وجهة نظر

ثقافة اللاثقافة

ثقافة الإنسان تجعل منه يحظى بدور مهم في المجتمع، لكونه أبرز مساهم في تقدمه، ويساعد على ترعرع محيطه في زورقه الثقافي، حيث إن هذه الأخيرة لن تقتصر عليه فقط، بل سيستفيد منها الجميع، والكثير سيصاب بعدوى الثقافة حتى وإن كان أميا دراسيا، حينئذ سنحصل على فرد له القدرة على فهم الأمور كيف تسير، سواء أ تعلق ذلك بالمجال السياسى أم الإجتماعي أو الاقتصادي… وواع ويستطيع تحليل الأمور كي لا يسقط في شباك أحدهم، لكن السؤال الجهوري من أين سيحصل الإنسان على هذه الثقافة ؟

كانت المدرسة والجامعة قديما على سواء ينجبان لنا مثقفين يساهمون في تقدم الدولة، حينما كان تكوينهم الأفضل ويصب بشكل مباشر في حاجياتها، حيث كانت تعطي القيمة الحقيقية التي يستحقها كل تخصص، ولم تكن مكانا للصراعات السياسية الضيقة، وكانت المصلحة العليا للوطن والمجتمع تحتكر الحلبة، فتولد لنا أناس مثقفين في جميع المجالات، ولا ننكر أن حتى الجو كان ملائما آنذاك لذلك ويساعد فيه، عكس مانراه اليوم من تدهور لأوضاع المجتمع في الخارج، ومحاولة تحسينها من داخل إطار كل فرد ينتمي إليه، أي أن التلميذ يريد أن يحسن أوضاع أسرته من داخل الثانوية، أو أن الطالب يريد أن أغير واقع والديه من داخل الساحة الجامعية عن طريق مجموعة من الأشكال يقوم بها، وفي ظل أن الجميع في حاجة لفيروس يحرك عقل الإنسان، ويساهم فيه بشكل إيجابي، ومع تعليمنا الذي هو في حاجة للإصلاح يبقى من الصعب أن يكتسب الإنسان المتعلم من داخل مؤسسته ثقافته يفهم به الأمور ويفيد بها من حوله، فتجد أن المسئولين يلجئون إلى حلول ترقيعية لتغطية العراء وستر المكشوف.

فمثلا عندما نجد أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تلجأ إلى توقيع إلتزامات للتلاميذ لمحاربة الغش هذا فيه أمرين، أولهما أن فيه احتقار للمراقب أي أنه لا يفعل واجبه كما ينبغي، وغياب تلك الثقة بين مسئولي القطاع وموظفيه، وهذا يحتاج لإعادة النظر كي نحض بتعليم ومؤسسة تعليمية في المستوى المطلوب، الأمر الثاني هو التشكيك في قدرة المتعلم ومن علمه كذلك، واحتقاره، و مادام أنه إجباري فإن جسر الثقة غير كائن بتاتا، وتعامله كعامل ليس كتلميذ وسيكون من أطر المستقبل وسيحتاجه الوطن عاجلا أم آجلا، دون أن تتساءل لماذا يلجأ التلميذ أو الطالب إلى الغش ؟ إنها لمسئولة عن كل مايقع في مؤسساتنا بحيث أن هي من تلجأ لجلب أساتذة لا علاقة بمجال التربية والتكوين، وهي من وضعت المقرر الدراسي المليء بالدروس التعجيزية التي تحتاج حفظا أكثر من الفهم، ويبقى ضمير الأستاذ شيء أساسي يعول عليه، لذا في ظل وجود كل هذه الصعوبات وهذه المشاكل في مسار الفرد الذي يهب نفسه للعلم، من الصعب أن يكتسب ثقافة عن طريق التعلم فقط، وتلك الهجمات التي توجه للجامعة دوما والتسميمات إنها لسبب مباشر في فقدانها فعاليتها التي كانت تتميز بها، ويبقى الإستثناء ضئيل.

لا يمكن أن ننكر أن للمجتمع وتجاربه دور مهم في اكتساب الإنسات لمجموعة من الثقافات والمهارات التي تمكنه من العيش بسلام، بحيث أنها تولد لديه قيما ومبادئ يذهب عليها، ويصبح قائدا لنفسه لا لاعبا في أيادي الآخرين، وهذا ما يدفعه للبحث أكثر وفهم الأمور، ويصبح له ثقافة واسعة لكونها وليدة التجارب ولم تأتي من فراغ، فهو يحصل عليها بعد معاناة مريرة ويعترف بها، لهذا تجدني أقول أن المؤسسة التعليمية لم تعد مكانا لاكتساب الثقافة، نظرا لمجموعة من الأسباب وأن حتى الطالب له نصيب من ذلك، حيث أصبح همه هو الحصول على شهادة أكاديمية دون استفاء مجزوءات الحياة، ويعتبر توجه الإنسان في تخصص واحد ووحيد أكبر مشكل، فهو يقلل نسبة تطلعه على الأمور، حيث أن الرياضي لا يهتم بالمجال الأدبي، فيصير إنسانا لا يفكر سوى في كيف يحصل على خارج مجهول، فيضيع هو كذلك في عالم المجهولين، وفي المقابل تجد الأدبي يبحر في عالم الشعر وظواهره وينسى أن كل شيء خلق بحساب، ولعل هذا كله لا يولد لدى الإنسان سوى جهلا وأمية،كما لا ننسى أن مصاحبة الكتب من الأمور الأساسية التي على الإنسان عدم الإستغناء عنها إن أراد أن يبقى على قيد الحياة.

إن الإنسان الذي يدرك قيمته في هذه الحياة لمطالب بتوسيع مداركه، وأن يخالف هواه، ويكد ويجتهد كي يكون في المستقبل إنسان مثقف معترف به من طرف نفسه أولا والمجتمع ثانيا، ومن أراد يبقى نسخة طبقا للأصل لمن سبقوه سيجد مشكل في عيشه كون أنه سيمل من أن يكون عضوا في تجمعات النعام، والإنسان هو من يقرر دائما.