رحلة العمر: بين غار حراء ومسجد الجن.. رحلة بحث عن أثر النبي ﷺ في مكة (الحلقة 10)
سلسلة توثق تجربة حاج مغربي شكلت لصاحبها رحلة عمر

سلسلة رحلة العمر.. انطباعات حاج مغربي
الحج ليس مجرد سفر أو تنقل بين شعائر وأمكنة، بل هو عبور روحي عميق يعيد صياغة علاقة المسلم بربه ونفسه والعالم من حوله، فمنذ أن نادى الخليل إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، ظل هذا الركن العظيم يجمع المسلمين من كل فج عميق، في مشهد مهيب تتجلى فيه وحدة الأمة ومساواتها أمام الله.
في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “العمق”، يوثق الحاج المغربي أحمد الطلحي، المنحدر من مدينة طنجة والخبير البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، تفاصيل رحلته إلى الديار المقدسة خلال موسم 1446 هـ، بعد سنوات طويلة من الانتظار والدعاء.
بين الشوق قبل السفر، والسكينة في المشاعر، والمواقف المؤثرة في عرفات والطواف، يقدم الطلحي شهادة صادقة وتأملات روحية وإنسانية وتنظيمية، يشارك من خلالها القارئ مواقف لا تُنسى، ونصائح قد تعين المقبلين على هذه الفريضة العظيمة.
ـــــــــــــ
الحلقة العاشرة: مزارات تئن تحت زحف التوسع.. رحلة بحث عن أثر النبي ﷺ في مكة
بعد الانتهاء من مناسك الحج يمكن للحجاج زيارة عدد من الأماكن التاريخية التي لها علاقة بالسيرة النبوية، لكن هذه الأماكن للأسف الشديد لا تحظى بالاهتمام اللازم من تهيئة وتشوير وترويج سياحي، لذلك تجد أغلب الحجاج لا يعرفونها أو لا يستطيعون زيارتها. كما أن أغلب المواقع والمعالم التاريخية اندثرت وبني مكانها بنايات وطرق وساحات، والمسجد الحرام هو أيضا توسع على حسابها.
فمن الواجب، للحفاظ على الذاكرة التاريخية، القيام بما يلزم للحفاظ وتثمين المواقع والمعالم المتبقية، أما التي اندثرت فيمكن القيام بنفس العملية التي تمت في مسجد قباء، حيث تم وضع لوحات تعريفية لمواقع المعالم الأثرية التي اندثرت.
وبالنسبة للمعتمرين، أنصح بالإضافة إلى المزارات التي سيأتي ذكرها، بزيارة المشاعر المقدسة: عرفات ومزدلفة ومنى.
1- التعريف بالمواقع والمعالم التاريخية المندثرة:
– دار الندوة:
دار الندوة أسسها قصي بن كلاب قبل الإسلام، وكان يجتمع فيها سادة قريش للتشاور واتخاذ القرارات التي تهم بلادهم مكة. وحاليا أصبح مكانها جزء من المسجد الحرام، وأحد أبوابه في الجهة الشمالية الغربية منه يحمل اسم باب الندوة.
– شعب أبي طالب والمكان الذي ولد فيه الرسول ﷺ:
هذا الشعب هو الذي حوصر فيه النبي ﷺ وأصحابه، وعرف فيما بعد بشعب بني هاشم ويسمى حاليا بشعب علي. ولقد ولد فيه الرسول ﷺ، ولقد تحول اليوم مكان ولادته إلى مكتبة وهي مكتبة مكة المكرمة.
– دار الأرقم بن أبي الأرقم:
كان النبي ﷺ يجتمع بأصحابه سرا في دار الأرقم بن أبي الأرقم، يعلمهم أمور دينهم ويتدارس معهم أمر الدعوة. وكانت الدار تقع على يمين الصفا، وتبعد عن الكعبة حوالي 130 مترًا. وحاليا هناك باب في المسجد الحرام تحمل اسم “باب الأرقم”.
– مسجد الراية:
يُقال إن النبي ﷺ نصب رايته عند هذا الموقع خلال فتح مكة، هُدم منذ سنوات بسبب توسعة شارع الحجون.
– مسجد انشقاق القمر:
هو مسجد كان يقع على جبل أبي قبيس، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى معجزة انشقاق القمر التي حدثت في عهد النبي ﷺ، حيث انشق القمر إلى نصفين. وذكرت القصة في القرآن الكريم في سورة القمر التي سميت باسم هذه القصة “اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ” (القمر: 1 و2). تمت إزالة هذا المسجد مع جزء من الجبل في السنوات الأخيرة بسبب أشغال التوسعة حول المسجد الحرام.
