مجتمع

رحلة العمر: الحجاج من السماء إلى الأرض.. قصة الطائرات والحافلات وقطار المشاعر (الحلقة 12)

سلسلة توثق تجربة حاج مغربي شكلت لصاحبها رحلة عمر

سلسلة رحلة العمر.. انطباعات حاج مغربي

الحج ليس مجرد سفر أو تنقل بين شعائر وأمكنة، بل هو عبور روحي عميق يعيد صياغة علاقة المسلم بربه ونفسه والعالم من حوله، فمنذ أن نادى الخليل إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، ظل هذا الركن العظيم يجمع المسلمين من كل فج عميق، في مشهد مهيب تتجلى فيه وحدة الأمة ومساواتها أمام الله.

في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “العمق”، يوثق الحاج المغربي أحمد الطلحي، المنحدر من مدينة طنجة والخبير البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، تفاصيل رحلته إلى الديار المقدسة خلال موسم 1446 هـ، بعد سنوات طويلة من الانتظار والدعاء.

بين الشوق قبل السفر، والسكينة في المشاعر، والمواقف المؤثرة في عرفات والطواف، يقدم الطلحي شهادة صادقة وتأملات روحية وإنسانية وتنظيمية، يشارك من خلالها القارئ مواقف لا تُنسى، ونصائح قد تعين المقبلين على هذه الفريضة العظيمة.

ـــــــــــــ

الحلقة 12: الحجاج من السماء إلى الأرض.. قصة الطائرات والحافلات وقطار المشاعر

لا مجال للمقارنة بين ظروف نقل الحجاج المغاربة عبر الجو والبر، بين الماضي القريب والسنوات الأخيرة، خصوصا مع الموسم الأخير. فالحافلات في الماضي كانت متهالكة، وكانت كل حافلة تنقل أكثر من فوج واحد، بينما في هذه السنة كان لكل فوج حافلة خاصة به. وبالرغم من تحسن خدمات النقل الملحوظ، لا تزال هناك بعض الأمور التي ينبغي العمل على تجاوزها في مواسم الحج القادمة إن شاء الله.

 

أ- ظروف السفر بالطائرة إلى ومن الديار المقدسة:

1- ظروف السفر بالطائرة إلى الديار المقدسة:

– الإجراءات عند مغادرة المطار في المغرب:

كانت الإجراءات ميسرة جدا في المطار في المغرب، ونسجل بصدق حسن المعاملة من قبل جميع العاملين في المطار من رجال الأمن الوطني إلى الجمارك إلى موظفي الخطوط الملكية المغربية، دون أن أنسى المتطوعين من إحدى المنظمات الكشفية التي منذ سنوات -حسب ما صرح لي أحدهم- يتطوع عدد من أعضائها في مساعدة الحجاج في المطار.

لكن، الكمال لله، لزم تسجيل بعض الملاحظات التي ينبغي تفاديها في المستقبل:

– لما دفعنا الحقائب، ودخلنا صالة الانتظار وجدنا مسافرين آخرين، ومن الأفضل لو كانت الصالة مخصصة فقط للحجاج

– حينما طلب منا الذهاب إلى الطائرة، هب الحجاج دفعة واحدة بدون نظام، ومع غياب تام للمرافقين لتنظيمهم، وبالرغم من تدخل بعض موظفي المطار أو الخطوط الملكية المغربية، لم يتم التغلب على التدافع وتزاحم الحجاج فيما بينهم.

– وبما أنه لم تكن هناك قاعة للصلاة ولا سجاد كبير للصلاة في قاعة الانتظار، اضطررنا لصلاة المغرب والعشاء في أرضية المطار بجانب الطائرة.

– الرحلة في الطائرة، ذهابا:

الطائرة التي نقلتنا إلى المدينة المنورة لم تكن إحدى طائرات أسطول الخطوط الملكية المغربية، وإنما اكترتها هذه الأخيرة من شركة إسبانية، لذلك كان أغلب طاقم الطائرة من الإسبان. والطائرة كانت من الحجم الكبير وتقل 370 راكبا. 

وفي المجمل كانت الخدمات على متن الطائرة لا بأس بها، مع تسجيل بعض الملاحظات التي ينبغي تفاديها أيضا في المستقبل: 

– كانت هناك صعوبة في التواصل بين طاقم الطائرة والحجاج، فالطاقم أجنبي لا يعرف العربية، وأغلب الحجاج من كبار السن وممن لا يعرفون اللغات الأجنبية.

– بما أن أغلب الحجاج لم يسبق له أن سافر في الطائرة، فإن هناك الكثير من السلوكيات التي تصدر منهم داخل الطائرة تحتاج أن يتم الحديث عليها خلال الدروس التكوينية للحجاج. من هذه السلوكيات على سبيل المثال لا الحصر: الجلوس في مقاعد الغير، وضع الحقائب في الأماكن المخصصة للغير، عدم الالتزام بربط الأحزمة، عدم المعرفة بكيفية اشتغال المراحيض مما يتسبب في تلويثها وتعطيل بعض أجهزتها، الوقوف وحمل الأمتعة ومحاولة التوجه إلى أبواب الطائرة قبل توقفها النهائي…

– لم يتم إشعار الحجاج بدخول وقت صلاة الفجر، فربان الطائرة غير مسلم كما أغلب أفراد طاقم الطائرة. لذلك على شركة الخطوط الملكية المغربية وكما تفعل في طائراتها، أن تلزم أطقم الطائرات التي تكتريها بتنبيه الحجاج لمواقيت الصلاة وعند الوصول إلى الميقات بالنسبة للطائرات المتجهة إلى جدة. ولقد حاولت أن أبلغ طاقم الطائرة بدخول وقت الفجر، فتحدثت في البداية مع إحدى المضيفات وطلبت منها أن تخبر الربان بأن يعلن وقت الصلاة فأجابتني بأن الربان برتغالي وأخبرتني بوجود شاب مغربي ضمن الطاقم، ذهبت إليه وطرحت عليه الأمر، وهو ذهب إلى الربان، ثم عاد وأخبر الحجاج من مكبر الصوت أن الطائرة توجد فوق الأراضي المصرية وأن التوقيت بها هو كذا وكذا دون أن يشير إلى وقت الصلاة. ولما لاحظت أن ضوء النهار بدأ يظهر تحركت داخل الطائرة وأخبرت الحجاج بأن يتيمموا ويصلوا الفجر. والمثير في الأمر هو أن بعض المرافقين كانوا غارقين في النوم كما معظم الحجاج من شدة التعب، ولم يقوموا بتذكير الحجاج بتوقيت الصلاة، وعليه ينبغي أن تطلب وزارة الأوقاف من المرافقين ألا يتواكلوا على طاقم الطائرة في التذكير بالصلاة.

– الإجراءات في مطار المدينة المنورة:

بمجرد خروجنا من الطائرة استقبلنا عدد من موظفي مطار المدينة المنورة بالترحيب والدعاء لنا. وتمت الإجراءات بيسر وفي مدة قصيرة، مع حسن المعاملة من قبل جميع العاملين به.

ومطار المدينة المنورة أو مطار الأمير محمد بن عبد العزيز يبعد عن المدينة المنورة ب15 كلم، ويسافر عبره أكثر من 10 ملايين مسافر سنويا. 

2- ظروف السفر بالطائرة من الديار المقدسة:

– الإجراءات في مطار جدة:

كما في مطار المدينة المنورة، كانت الإجراءات والخدمات في مطار جدة جيدة أيضا. 

حينما وصلنا المطار، تم أخذ أمتعتنا التي حملناها معنا في الحافلة للتخفيف علينا، وتم إضافتها إلى أمتعتنا التي سبقتنا في الشاحنة بيوم.

أدخلونا إلى صالة انتظار كبيرة، ووزعوا علينا أكلة خفيفة وقنينات الماء البارد، توضأنا وصلينا الظهر والعصر جمعا وقصرا. وقمنا بشراء قنينات ماء زمزم، خمس لترات لكل حاج ب12.5 ريال، ولا يسمح بأكثر من ذلك، لذلك عند الشراء يقدم الحاج جواز سفره ويسجل في الحاسوب.

ثم، بعد كل فترة، تنتقل مجموعة من 20 حاجا فيما أذكر، تقوم بالبحث عن حقائبها وأمتعتها المعروضة في مكان خاص، ثم تقوم بتسجيلها وتسجيل قنينة ماء زمزم، وهنا وجب التنويه بالدور الكبير والمتميز لموظفي الخطوط الملكية المغربية في تنظيم الحجاج المغاربة ومساعدتهم.

بعد ذلك، يأخذ الحجاج لمن رغب نسخة من المصحف المفسر، لكن للأسف كل النسخ كانت بقراءة حفص ولا وجود لنسخ بقراءة ورش، ثم يستقبلون بحفاوة من قبل شرطة المطار لختم الجوازات.

لكن الذي عكر صفونا وأثر سلبا على كل الإجراءات، هو انتظارنا الطويل والمتعب زهاء ثلاث ساعات من الوقوف في الطابور للدخول إلى قاعة الانتظار بعد فحص الأمتعة بالسكانير. والسبب هو الحجاج الباكستانيين الذين كانوا سيسافرون قبلنا، حيث استغرق تفتيشهم وتفتيش أمتعتهم وقتا طويلا كان على حساب الحجاج المغاربة، حيث لم نتمكن من الاستراحة في قاعة الانتظار إلا لمدة قصيرة قبل ولوج الطائرة. 

ويعد مطار جدة، مطار الملك عبد العزيز، الذي يبعد ب19 كلم عن مدينة جدة، أول مطار بالسعودية ويحتل الرتبة ال40 عالميا بأكثر من 49 مليون مسافر سنويا.

– الرحلة في الطائرة، إيابا:

رجعنا من الديار المقدسة على نفس الطائرة التي أقلتنا من المغرب، وبنفس عناصر الطاقم تقريبا.

بعد انطلاق الطائرة لفترة وجيزة صلينا المغرب والعشاء جمعا وقصرا. وعلى العموم مرت الرحلة في أجواء لا بأس بها، مع تأخر لمدة 20 دقيقة، وبنفس المشاكل التي سجلناها في رحلة الذهاب. 

– الإجراءات عند الوصول إلى المطار في المغرب:

في المطار بالمغرب مرت كل الإجراءات بيسر وترحاب من جميع العاملين فيه. لكن، الذي أرهقنا كثيرا بالإضافة إلى الإرهاق الذي عانينا منه في الطابور في مطار جدة، هو حينما كنا ننتظر ونبحث عن حقائبنا وعن قنينات ماء زمزم. العملية كانت مرهقة واستغرقت حوالي ساعة ونصف من الوقت. ولا أدري كيف يمكن التغلب على هذه المشكلة في المستقبل، ولكن لا بد أن يبحث المكتب الوطني للمطارات عن حل شامل وفعال لهذه المشكلة التي من الأكيد أنها تتكرر دائما وفي جميع مطارات المغرب. 

 

3- ظروف نقل الحجاج بالحافلة في السعودية:

– نقل الحجاج من مطار المدينة المنورة إلى الفندق:

انتظرنا مدة طويلة في المطار الحافلة التي نقلتنا إلى الفندق، حيث أدخلونا قاعة فيها تكييف ضعيف، فضاعف الحر تعب الرحلة حيث لم ننم طول الليل.

في الحافلة وزع علينا فطور خفيف بارد. ودامت الرحلة إلى الفندق حوالي 20 دقيقة.

– نقل الحجاج من فندق المدينة المنورة إلى فندق مكة المكرمة:

بسبب كثرة الإجراءات لم تنطلق الحافلة من المدينة المنورة إلا بعد ساعة ونصف من ركوبها.

وبعد توقفنا لبعض الوقت في أبيار علي حيث الميقات، انطلقت بنا الحافلة دون تأخير هذه المرة. وكانت الرحلة، بالرغم من طول مدتها، رحلة ممتعة ومريحة.

– نقل الحجاج من فندق مكة المكرمة إلى مطار جدة:

في يوم العودة إلى المغرب، طلب منا النزول إلى بهو الفندق لانتظار الحافلة التي تأخرت لساعتين، ثم لحوالي نصف ساعة ونحن داخلها قبل انطلاقها في اتجاه مطار جدة، وسبب تأخر انطلاق الحافلة هو عملية تفحص أسماء الحجاج، وكلمات الوداع من قبل شركة الطواف ومسؤولي البعثة المغربية.

استغرقت الرحلة أكثر من ساعة ونصف، بالرغم من أن المسافة في حدود 88.4 كلم وبالرغم من جودة واتساع الطريق السيار وعدم وجود ازدحام في الطريق، ولكن التأخر كان بسبب المراقبة في عدد من المحطات من قبل الأمن ومن قبل هيئة المطار. وعلى العموم كانت الرحلة أيضا مريحة وممتعة.

 

4- نقل الأمتعة مبادرة ممتازة:

نقل أمتعة الحجاج المغاربة في شاحنات قبل سفرهم بالحافلات، حيث تصل أمتعتهم إلى مكان الوصول قبلهم بوقت طويل، مبادرة جد هامة، وحظيت بتثمين أغلب الحجاج، لأنها أعفتهم من عبء حملها بين مكان انطلاقهم والحافلة وبين هذه الأخيرة ومكان وصولهم، خاصة وأن أغلب الحجاج المغاربة من كبار السن. لكن هذه المبادرة تحتاج لتصحيح بعض الأمور حتى تحقق هدفها على أحسن وجه.

– نقل الأمتعة من مطار المدينة المنورة إلى الفندق:

وصلت الحقائب متأخرة بساعات بعد وصول الحجاج إلى الفندق، وتم وضعها في طوابق مختلفة للفندق، مما أنهك الحجاج عند البحث عن حقائبهم ما بين طوابق الفندق، وفي الغالب بدون استعمال المصاعد لقلتها.

– نقل الأمتعة من فندق المدينة المنورة إلى فندق مكة المكرمة:

تم نقل أمتعة الحجاج من الفندق بالمدينة المنورة إلى الفندق بمكة المكرمة بيوم قبل انطلاق حافلات الحجاج. 

وبعكس ما حدث في فندق المدينة المنورة، وصلت الحقائب قبل وصول الحجاج، وتم وضعها في بهو الفندق الفسيح بمكة المكرمة، مما مكن الحجاج من العثور عليها وأخذها بسرعة ويسر.

– نقل الأمتعة من فندق مكة المكرمة إلى مطار جدة:

نفس ما حدث بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، فقد تم نقل الحقائب إلى مطار جدة بيوم قبل انطلاق حافلات الحجاج. كما أن بحث الحجاج عن أمتعتهم في مطار جدة لم يأخذ وقتا طويلا.  

 

ب- ظروف النقل في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة:

1- ظروف التنقل داخل مكة المكرمة:

بالرغم من كثرة الإجراءات الأمنية، لا تزال الطرق المحيطة والمؤدية إلى المسجد الحرام تعرف ازدحاما مروريا كبيرا، بسبب كثرة الحجاج المشاة ووسائل النقل من جهة وبسبب عدم كفاية البنيات التحتية من طرق وقناطر من جهة ثانية. والازدحام الكبير للمشاة يعرقل حركة سير وسائل النقل ويجعل حركتها بطيئة مما يجعل أغلب الحجاج، وأنا منهم، يؤثرون التنقل مشيا على الأقدام بدل امتطاء وسيلة النقل.

والتنقل داخل مكة المكرمة يتمثل في المسارات التالية: بين الفنادق والمسجد الحرام والعكس، التنقل إلى الأسواق والمزارات، التنقل إلى التنعيم حيث ميقات أهل مكة والمقيمين فيها من الحجاج والمعتمرين.

ووسائل النقل المنتشرة في مكة متنوعة، ولكنها تقليدية وأصبحت متجاوزة ولا تساير التقدم ولا تحافظ على البيئة ولا تحل المشاكل المرورية، بل بالعكس، تفاقم منها كلما زاد عددها. وهذه الوسائل هي كالتالي:

– الحافلات العمومية:

وهي قليلة مقارنة بالحاجيات، وجميع خطوطها تنتهي قبل المسجد الحرام بمسافة طويلة.

– الحافلات الخاصة بالفنادق:

أغلب الفنادق البعيدة عن المسجد الحرام توفر حافلات كبيرة وصغيرة لنقل الحجاج المقيمين بها بين الفندق والمسجد الحرام والعكس، لكن رحلاتها تستغرق مدة طويلة بسبب الازدحام المروري، من جهة، ومن جهة ثانية تتوقف عن الخدمة خلال بعض الأوقات داخل اليوم وتتوقف نهائيا قبل وبعد مناسك الحج بأيام. 

