادقة، التي تزامنت مع احتجاجات نقابية من أبرزها الإضراب العام الذي دعت إليه الاتحاد المغربي للشغل، انتصاراً تشريعياً لحكومة أخنوش، بعد أن زكّت المحكمة الدستورية مضامين القانون، وهو ما عدّه شقير تحركا استراتيجيا من الأغلبية لتثبيت مكانتها التشريعية.
كما توقف المتحدث، عند مصادقة البرلمان على قانوني المسطرة المدنية والجنائية، معتبرا أن ذلك يُحسب للأغلبية من حيث الانسجام والفعالية، رغم استمرار المعارضة في تسجيل ملاحظاتها وانتقاداتها، إلى جانب ذلك إقرار النظام الأساسي للقضاة، وما يحمله من دلالات على مستوى التقدم في ورش إصلاح العدالة، فضلا عن التصويت على قانون هيئة المحلفين القضائيين.
وفي المجال الإعلامي، أشار شقير إلى أن المصادقة على القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة جرت وسط نقاش مجتمعي محتدم، عكس حجم التوترات المرتبطة بقطاع الإعلام وحرية التعبير، مؤكدا أن هذا التشريع يحمل دلالات رمزية وسياسية بالنظر إلى العلاقة المتلازمة بين تنظيم الصحافة وتعزيز البناء الديمقراطي في المملكة، إلى أن الدورة اختُتمت بمناقشة قانون يتعلق بحماية الكلاب الضالة، في سياق حملة دولية استُغلت فيها صور الحيوانات لتشويه صورة المغرب.
رغم ما وصفت به الدورة من فعالية تشريعية، فإن موقع المبادرة البرلمانية مقارنة بالمبادرة الحكومية ما يزال موضع تساؤل، فبحسب فريق التقدم والاشتراكية، ورغم التحسن في برمجة مقترحات القوانين، فإن الحكومة ما زالت تحتكر المبادرات التشريعية، بينما يُقابل احترام النواب لمشاريع الحكومة بلامبالاة حكومية اتجاه مقترحاتهم، إذ لا تحضر الحكومة مناقشتها، كما تُرفض بشكل منهجي، حتى لو تم التوافق عليها داخل اللجان.
وفي هذا السياق، تبدو مؤشرات الخلل واضحة في توازن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، خصوصا أن عددا من مقترحات الأغلبية نفسها جرى سحبها أو لم تُبرمج، مما يعكس هيمنة السلطة التنفيذية على المبادرة التشريعية، إذ رغم الحصيلة التشريعية لدورة أبريل التي ظلت محل تثمين رسمي، يبقى التحدي الأكبر يكمن في تعزيز التكافؤ بين المبادرتين الحكومية والبرلمانية، وتمكين المؤسسة التشريعية من الاضطلاع بدورها كاملا، بعيدا عن الحسابات السياسية أو اختلال موازين القوى داخل المؤسسة.
اترك تعليقاً