2- التعريف بالمواقع والمعالم التاريخية التي يمكن زيارتها:
– غار حراء:
هو الغار الذي كان يختلي فيه رسول الله ﷺ ويتعبد فيه. وفيه نزل الوحي عليه ﷺ أول مرة بواسطة جبريل عليه السلام، يتعلق الأمر بأوائل سورة العلق “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” (العلق: 1-5). وهو يقع في شرق مكة المكرمة على بعد أربعة كلم من المسجد الحرام، في أعلى “جبل النور” على ارتفاع 634 مترا.
– جبل وغار ثور:
يقع جبل ثور جنوب مكة المكرمة على بعد نحو أربعة كلم من المسجد الحرام، وارتفاعه نحو 748 م. ارتبط اسمه بهجرة الرسول ﷺ، حيث التجأ ﷺ هو وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه واختبآ فيه لمدة قبل متابعة طريقهما إلى المدينة المنورة. يروي أبو بكر رضي الله عنه لما جاءت قريش تبحث عنهما، حتى وقفت على فم الغار: “ قُلتُ للنَّبيِّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنا في الغارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا، فَقالَ: ما ظَنُّكَ يا أبا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما” (صحيح البخاري ومسلم).!
وذكر الله تعالى هذه الحادثة في كتابه فقال سبحانه: “إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم” (التوبة:40).
– مقبرة المعلاة:
تبعد مقبرة المعلاة عن المسجد الحرام ب3.4 كلم. وأغلب الموتى الذين يصلى عليهم في المسجد الحرام يدفنون فيها. وتضم المقبرة قبور العديد من الشخصيات الإسلامية في مقدمتهم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
– مسجد الجن:
وفيه التقى النبي ﷺ نفرا من الجن الذين أسلموا بعد سماعهم القرآن الكريم وصلى بهم. ولقد وثقت سورة الجن هذا الحدث. ويبعد عن المسجد الحرام مسافة كلم واحد على الأقدام وثلاثة كلم بالسيارة.
– مسجد الجعرانة:
يبعد مسجد الجعرانة عن الحرم المكي ب25 كلم من ناحية الشمال الشرقي، ويُقصد هذا المسجد لإحرام العمرة، حيث أحرم النبي ﷺ لعمرته الثالثة.
– مسجد التنعيم (مسجد عائشة):
يقع شمال المسجد الحرام على بعد حوالي 7 كم، وهو ميقات أهل مكة وزوارها للعمرة. ويسمى أيضا مسجد عائشة لأن السيدة عائشة رضي الله عنها أحرمت منه بالعمرة في حجة الوداع، لذلك يُعرف أيضاً باسم مسجد العمرة.
– مسجد الهجرة أو مسجد أبي بكر الصديق:
يقع في حي المسفلة، في زقاق العطارين. وهو بني في مكان دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي هاجر منها.
– مسجد الحديبية:
يقع مسجد الحديبية على بعد 24 كلم تقريبا من المسجد الحرام، والحديبية بئر كان يوجد قرب الشجرة التي بويع الرسول ﷺ تحتها في السنة السادسة للهجرة، وتعرف هذه البيعة ببيعة الرضوان، قال تعالى: “لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ” (الفتح: 18). وفيها وقع الصلح بين رسول الله ﷺ والمشركين لمدة عشرة أعوام، المعروف بصلح الحديبية، لكن المشركين نقضوه بعد عامين فقط مما أدى إلى فتح مكة.
– مسجد البيعة:
مسجد البيعة أو مسجد العقبة، وهو مسجد بناه أبو جعفر المنصور في عام 144هـ في المكان الذي بايع الأنصار النبي محمد ﷺ بيعة العقبة الثانية. وهو يوجد في منى على بعد 300 مترا من جمرة العقبة.
– مسجد الإجابة:
هو مسجد يوجد بحي المعابدة على بعد حوالي ثلاثة كلم من المسجد الحرام. بُني قبل السنة الثالثة من الهجرة، وصلى النبي ﷺ في موضعه صلاة المغرب.
– مسجد الشجرة:
يقع مسجد الشجرة بجوار مدخل مقبرة المعلاة ومحاذياً لمسجد الجن، ويُعرف اليوم بمسجد الجندراوي. وسمي بهذا الاسم نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه قصة الشجرة التي قدمت إلى الرسول ﷺ وسلمت عليه ثم أمرها فرجعت إلى موضعها، وهي إحدى المعجزات التي وردت في السيرة النبوية.
ـــــــــــ
* أحمد الطلحي: إطار مغربي وخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية
اترك تعليقاً