من الشارع إلى المؤسسات: حين ينسحب الشباب من صناعة القرار

ولأننا نؤمن أن النضال الحقيقي لا يُختزل في الهتافات، ولا يكتمل إلا عبر المؤسسات، ندرك اليوم أن أي تغيير جاد لن يتحقق إلا بالجمع بين شرعية الشارع وفاعلية المؤسسات. إنّ المظاهرات الشبابية التي يشهدها المغرب تعبّر عن وعي متقدم، وعن عطش متراكم إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية، غير أنّ المسطرة التي يسلكها جزء من هذا الحراك تبقى في أحيان كثيرة ناقصة، وربما خاطئة.
ذلك أنّ الاكتفاء بالشارع، مهما كان صوته مدويّاً، يظل عاجزاً عن إحداث التغيير المنشود إن لم يجد امتداداً له في المؤسسات. فالهتافات تعبّر عن وجعٍ جماعي، لكنها وحدها لا تُحوّل المعاناة إلى قوانين، ولا تتحوّل إلى سياسات عمومية ترفع الغبن عن المواطن. إنما الذي يفعل ذلك هو العمل السياسي الجاد، المنظم، الممأسس، والمحصّن بإرادة شبابية واعية.
المفارقة المؤلمة أن الشباب يرفعون شعارات الثورة، بينما يعزفون عن السياسة. يرفضون الأحزاب، يتوجسون من النقابات، ويتركون الساحة فارغة لوجوه اعتادت احتكار القرار. ثم يأملون، في المقابل، أن يتحقق التغيير من خارج المؤسسات.
إنّ السياسة، مهما بدا مشهدها باهتاً أو محبطاً، تظل الأداة الوحيدة القادرة على نقل المطالب من مستوى الحلم إلى مستوى الواقع. وإذا تركها الشباب جانباً، فإنها لن تتركهم، بل ستستمر في التأثير على حياتهم اليومية، وعلى مستقبلهم، من دون أن يكون لهم فيها رأي ولا قرار.
ومن هنا، فإن الطريق إلى التغيير لا يكمن في معارضة الشارع للمؤسسات، بل في الجمع بينهما: شارع يذكّر، يضغط، ويهز الضمائر، ومؤسسات تنصت، تُشرّع، وتترجم المطالب إلى سياسات. النضال الحقيقي هو الذي يزرع جذوره في الساحات، ثم يمدّ فروعه إلى المجالس المحلية، والبرلمان، والنقابات، وكل فضاء يتخذ القرار.
إنّ المستقبل لن يُبنى بالاحتجاج وحده، ولا بالسياسة وحدها، وإنما بالتكامل بينهما. والسؤال الذي يظل مطروحاً على شباب المغرب اليوم هو: هل سنستمر في العزوف عن السياسة وانتظار التغيير من الخارج، أم سنجرؤ على اقتحام المؤسسات، وتحويل الغضب إلى مشروع، والهتاف إلى فعل، والحلم إلى واقع ؟
اترك تعليقاً