وجهة نظر

جيل Z والنموذج المغربي

الجيل المغربي الجديد

يلاحظ من خلال الاحتجاجات الشبابية بالمغرب التي خرجت يومي 27و28شتنبر 2025 وقادها جيل ماسمي ب Zتترواح أعمارهم بين 15 سنة و25 سنة أنها احتجاجات جديدة في سياق اجتماعي وسياسي واقتصادي دقيق، تتميز أولا بطبيعتها الغير مؤطر من أي جهة وتحمل مطالب ليست بجديدة يمكن اجمالها في مطالب اجتماعية محضة تتعلق بغياب الحكامة الاقتصادي وانتشار معدلات البطالة وتدهور كبير في الخدمات العمومية خصوصا الصحة والتعليم، وغياب سياسات عمومية حقيقية موجهة للشباب، وانتشار للفساد بجميع أشكاله، وسبق للمندوبية السامية للتخطيط نشر أرقام مفزعة وخطيرة حول وضعية الشباب الاجتماعية، لكن لم يكثرت بها الفاعل السياسي بل في الغالب يتم تبخيسها أو التقليل من شأنها فأكثر من شاب من بين أربعة تتراوح أعمارهم مابين 15 و24 سنة (25,2% أو 1,5 مليون)، على المستوى الوطني، لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين (NEET). وما يقارب 72,8% منهم نساء، 40,6% منهن متزوجات، و68,2% يتوفرن على شهادة.

تأسيسا على ما سبق نشرع للتساؤل : ما المقصود بمفهوم الجيل وما هي خصائصه؟ وما مميزات جيل Z وما علاقة احتجاجات الجيل بالسلم الاجتماعي بالمغرب؟

تحديد مفهوم الجيل

يعتبر السوسيولوجي الأمريكي كارل مانهايم من أبرز المشتغليين على مفهوم الجيل ، حيث يعتبره أنه مرحلة من العمر نفسه ، التي تشغل وضعية متجانسة في العملية التاريخية والاجتماعية ، تنبثق المقومات المميزة للجيل من السياقات الاجتماعية والتاريخية ، وفي ظل خبرات مختلفة وردود فعل ، وهذا أهم من الاعتبارات البيولوجية ،يعرف كارل مانهايم مفهوم الجيل ، من خلال التاريخ ويفصله عن السن ، اذ أن السياق التاريخي هو الذي يصنع الجيل ويمده بشخصيته الأصلية ، فالانتماء الى الجيل يتمثل في تقاسم أحداث خاصة أو فترات مؤثرة أو مصير مشترك ،وخلافا للوضعيين لا يعتقد كارل مانهايم أن العوامل البيولوجوية تمكن من تفسير الظاهرة الاجتماعية أو التاريخية للجيل ، فهذه العوامل تمكن من تفسير الظاهرة الاجتماعية والتاريخية للجيل ، فهذه العوامل تمكن في أحسن الأحوال من رسم الحدود بين الأجيال ، ان الجيل بالنسبة لكارل مانهايم هو واقعة موضوعية تتأسس على الايقاع السوسيولوجي للوجود الانساني.

أسس كارل مانهايم نظرية الجيل وذلك من خلال كتابته لمقال عرف انتشار كبيرا سنة 1923 عنونه «مشكلة الأجيال The Problem of Generation،حيث قارب مقاله مفهوم الجيل باعتباره ظاهرة اجتماعية،وذلك انطلاقا اعتبار الأفراد يخضعوت لتأثير مباشر للبيئة الاجتماعية التاريخية على وجه الخصوص، الأحداث الملحوظة التي يشاركون فيها بنشاط،التي تسيطر على شبابهم، مما يشكل، على أساس تلك التجربة، أجيالاً اجتماعية أصبحت بدورها عوامل للتغيير وتعطي فرصة لبروز أحداث تشكل الأجيال المستقبلية، عرف مانهايم الجيل على أنه مجموعة من الأفراد ذوي الأعمار المتشابهة شهد أعضاؤها حدثًا تاريخيًا جديرًا بالملاحظة في غضون فترة زمنية معينة.

خصوصية ومميزات الجيل الجديد

ان البحث عن مفهوم الجيل على المستوى التاريخي ، يرتيط بفكرة الحدث المؤسس ومن المفترض ،أن تصاغ هوية الجيل بارتباط مع الحدث الكبير مثال : (الحروب، ثورة سياسية ، ثورة علمية ..) ، وقوة ذلك الحدث المؤسس حاسمة في تشكيل احساس حقيقي بالمعاصرة ،” يرى لويس فوير أن وعي الجيل ، يتشكل دوما بالوقوع تحث تجربة الحدث المؤسس أو الموحد للجيل ، والذي يطبع وعي الحركة الطلابية على وجه الخصوص ، بالتجربة التاريخية نفسها.

ان علماء الاجتماع أمثال اتياس دوتفوت ،لا يقبلون بالتعريف التاريخي لمفهوم الجيل ، حيث يعتبرونه تعريفا حصريا ،حيث قد يكون مفهوم الجيل مرتبط بالمدرسة وتأثيرها عليه ،دون أن يكون ملتحم بالمصير المشترك والهوية والحدث المؤسس ،بحيث لا يمكن اختزال مفهوم الجيل في النسب.

يتميز الجيل الجديد بعدة خصائص متفردة من حيث الوعي والتفكير والممارسة،تختلف بشكل أو بأخر عن باقي الأجيال السابقة، فهذا الجيل غير محمل بهزائم الماضي وغير مثقل بمرجعيات فكرية وسياسية أو اديولوجية، لكنه جيل مفعم بالنشاط والحيوية والتحدي الذي يظهر بشكل أو بأخر على شكل عناد شبابي يتصل بمرحلته العمرية وما تتميز بها المراهقة من خصائص تتمثل في رغبة جامحة في اثبات الذات والحصول على الاعتراف و العفوية والغضب والحس النقدي الغير مؤطر بتصور أو أفق واضح، بقدر ما هو متصل بتلك الرغبة الجامحة في الاعتزاز بالذات وتحقيق التميز، ولا يمكن الجزم هنا في فصل ثقافة هذا الجيل عن الأجيال السابقة، فكما هو متعارف عند الباحثين في سوسيولوجيا الشباب والدارسين للفعل الاحتجاجي فسياق المرحلة والفعل الاحتجاجي بحد ذاته يساهم بشكل أو بأخر في بلورة وعي منظم يستمد روحه من التاريخ ومن التجارب التي سبقته.

ان ما يميز الجيل الجديد للشباب هو تمثلاته للسلطة والأمن والسياسة و الفعل الاحتجاجي، وهو ما يبدو واضحا بشكل جلي في تصريحات مجموعة من الشباب أمام وسائل الاعلام أو في طبيعة اللفتات المرفوعة وكذا تدويناتهم على وسائل التواصل الاجتماعي و الفديوهات المنتشرة وكذا نقاشاتهم الداخلية وطبيعة اختياراتهم الموسيقية والفنية ونمط عيشهم …كلها توحي بأن السلطة السياسية أمام جيل.

جيل Z والسلم الاجتماعي

إن حصرمرحلة الشباب في أي سن يبدأ وفي أي سن ينتهي، من أكثر الصعوبات التي تواجه الباحث في العلوم الاجتماعية، فقد اعتبر الباحث إدريس بن سعيد بأن مفهوم الشباب على المستوى السوسيولوجي مفهوم ليس له حدود واضحة ومضبوطة، وهو ذهب ما إليه السوسيولوجي الفرنسي بير بورديو، حاولنا الاعتماد على معيار الأمم المتحدة في تحديدنا لمفهوم الشباب أثناء اشتغالنا الميداني. تضع الأمم المتحدة تحديدا لمفهوم الشباب من الناحية الإحصائية، تعتبر الأمم المتحدة الشباب كل الأشخاص الذين يتراوح أعمارهم بين 15 سنة و24 سنة، كما أننا نلتقي مع ما بينه كارل مانهايم في تصوره حول مفهوم الجيل، ففي الواقع اذ اعتبرأن ليس كل جيل سيطور وعيًا أصليًا ومميزًا، فتقدم وتطور أي جيل مرتبط بوعي خاص يعتمد بدرجة رئيسية على درجة التحولات الاجتماعية وفق السياقات الثقافية والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية التي يعايشها الجيل.

يقدم كارل مانهايم تصورا مفاده، أن الوعي الاجتماعي للشباب الذي بلغو مرحلة النضج أو ما يسميه “موقع الجيل”،يتفاعلون بطريقة أو بأخرى مع الوقائع التاريخية المعاصرة ،وبالرغم من ذلك فهناك نقطة أساسية مفادها أن هذا الحدث التاريخي البارز يجب أن يحدث ويجب أن يتضمن الأفراد في سن شبابهم ؛ حيث أن معايشة الأحداث و الوقائع ليس أمرا ذا أهمية لتكوين وعي الشباب أو وتأسيس وعي مشترك بين أبناء الجيل الواحد، حيث بين كارل مانهايم في الواقع على أنه ليس كل جيل سيطور وعيًا أصليًا ومميزًا، إذ أنتقدم و تطور أي جيل مرتبط بوعي خاص يعتمد بدرجة رئيسية على درجة التحولات الاجتماعية.

يتحدث كارل مانهايم على أن التغير الاجتماعي قد يحدث تدريجيًا، دون الحاجة لأحداث تاريخية بارزة، ولكن تلك الأحداث أكثر احتمالية للوقوع في الأوقات التي تشهد تغيرًا اجتماعيًا وثقافيًا سريعًا،وكذلك أشار مانهايم إلى أن أعضاء أي جيل يكونون مقسمين إلى طبقات داخليًا ، ومن ثم فقد ينظرون إلى الأحداث المختلفة من زوايا مختلفة ومن ثم فلا يكونون متجانسين بشكل كامل، وحتى مع فكرة «جيل في الواقع»، ربما تكون هناك صور مختلفة للاستجابة للموقف التاريخي المعين، ومن ثم يتم التقسيم حسب عدد من «الوحدات الجيلية» أو «الأجيال الاجتماعية»،تم تطبيق نظرية مانهايم للأجيال لتفسير كيف ساهمت الأحداث التاريخية والثقافية والسياسية المهمة في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات في توعية الشباب (المنتمين إلى جيل الطفرة) بمظاهر عدم المساواة المتفشية في المجتمع الأمريكي، مثل مشاركتهم مع الأجيال الأخرى في حركة الحقوق المدنية وأفسحت المجال لاعتقاد سائد بأن مظاهر عدم المساواة تلك يجب تغييرها بواسطة إجراءات فردية وجماعية، وقد دفع هذا أقلية مؤثرة من الشباب في الولايات المتحدة نحو تبني نشاط الحركة الاجتماعية. وعلى الجانب الآخر، فإن الجيل الذي وصل لسن النضوج في الجزء المتأخر من الستينيات والسبعينيات كان أقل مشاركة في نشاط الحركة الاجتماعية، وذلك، وفقًا لنظرية الأجيال، لأن أحداث هذا العصر كانت تؤدي بدرجة أكبر إلى توجه سياسي يؤكد على الإنجاز الفردي بدلاً من المشاركة في هذه الحركات الاجتماعية التي تطرح أسئلة حول الوضع الراهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *