هشام مدعشا: الجيل الرقمي خارج قبضة الأحزاب والنقابات.. أزمة ثقة تهدد الوساطة السياسية

دق هشام مدعشا المختص في العلوم السياسية والقانون الدستوري، ناقوس الخطر بشأن أزمة ثقة عميقة وشرخ متنام بين “الجيل الجديد” من الشباب المغربي والمؤسسات السياسية التقليدية، معتبرا أن الأحزاب والنقابات تعيش “أزمة وجودية” بعد أن فقدت دورها كوسيط أساسي وضروري بين المواطن والدولة.
وأوضح مدعشا في مداخلة له ضمن برنامج تلفزي على القناة الأمازيغية، يناقش رهانات الدخول السياسي على القناة الثامنة الأمازيغية، أن الاحتجاجات الأخيرة التي تركزت حول المطالبة بتحسين قطاعي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، كشفت عن تحول جذري في أدوات التعبير والتأطير والتعبئة السياسية، قائلا: “نحن نشهد جيلا نشأ وترعرع في حضن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، ويفكر ويتفاعل بطريقة مختلفة تماما عن الأجيال السابقة”.
وبحسب مدعشا، فإن هذا “الجيل الرقمي” لم يعد يرى في الأحزاب السياسية أو المنظمات الشبابية التابعة لها أو حتى النقابات، قنوات فعّالة لتمثيل صوته أو حمل مطالبه، مشددا على أن “الشباب فقد الثقة في أدوات التنشئة السياسية التقليدية، التي يرونها متجاوزة وقياداتها لا تواكب التحولات الهائلة في المجتمع وهذا مشكل حقيقي”.
واعتبر الأستاذ الجامعي، أن الفضاء الرقمي، من منصات التواصل الاجتماعي إلى المدونات وغرف الدردشة، تحوّل إلى الساحة الرئيسية التي يتقاسم فيها هؤلاء الشباب نقاشاتهم، ويعبّرون عن اهتماماتهم، وينظمون تحركاتهم الاحتجاجية، مشيرا إلى أن هذا الفضاء أتاح لهم بناء هوية جماعية والتعبئة حول قضايا محددة دون الحاجة إلى هياكل تنظيمية هرمية أفقية أو قيادات معروفة، مما يفسر غياب أي “زعامات” واضحة في التحركات الأخيرة.
وشدد هشام مدعشا على أن جوهر الأزمة يكمن في انهيار دور “مؤسسات الوساطة” و”أزمة الثقة” لعدة عوامل ذاتية وموضوعية، مبرزا أن “المؤسسات التي كان من المفترض أن تنقل مطالب المجتمع إلى دوائر صنع القرار، كالبرلمان والأحزاب، منها من أصيب بالعطب أو تم تعطيله ومنها من أصيب بالعجز التام. لقد أصبح الشباب يشعرون بأن صوتهم لا يصل عبر هذه القنوات، فلجأوا إلى خلق قنواتهم الخاصة”.
ونبه إلى وجود أزمة تواصل حقيقية لدى الحكومة والأغلبية في التعامل مع هذه الديناميكية الجديدة، واصفا تواصلها بـ “البطيء والمتأخر”، مما عمّق الإحساس بالقطيعة، مؤكدا أن المشهد الحالي ليس مجرد تحدٍ اجتماعي و سياسي للحكومة، بل هو تحد أكبر للنسق السياسي برمته، الذي بات مطالبا بإعادة ابتكار آلياته للتواصل مع جيل لا يتحدث لغته ولا يثق في مؤسساته.
وحذر أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، من أن تجاهل هذا التحول العميق سيؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة بشكل أكبر مما هو عليه الأمر اليوم وستتراجع المشاركة في الاستحقاقات المقبلة، داعيا النخب السياسية إلى مراجعة شاملة لخطابها وأدوات عملها قبل فوات الأوان، وأيضا إلى إعادة النظر في كيفية تدبير العملية الانتخابية برمتها.
اترك تعليقاً