منوعات

حسن طارق يكتب.. إصلاح سياسات أم إصلاح سياسي؟

في لقائه الأخير مع طلبة معهد الصحافة ،يدعونا بنكيران إلى “مطبخ “رئاسة الحكومة ،لكي نتعرف على تمثلاته لوظيفته الدستورية ،ولكي يقدم لنا -من خلال محكياته-مسارات نموذجية لصناعة القرار في المستويات العليا، عبر أمثلة معبرة .

الخلاصة التي يمكن تقاسمها في هذا السياق ،هي التعقد الشديد لمسلسل الإصلاح (حتى لا نقول الإستحالته المطلقة )،فمن أجل خطوات صغيرة ، هناك حاجة إلى تفاوضات عسيرة و مستمرة مع البنية العميقة الدولة ،والى تسويات دائمة مع شركاء الأغلبية السياسية ،والى إستحضار يومي لإكراهات الجهاز التقنقراطي للإدارة .

الخطوات الصغيرة المذكورة ،تتحرك بحذر ضمن مجال محدد من جهة بالدستور و من جهة أخرى بأعراف الثقة والتوافق و”الصواب” ،كما يكون عليها الوعي بطبيعة الزمن الحكومي قليل النفس، وبالأزمة البنيوية للموارد .

كل ذلك في سياق سياسي وإعلامي ،تغلب عليه التقديرات والقراءات السياسيوية والانتخابية لكل تفاصيل الفعل العمومي ،وفي سياق اجتماعي مطبوع بانفجار غير مسبوق للطلب الفئوي .

مناسبة هذا التذكير تدعو إلى استحضار ثلات مفارقات في توصيف المرحلة السياسية :

الأولى :تتعلق بسقوط إحدى الفرضيات التأسيسية للدستور الجديد،عندما أعتقد بعض المتفائلين ،بأن نمط توزيع السلطة داخل وثيقة يوليوز 2011،سيكون من أثاره المهيكلة تحول جذري في طبيعة النقاش السياسي الذي سينتقل من رهانات تدبير العلاقة مع السلطة إلى لحظة تقاطب موضوعي حول السياسات العمومية والاختيارات الحكومية .

سقطت هذه الفرضية ليس لان المعارضة اختارت الخيار السهل للمعارضة المنبرية ،عوض نقاش الأفكار والبدائل ،ولكن كذلك لان الأغلبية نفسها عانت كثيرا من التفاوت في التقدير السياسي لجرعات إصلاح السياسات الاجتماعية .

الثانية: تتعلق بالتغييب الكامل لخلاصات التجربة الحكومية ،في النقاش حول شروط الاستحقاقات القادمة ،من ذلك مثلا تفادي اي نقاش حول نمط الاقتراع بل أكثر من ذلك تم الذهاب في اتجاه تخفيض العتبة،وهو ما يعني الذهاب باطمئنان مريب إلى إعادة إنتاج -في أحسن الاحوال-صيغة سياسية من الواضح أنها غير قادرة على فرز حكومة للإصلاحات.

الثالثة : ترتبط بالحاجة إلى طرح السؤال ؛حول هل هذه المرحلة تقتضي فقط اصلاحا للسياسات العمومية ،أم ان هذه الاصلاحات نفسها تشترط حالة إصلاح عامة ،تنتج عن إصلاح سياسي يكون موضوعا للتعبئة المجتمعية ؟

واذا كان من الواضح أن تمة حاجة إلى جرعة إصلاح سياسي ،فإن وجه المفارقة يكمن بالضبط في كون هشاشة النخب الحزبية وفقدان غالبيتها للقرار المستقل ،من شأنه أن يعقد دينامية خلق تقاطب مبني على الإصلاح والديمقراطية ،وهو ما يجعل من الحقل الحزبي عموما عاجزا موضوعيا عن خلق حالة إصلاح سياسي ،ويجعل من الإصلاح مرة أخرى مرتبكا،يتيما ،هشا،وبدون حاضنة مجتمعية.

لكل ذلك ،وبالرغم من نبرة “الصمود” و “التفاؤل “المعلن ،فإن تمة تقاطعات واضحة بين خطاب معهد الصحافة، وبين خطاب اليوسفي ببروكسل.

في الخلفية يبقى نفس السؤال مطروحا : هل يستطيع الانفتاح المراقب على الإرادة الشعبية والاقتراع العام ،أن يتقدم بالبلاد في منطق البناء الديمقراطي.

كان الجواب سلبيا في التناوب الأول ،فهل يكون كذلك في التناوب الثاني ؟