– سيارات الأجرة:

سيارات الأجرة متوفرة بكثرة، لكن الإقبال عليها قليل لأسعارها المرتفعة بل والمبالغ فيها.

– النقل السري:

والظاهرة المنتشرة أكثر هي النقل السري أو غير القانوني بالسيارات الخاصة والدراجات النارية، بالرغم من محاربة السلطات السعودية لها. وفي الواقع هي التي تساهم في حل مشكلة النقل بنسبة كبيرة في مكة المكرمة. وسعر الرحلات فيها غير محدد ويكون نتيجة التفاوض القبلي بين الراكب والسائق. 

 

2- ظروف التنقل من مكة المكرمة إلى مشعر عرفات:

من المعلوم أنه في هذه السنة، تم تصعيد الحجاج مباشرة من مكة المكرمة إلى عرفات دون المرور من مشعر منى يوم التروية، وذلك تبعا للفتوى الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى.

وكالعادة، انتظرنا الحافلة التي ستقلنا من الفندق إلى عرفات طويلا، ولا أدري لماذا هذا التأخر دائما. ولكنه كان أطول تأخر وصل إلى خمس ساعات ونحن ننتظر بلباس الإحرام وأمتعتنا الخفيفة في بهو الفندق. 

وبسبب كثرة الإجراءات الأمنية وكثرة الحافلات التي قد يتجاوز عددها 24 ألف حافلة (لا توجد إحصائيات لموسم حج 1446 ه، والهيئة العامة للنقل هيأت أكثر من 27 ألف حافلة لخدمة الحجاج بشكل عام في موسم حج 1445هـ، والتي تشمل الحافلات المخصصة للنقل بين المشاعر ومن وإلى المسجد الحرام)، استغرقت الرحلة من الفندق الذي كنا فيه إلى مشعر عرفات مدة ساعتين، بالرغم من أن المسافة في حدود 20 كلم.

لم تكن الرحلة متعبة، لكن طول الانتظار هو الذي أتعبنا.

 

3- ظروف التنقل من مشعر عرفات إلى مشعر منى مرورا بمزدلفة:

كان مبرمجا أن يصعد الحجاج إلى الحافلات قبيل المغرب حسب البرنامج الذي سطرته البعثة المغربية، لكن تأخر الحافلات حال دون ذلك بالنسبة لمجموعتنا ومجموعات أخرى، وهذا كان أفضل، لأنه سمح لنا بالتضرع إلى الله بالدعاء بدون الانشغال في البحث عن الحافلة وأخذ المقاعد وغيرها من الأمور التي قد تصرف الحجاج عن أفضل وقت للوقوف بعرفات وهو وقت الغروب الذي يعد هو الركن الذي يبطل الحج بعدم القيام به.

كان من المقرر أن تبقى الحافلات أيضا ليلة ويوم عرفات قرب المخيمات أو في الموقف الكبير الذي كان بالقرب من مخيم الحجاج المغاربة. كما كان من المفترض أن تنقل كل حافلة من عرفات إلى مزدلفة ومنى نفس مجموعة الحجاج التي نقلتها من مكة يوم التروية، في إطار نظام الرد الواحد في النقل بالمشاعر المقدسة الذي اعتمدته السلطات المغربية مشكورة هذا الموسم. بل أكثر من ذلك كان على واجهة كل حافلة بيانات خاصة بكل مجموعة مع اسم المرافق أو المرافقة (خصص المغرب مرافقا أو مرافقة لكل 49 حاجا).

لكن الذي حصل للأسف، وعكر صفو الحالة الروحية التي سادت خلال الوقوف بعرفة، هو وقوع فوضى كبيرة، حسب ما عايناه وعشناه بأنفسنا. بحيث لما اتجهنا إلى حافلتنا بعد وقت طويل من البحث عنها، وجدنا مجموعة أخرى من الحجاج المغاربة مع مرافقهم قد صعدوا إليها قبلنا، ولم يقبلوا النزول منها بعد مطالبتهم بذلك. وتفاديا لمزيد من الاحتقان تخلينا مضطرين عن حافلتنا. وكان كلما وصلت حافلة إلى الموقف تسابق الحجاج إليها، ومما زاد في استفحال الحالة هو وصول ممثل شركة الطواف الذي أمر شركة النقل بنقل الحجاج دون احترام التفويج السابق. وهذا ما حصل بالفعل، وهو ما أثار كذلك خلافا بين مجموعات الحجاج حول من له الأسبقية. 

انتقلنا إلى مشعر مزدلفة في حافلة بحمولة زائدة، وكان عدد من الحجاج واقفين. وبسبب الإجراءات الأمنية لم تستطع حافلتنا كما عدد كبير من الحافلات الوقوف بمزدلفة ثم نقل الحجاج إلى منى، فكان الخيار هو النزول بصفة نهائية في مزدلفة والانتقال مشيا على الأقدام بعد ذلك إلى منى، أو عدم النزول في مزدلفة والتوجه مباشرة إلى منى.

ومن شدة الازدحام المروري، قطعنا المسافة بين عرفات وآخر مزدلفة في ساعات، بينما المسافة بينهما هي 6 كلم فقط.

ولتفادي مشاكل النقل بين المشاعر في المستقبل، على السلطات المغربية أن تشدد على المرافقين أن يحترموا النظام المحدد مسبقا، وهو حافلة لكل مجموعة وأن يكون هناك تواصل دائم بينهم وبين سائقي الحافلات ومساعديهم.

 

4- ظروف التنقل من مشعر منى إلى مكة المكرمة:

بالرغم من توفر الحافلات إلا أن سوء التنظيم تسبب في بعض المشاكل، ولعل أكبر مشكلة في منى هي غياب مواقف الحافلات بعكس عرفات.

وبسبب هذه المشاكل يفضل بعض الحجاج الرجوع إلى مكة مشيا على الأقدام، أو يضطرون لامتطاء وسائل النقل غير القانونية، سواء السيارات أو الدراجات النارية، والتي فرضت أسعارا خيالية وصلت إلى 300 ريالا للفرد حسب ما سمعنا من بعض الحجاج.

استغرقت الرحلة من منى إلى مكة بالحافلة مدة ساعتين تقريبا، مع أن المسافة تتراوح ما بين 10 و12 كلم فقط. 

 

5- قطار المشاعر المقدسة، تجربة رائدة يجب تعميمها:

في عام 2010 بدأ تشغيل قطار المشاعر لنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة (مكة، ومنى، ومزدلفة، وعرفات) خلال موسم الحج، وذلك للمساهمة في التخفيف من الازدحام المروري.

وحسب وكالة الأنباء السعودية تم خلال موسم حج 1446هـ نقل مليون و870 ألف راكب بين المشاعر المقدسة خلال الفترة من 7 إلى 13 ذي الحجة من خلال 2154 رحلة: 282 ألف حاج من منى إلى عرفات، وحوالي 294 ألف حاج من عرفات إلى مزدلفة، و349 ألف من مزدلفة إلى منى، بالإضافة إلى 920 ألف راكب بين محطات منى المختلفة في أيام التشريق.

وتعد تجربة قطار المشاعر المقدسة تجربة رائدة ومهمة، ويجب توسيعها في المستقبل   بإضافة خطوط سككية وقطارات أخرى لمضاعفة عدد الحجاج الذين يتم نقلهم بين المشاعر.

6- ظروف التنقل إلى المزارات:

أغلب الحجاج يتنقلون إلى مزارات المدينة المنورة ومكة المكرمة والمواقع السياحية عبر وسائل النقل غير القانونية وبدون مرشدين سياحيين، وهذا أمر لا يكون مفيدا للحجاج في الغالب. وعليه ينبغي أن تقنن هذه الرحلات ويرخص بتنظيمها فقط للوكالات السياحية.

ولوصول أغلب الحجاج، بما في ذلك كبار السن والضعفاء، إلى غاري حراء وثور والأماكن المشابهة لهما من حيث وعورة التضاريس، وجب التفكير الجدي في إنجاز واستعمال وسيلة القاطرة المعلقة أو تلفريك.

ـــــــــــ

* أحمد الطلحي: إطار مغربي وخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *