منوعات

استغلال الأطفال والمسنين رقميا.. أزمة نفسية وفراغ تشريعي يهددان الضحايا

أعادت تصريحات محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، بشأن شروع الحكومة في إعداد نص تشريعي يؤطر صناعة المحتوى بالمغرب ويتصدى لاستغلال الأطفال والمسنين، النقاش حول المخاطر النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة، في ظل غياب ترسانة قانونية تواكب هذا التحول الرقمي وتحمي هذه الفئة من الآثار السلبية له.

ففي الوقت الذي ساهم فيه التطور التكنولوجي في تعزيز حرية التعبير، وتوسيع نطاق المشاركة والتفاعل الافتراضي على المنصات الكبرى مثل “فايسبوك” و”يوتيوب”، ظهرت سلوكيات سلبية تتعلق بنشر محتويات ومنشورات ضارة ومسيئة من طرف صناع محتوى و”تيكتوكرز”، هدفها الرئيسي مراكمة الأرباح والبحث عن الشهرة في غياب تام لأي احترام للكرامة الإنسانية والهشاشة العاطفية والاجتماعية للأطفال وكبار السن.

وضع جعل العديد من المهتمين بمجال التربية والمتخصصين في مجال الاعلام والقانون يدقون ناقوس الخطر، ويطرحون تساؤلات حول أخلاقيات صناعة المحتوى، ودور القانون والتربية الاعلامية في حماية هذه الفئة من الانزلاق في مسارات مسيئة تحت غطاء الترفيه والحرية الرقمية.

أضرار نفسية

سامي دقاقي، دكتور باحث في علم النفس والنورو-تربية، أوضح أن الاستغلال الرقمي يحرم الأطفال من بيئة آمنة لتنمية ثقتهم في أنفسهم واستقلاليتهم، ويفرض عليهم أدوار غير متناسبة مع نموهم وأعمارهم، مما ينتج عنه اضطرابات في تكوين هويتهم بشكل سليم، ويجعلهم يركزون على القبول الاجتماعي الخارجي عوض تقديرهم لذواتهم.

وأضاف في تصريح لجريدة العمق بأن استعراض الأطفال باستمرار على وسائل التواصل الاجتماعي، يجعلهم يتعلمون ضمنيا أن القيمة تكتسب عبر الظهور والشهرة وليس عبر الجهد والمثابرة والقيم الإنسانية المشجعة على ذلك، مؤكدا بأن استغلالهم سيما من قبل الوالدين والأهل كمادة لمحتوى رقمي يقوض العلاقة السليمة بينهم، ويبدد إمكانية تعلقهم النفسي بهم.

وأوضح دقاقي بأن هذا الاستغلال من قبل الوالدين يجعل الطفل يشعر أن قيمته مرهونة بتفاعلات الناس، وبما يجنيه من أرباح مادية فقط، لا بحب من يحيطون به، مؤكدا أن هذا الأمر يطور “تعلقا نفسيا” غير صحي بوسائط التواصل الاجتماعي، مما يسفر عن شعور بالتيه والقلق حين ينخفض التفاعل الرقمي أو يتوقف.

أما بالنسبة لكبار السن، أوضح الدكتور الباحث في علم النفس والنور-تربوية، أن استغلالهم على الشبكات الافتراضية يضعهم في مواقف فرجة ساخرة وضعف مفضوح، يضرب في العمق كرامتهم، ويجعلهم في يأس وجودي أو اكتئاب متأخر، عوض شعوهم بالرضا عن حياتهم الماضية، والاندماج في صورة متماسكة للذات وحظيهم بالاهتمام الضروري من طرف الأشخاص المحيطين بهم.

فراغ قانوني

رغم تضمن التشريع المغربي في جوهره لمقتضيات حمائية للأطفال والمسنين، مثل القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، والقانون الجنائي الذي يجرم في العديد من مواده تعريض القاصر للخطر، أو استغلاله في مواد ذات طابع إباحي أو مهين، تبقى غير كافية، حسب إفادة الحسين بكار السباعي، محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

وتابع المتحدث ضمن تصريح أدلى به لجريدة “العمق” بأن تضمين مدونة الشغل لمقتضيات تمنع تشغيل القاصرين، يفتح اليوم باب التساؤل، حول مدى اعتبار صناعة المحتوى الرقمي عملا تجاريا غير مقنن، يخضع لمعايير الربح والإنتاج دون حماية للكرامة الإنسانية.

وأوضح السباعي أن القانون المغربي لا يوفر للمسنين حماية مباشرة من الاستغلال الرقمي، باستثناء بعض المقتضيات العامة التي تجرم الإهانة والتشهير وتحمي الحق في الصورة والحياة الخاصة، كما هو منصوص على ذلك في المادة 447 من القانون الجنائي وبعض مواد قانون الصحافة والنشر.

وسجل بأن هذه النصوص، رغم أهميتها، لا تواكب التحديات الجديدة التي تطرحها صناعة المحتوى، مما يتطلب وفقه، وضع إطار قانوني صريح يضبط هذه الصناعة، ويحدد الضوابط الأخلاقية والقانونية لإشراك القاصرين والمسنين فيها.

وشدد المحامي والباحث في الهجرة وحقوق الإنسان على ضرورة إلزام المنصات الرقمية والفاعلين فيها، بالحصول على تراخيص موثقة أو موافقات من لدن هذه الفئة، داعيا إلى تمكين النيابة العامة والهيئات المختصة، كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، من صلاحيات أوسع في الرصد والمتابعة والتدخل الفوري.

التربية الرقمية على طاولة الحلول

من جهته، أكد عبد الوهاب الرامي، خبير في الاعلام وأستاذ بالمعهد لعالي للإعلام والاتصال، على أن إدماج التربية الرقمية والإعلامية في المناهج الدراسية بات ضرورة ملحة لتفادي مخاطر استغلال الناشئة من طرف صناع المحتوى الرقمي، مبرزا أن ذلك سيمكنهم من تعلم كيفية التبليغ عن المحتوى الضار أو المخل بأخلاقيات التعبير، ويربيهم على المواطنة الرقمية التي تقوم على ترسيخ قيم المسؤولية، والاحترام، وعدم مشاركة أو إنتاج محتوى يضر بالآخرين، أو المساهمة فيه.

كما شدد الرامي ضمن تصريح لجريدة “العمق” على ضرورة تأطير ورشات حوار ونقاش مع التلاميذ وأولياء أمورهم والمعلمين حول المحتويات التي تنشر على الإنترنت، بهدف تمكينهم من حماية أنفسهم، لا عبر المنع، بل عبر الفهم والتحليل والاختيار الواعي.

ولفت الخبير في الاعلام والأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال إلى أهمية مواكبة الأسر والمربين وتوعيتهم، لتقوية الحصانة المجتمعية اتجاه الانزلاقات التي تطبع صناعة المحتوى، والعمل على شرح للأطفال وكبار السن كيفية اشتغال المنصات الرقمية، وتأثير “الترند” و”المشاهدات” على سلوكيات صناع المحتوى و” التيكتوكرز”، لتفادي استغلالهم من طرفهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *