وجهة نظر

“البام” وخطاب العزلة

محطتان خطابيتان لقيادة حزب الأصالة والمعاصرة، الخميس والجمعة الماضيين، الأمين العام إلياس العماري في HEM الدار البيضاء، وعضو المكتب السياسي عزيز بنعزوز في لقاء وطني مع الشباب في جماعة خميس الزمامرة بإقليم سيدي بنور.

في لقائه مع طلبة المدرسة العليا للتدبير HEM بالدار البيضاء، هاجم إلياس العماري اعتماد اللغة العربية في التعليم، واعتمد مطصلح “المكنسة” للدلالة على غرابة اللغة العربية الفصحى، مسائلا الحضور من يعرف معنى هذه الكلمة؟.

ليس مهما إجماع الحضور على ترجمة “المكنسة” وبصوت واحد “هي الشطابة”، غير أن المخيف هو هذا الهزال الذي أظهره زعيم حزب سياسي حداثي ومعارض، يقدم نفسه منقذا للمغرب من الأحزاب التي فشلت في تحديث المغرب وتوفير لقمة العيش لمواطنيه.

في مشهد آخر، وساعات بعد خطاب المكنسة، كان عزيز بنعزوز رئيس فريق الحزب في مجلس المستشارين، وعضو مكتبه السياسي، يخطب في سكان جماعة خميس الزمامرة في قلب دكالة، عن “خونة القيم التقدمية !”.

عادي أن تمنح نتائج الانتخابات تقدم حزب معين في جهة معينة، وطبيعي أن تصبح البادية “معقلا” لحزب حداثي اسمه الأصالة والمعاصرة، ومنتظر أن يعقد الحزب لقاء وطنيا في أحد “معاقله” الانتخابية.. ومتوقع أن ينتقل قيادات الحزب إلى البادية لتأطير المواطنين، ومقبول أن يُخَاطَبَ الناس بالملك والملكية.

كل هذا جيد، لكن غير الطبيعي هو أن يقوم أحد قادة الحزب، بالانتقال من “المدينة” إلى “البادية”، بما يعنيه “الانتقال” من مجال حضري قضاياه “مدينية” وإلى حد ما “فوقية”، إلى “البادية/العروبية” حيث قضايا الناس “بدوية”، مرتبطة أساسا بقضايا المعيشة، ويكلمهم الناس عن “التقدمية” و”خيانة القيم التقديمة”!.

كلمات بنعزوز التي نشرها موقع حزبه، تظهر بجلاء أن البام وشقا واسعا من “الحداثيين” يعانون أزمة خطاب ولغة وتواصل، فكيف ينجح السياسي في التواصل مع سكان البادية وهو يحدثهم عن “التقدمية”؟.

المواطن في البادية المغربية، خميس الزمامرة نموذجا، مشغول بالجفاف، وثمن مياه السقي، منشغل بـ”درجة حلاوة” الشمندر السكري، معني بالحديث عن ثمن “الأعلاف”، ودعم الدولة لمربي المواشي في أفق “العيد الكبير”، متأثر بالمرض الذي أصاب نبات الصبار، التي تمنح ثمرة “الكرموس/الهندية”، وقتل آلاف الشجيرات، معني بالدعم في الحليب والأبقار فرمضان على الأبواب..

كل هذا وغيره لم يخطر ببال القائد الحزبي وهو يخطب في الناس، بل كان يشغله الصراع مع العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية الذي رفض التحالف مع البام قبل الانتخابات.

السياسي البارز نقل قضاياه “الحزبية” الضيقة، وطرحها أمام أنصاره، وأمام أناس آخرين لا علاقة لهم بحزبه، فرغم انتقاله على البادية فغنه قال للناس “لا تسمعوني”، وعزل نفسه في قمة الخطابة.

سيرة بنعزوز تقول أنه ابنه بادية منطقة الريف وإحدى قراه، وليس من مواليد حواضره، بمعنى أنه لا يختلف في الأصول الاجتماعية عن الناس الذين خاطبهم، فكيف لم يتحدث لغتهم؟ كيف حدثهم عن قضاياه الحزبية “الضيقة”؟ وتجاهل قضاياهم الحياتية؟.

خطاب العماري وبنعزوز كما خطابات أغلب النخبة السياسية، خطاب غريب عن البيئة، خطاب يعكس عزلة النخبة عن الواقع، نعم نخبتنا معزولة، تفشل في كل محاولة للظهور بأنها قريبة منا، لأنها تقول كلاما لا يتجاوز “شفاه الزعماء”.

تابعت كلمات العمار ي وبنعزوز قيادة البام، ووجدتني أسترجع نقاشين في مجلس النواب بين رئيس الحكومة والطاهر شاكر البرلماني عن “الأصالة الومعاصرة”، حول المرض الذي أصاب نبات الصبار وقتل آلاف النباتات، وثانيا حول ارتفاع ثمن الأعلاف في هذه السنة الجافة. عجبت من قدرة بن كيران والطاهر شاكر على تدبير نقاش “فلاحي” بلغة فهمها كثيرون من أبناء “العروبيات” والمدن أيضا.