منوعات

حسن طارق يكتب…المحاكمة و”هوت ماروك”

كنت أقرأ، بمتعة وشغف، رواية الصديق الشاعر ياسين عدنان”هوت ماروك”. أفعل ذلك كما لو أنني أستعيد صفحات من التاريخ الطلابي لجيلي، مأخوذا بعوالمها وشخوصها ومفارقاتها، عندما انفجرت قضية “شيماء” الفتاة التي تم حلق شعرها بالكامل من طرف طلبة فصيل “البرنامج المرحلي” في جامعة مكناس.

حينها تراء لي أن الحدود عائمة بين الواقعي والمتخيل، فقد كدت أخال أن المشاهد المؤلمة للاعتداء على القاصر من فرط غرائبيتها، أقرب إلى جنوح السرد المحبوك للرواية، منها إلى تفاصيل الواقع.

…تتوقف الشعارات الطلابية فجأة. الحلقة أصبحت جاهزة للانطلاق. يبدأ المسير مداخلته بسلسلة طويلة من التحيات التي تنطلق من التضامن مع آخر”معركة للجماهير الشعبية” في أقرب حي إلى إعلان الدعم اللامشروط لأبعد حركة ثورية على خريطة العالم، مرورا بتحية “المعتقلين السياسيين” و”المتابعين من طرف أجهزة النظام”. ثم يمر إلى سلسلة أقصر قليلا من الإدانات تنطلق من “الإمبريالية” والصهيونية لتصل لإدارة الكلية، مرورا بالنظام “اللاوطني واللاشعبي” و”أحزابه المخزنية العميلة”، الحكومية منها والبرلمانية، وحتى تلك التي لا تعمل في المؤسسات، لكنها تسهم بدورها في تعطيل الثورة، عندما تؤمن بالنهح الديمقراطي.

يذكر الخطيب بالإطار الطلابي النقابي العتيد، وبمبادئه الجماهيرية والتقدمية والمستقلة والديمقراطية. يعلن بحزم عن جدول أعمال “الشكل النضالي”؛ الذي يلخص في نقطة فريدة: المحاكمة. حينها فقط تشرئب الأعناق منتبهة إلى وجود “متهم” ماثل باستسلام وسط الحلقية، محاط بدائرة من طلبة لجنة اليقظة، المعروفين بصولاتهم في “المواجهات” و”الإنزالات”.

للمحاكمة أعراف وقواعد، تسرد خلالها الوقائع وتقدم فيها قائمة بالاتهامات التي لا تخرج عن التخوين والانتماء البوليسي أو العمالة للتيار الإيديولوجي الخصم، توزع المداخلات ونقط النظام، ويصدر الحكم النافذ: التنكيل الجسدي، إتلاف الوثائق، إحراق السيارة، المنع من ولوج الحرم الجامعي ..، إلى آخر القائمة غير الحصرية والمفتوحة على الاجتهاد في تنزيل قاعدة “العنف الثوري”.

الحكم قد يكون كذلك عقوبة بحلق شعر فتاة قاصر، كما وقع في “كمونة مكناس” بداية الأسبوع الماضي.

اللجوء إلى المحاكمات الطلابية ليس تقليعة جديدة على الفضاء الجامعي، إنه استمرار لتقاليد قديمة في العمل الطلابي.

في الأصل فإن نزعة “شمولية “في السياسة والفكر تقف وراء هذا التقليد. حيث تتحول” الشرعية النضالية “إلى قاعدة خلفية لفرض سلطة التيار المهيمن على كل المجال الجامعي، بما في ذلك مراقبة سلوكيات الطلبة و مرتادو الفضاء الجامعي وحياتهم الخاصة، وفقا للمرجعية الأيديولوجية لأعضاء هذا التيار.

هذه “السلطة”، تتحول داخل المجتمع الطلابي، من نفوذ رمزي إلى تراتبية اجتماعية، وآلية للإنتاج المعياري، وأداة للعقاب الفردي والجماعي.

كل ذلك تحت تأثير مقولات الهيمنة الأيديولوجية، والعنف الثوري، وتحصين الساحة الجامعية.

التذكير بهذه الخلفية الأساسية للتحليل ضروري للفهم، ذلك أنه يوضح أن الأمر لا يحتاج فقط إلى الإدانة السياسية والمتابعة القضائية، أو انتظار سكان الفايسبوك لموقف “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، بل يحتاج كذلك من الدولة والمجتمع إلى الانتباه للجامعة وللحياة الطلابية، وربما يحتاج إلى ما يشبه نقدا ذاتيا جماعيا لأجيال عديدة من أبناء الحركة الطلابية، بتلاوين وآفاق سياسية وأيديولوجية مختلقة، نظرت وأصلت وقعدت للعنف، أو على الأقل طبعت مع أشكال متنوعة من ثقافة الإقصاء.

إلى ذلك فإن ما وقع للفتاة القاصر التي تعمل في مقصف كلية العلوم، عمل وحشي، لا يحتاج إلى تبرير. أما مرتكبوا الجريمة فهم مجرد عصابة همجية تنتظر حكم القانون.