وجهة نظر

قضايا التعليل في الدرس الأصولي وجريان القياس في العبادات

تباينت مواقف العلماء ازاء قضية التعليل بين مؤكد يرى ان معرفة  باعث الشرع ومصلحة الحكم:استمالة للقلوب إلى الطمأنينة والقبول بالطبع والمسارعة إلى التصديق لأن النفس إلى قبول الأحكام المعقولة أميل منها إلى قهر التحكم ومرارة التعبد ، وبين ناف يرى انه لا يحل القول في الدين بالعقل ولا بالرأي  لان امر الله تعالى عند التنازع بالرد إليه.وبين هذا النفي وذاك  الإثبات نشأ  نوع من التفاعل العلمي في المسألة انطلاقا من تراكم المؤلفات الموضوع في سياق من التكامل والتنوع الذي افاد العامة والخاصة  ، وحيث أن الشارع قصد في وضع الشريعة أن تكون الأمة على بينة من أمرها ويكون امتثالها وانقيادها عن فهم ووضوح رِؤية  كما قال تعالى  “أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم” [1]  فإن هذا المقالة تنحاز إلى الجهة المثبتة للتعليل،والقائلة بالقياس.

لقد قرر العلماء  “إن الشريعة عدل الله بين عباده ،ورحمته بين خلقه ،وظله في أرضه ،وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم ،فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ومن الرحمة لضدها  ومن المصلحة للمفسدة ،ومن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها  بالتأويل” [2]

 ويبقى أن نشير في مستهل هذه المقالة الى  أن العلة موضوع  تقاسمته بعض  العلوم  إلى جانب علم  اصول الفقه  هي: علم النحو، وعلم اصول الدين (العقيدة) وعلم المقاصد وعلم الحديث إلا أن أهميته تختلف  من هذا  الفن الى الآخر  تبعا  للتباين في موضوعاته،ومناهجه ، وطرق تناوله للعلل.

في التسمية وما إليها:

العلة عند اللغويين: اسم لما يتغير حال الشيء بحصوله فيه،وأما التكرار ومنه العلل بفتح اللام وهي الشربة الثانية ، وعلة الشيء أي سببه وهو المعنى الثالث.[3] فالعلة في اللغة تدور على سبيل الإجمال  هذه الامور الثلاثة.

أما مفهوم العلة عند  المناطقة والفلاسفة  فهي تفترض وجود ذاتين منفصلتين هما العلة و المعلول وبينهما علاقة تلازمية أي أن وجود المعلول عرض لوجود العلة  كوجود الدخان يستلزم وجود النار فلا دخان بدون نار كما يقال ،وعليه فإن التأثير والإيجاب  خاصيتين محددتين  للعلة وهي تنقسم عندهم إلى  تامة وناقصة ،مادية وصورية ،فاعلة وغائية.

 أما عند للمتكلمين: فهي إما مؤثرة في الحكم لا بذاتها بل بجعل الله ،أو موجبة له،أو باعثة عليه،وإلا فإنها مجرد علامة ،أو امارة على الحكم او معناه والدليل على وجوده.وحيث أن المدارس الكلامية متعددة نقف في هذا البيان عند  رأي مدرستين  في مجال تعليل أفعال الله تعالى [4]: فالأشاعرة على أن فعل كل الافعال لمحض المشيئة وصرف الإرادة وانه تعالى أمر بالشيء أو نهى عن الشيء لغير علة بل تفضلا منه وإحسانا دون مراعاة لحكمة أو مقصد.

أما المعتزلة خلاف ذلك وخلاصة رأيهم أنه لايجوز أن يخلو فعل من أفعاله من حكمة وغاية من أجلها فعل .ولأن الله حكيم فإن الحكمة تقتضي من أن تكون أفعاله على إحكام وإتقان.ولا يصح أن يفعل فعلا جزافا لا فائدة فيه،بل لابد ان يريد غرضا وان يقصد صلاحا. اما العلة عند الاصوليين فهي الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم.[5] وقد تنبه إلى ذلك  العلامة مصطفى شلبي في كتابه تعليل الاحكام وأخذها عنه العلامة وهبة الزحيلي ملخصا ومعبرا عن الغرض بإجمال غير مخل [6]

في الأهمية وما إليها:

إن الاستثمار المعرفي في اصول الفقه و قضاياه من شأنه أن يعيد بناء مبادئه  الموضوعية التي تحولت إلى قواعد فلسفية  عصية عن التشغيل – بسبب طغيان  التجريد -إلى مجال  التداول المنهجي والواقعي   لتكون  أطرا مرجعية  توفر أرضية صلبة يبنى عليها ما بعدها في ضوء القرآن والسنة ،وإلى معنى قريب  من هذا أشار الدكتور فريد الأنصاري بأدبيته  المشهودة، ورقة الفاظه المعهودة في  استعمال وصفات العلوم  لمداواة جراحات الواقع، واستلهام مناهجها  في تدليل ما وقف دون تقدمها من موانع فقال رحمه الله: “كيف نقرأ في كتب الصرف كيف نصرف الأجيال على موازين القرآن ؟ وكيف ننظر في كتب النحو إلى كيفية جبر الكسر ورفع الهامات ؟ ، وعلاج الفعل اللازم ؟ ،فلعله يتعدى إلى نصب جسور الفتح ولعل الفاعل  يتحرر من أغلال الفعل الجامد ،ولعله يعرف مفعوله  فتلتقي الأفراس مع فوارسها ،وتتخلص الأمة من بناء الفعل للمجهول كيف تساعدنا دراسة علوم الحديث على تضميد آثار التجريح النازف في جسد الأمة ؟ وعلاج علل أسانيد عجزت عن إدراك مشكاة ألنبوة فعس اها إن صحت تبعث في الأمة كمال الصحة  وتكشف عنها غمة هذي الظلمات. إذ لا فتح… بدون جيوش السند العالي … وكيف نقرأ في في كتب السيرة منازل السير إلى النصر المشهود ؟” [7]

 فيتعدى بذلك  علم الصرف من إقامة التراكيب والجمل إلى تقويم ما انتاب الأمة من أمث واعوجاج ،كما يتعدى علم النحو من تصحيح اللحن  الواقع في القول  إلى  جبر الكسر وإقالة العترة  وقس الامر على سائر العلوم ، ان حاجة العلوم الإسلامية  ماسة إلى العقل القاصد الناقد القادر على الاستقراء والاستنباط  وإلحاق الغير منصوص بالمنصوص وفق استحقاق ” توسيع مشمولات  النص وتكثيرها”  اما بوجود العلة  او بالاستحسان او الاستصلاح عند تعذر ذلك لمانع من الموانع ،فالنصوص لن تلاحق الأحداث  بل على الأحداث أن تتتبع  النصوص  وتقتفي مواطن  ورودها  وأسباب وقوعها من حيث أنه  “…ليس تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله  الدليل على سبيل الهدى فيها “[8]  وهو الأمرالذي يلزم  المجتهدين البحث عن عمومات وكليات من النصوص  تندرج فيها  تلك الجزئيات الحادثة ،ومعتمد ذلك على الملكة والفكر والتحصيل ومعرفة مدارك النصوص.

1 مؤديات التعليل ومسالك إثباتها

نقصد بهذا المبحث  مجمل  الطرق التي تؤدى بها العلة و التي توصل المجتهد إلى اثبات علة الحكم  وخلاصة كلام الاصوليين في الموضوع أنها   تنقسم إلى قسمين رئيسين  فإثبات العلة يكون اما بالنقل ،وأما بالاستنباط: [9]

فأما النقل فهو ثلاثة أضرب:

صريح قاطع: لا يحتاج فيه إلى نظر واستدلال بل يكون اللفظ موضوعا في اللغة للتعليل من قبيل”من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل…” [10]  بالإضافة إلى لام التعليل  في قوله تعالى  “إلا لنعلم من يتبع الرسول” [11] والباء  مثل  ” ذلك بأنهم شاقوا الله رسوله”[12] أما أن المفتوحة المخففة  فهي من الصريح الظاهر لا من الصريح القاطع  وللعلماء  كلام في هذه الأساليب تقديما وتأخيرا [13]

الإيماء و التنبيه:وهو اقتران حكم بوصف على وجه لو لم يكن علة لكان معيبا عند الفقهاء:وهو ينقسم إلى ستة أقسام: [14]

كأن يذكر الحكم عقب وصف بالفاء فيدل على أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم من قبيل “قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض”[15] ويلتحق بهذا ما رتبه الراوي الفقيه بالفاء كقوله ” سهى النبي صلى الله عليه وسلم فسجد “[16] 

ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء يدل على التعليل كقوله تعالى “من يتق الله يجعل له مخرجا”[17]

ان يذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر حادث فيجيب بحكم كقول الأعرابي ” واقعت أهلي في نهار رمضان فقال له صلى الله عليه وسلم “أعتق رقبة” [18]  فدل على ان الوقاع في نهار رمضان هو علة العتق .

أن يذكر مع الحكم شيئا لو لم يقدر التعليل به لكان لغوا غير مفيد وهو إما :أن يستنطق السائل عن الواقعة بأمر ظاهر الوجود ثم يذكر الكم عقبه كقوله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر ،اينقص الرطب إذا يبس ؟قالوا نعم قال :”فلا إذا” [19] فلو لم يكن لنقصان الرطب باليبس علة للمنع لكان الاستكشاف عنه لغوا، وإما أن يعدل في الجواب إلى نظير محل السؤال كما روي انه لما سألته الخثعمية عن الحج عن الوالدين ،فقال صى الله عليه وسلم :أرأيت لو كان على ابيك دين فقضيته أكان ينفعها ؟قالت نعم قال :”فدين الله أحق أن يقضى” [20] .ففهم منه التعليل بكونه دينا.

أن يذكر في سياق الكلام شيء لو لم يعلل به صار الكلام غير منتظم كقوله تعالى “ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ” [21] فإنه يفهم منه أن علة النهي عن البيع كونه مانعا من السعي إلى الجمعة.

ذكر الحكم مقرونا بوصف مناسب كقوله تعالي «أن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ” [22] أي لبرهم وفجورهم.

الضرب الثالث: ثبوت العلة بالإجماع كالإجماع على تأثير الصغر على الولاية على المال وبالرغم من أن بعض الاصوليين يقولون بتقديم الاجماع عل النص لان النص يحتمل النسخ والإجماع لا يحتمله فإن المقصود بالإجماع في هذا المقام الإجماع القطعي دون الظني وضابطه هو الإجماع اللفظي دون السكوتي ،بشرط ان يكون مشاهدا أو منقولا بما يفيد عدد التو اثر في جميع طبقات السند.

وأما اثبات العلة بالاستنباط  فهو  ثلاثة أضرب أيضا:

الضرب الأول اثبات العلة بمسلك المناسبة وهي الملائمة ترتيب حكم على وصف لمصلحة ظاهرة كالإسكار فرتيب المنع عليه حفظ العقل من الاختلال ،أما ضابط مسلك لمناسبة والإخالة عند الأصوليين فيشترط فيه وجود ثلاثة شروط دقيقة  وهي :اقتران وصف بحكم في نص من نصوص الشرع ،وسلامة الوصف من القوادح ،وقيام دليل على استقلاله بالمناسبة.

الضرب الثاني السبر والتقسيم والسبر بالفتح لغة :الاختبار فهو مبني على حصر أوصاف المحل ،هو المعبر عنه بالتقسيم وإبطال ما ليس صالحا للتعليل.

أما الضرب الثالت أن يوجد الحكم بوجودها ويعدم بعدمها كوجود التحريم بوجود الشدة في الخمر وعدمه بعدمها وهذا ما يسمى بالدوران الوجودي والعدمي، وبالدوران، وبالطرد والعكس وأما الطرد فهو الملازمة في الثبوت ،وأما العكس الملازمة في الانتفاء.

كانت هذه مجمل الطرق التي يتم الكشف بها عن مناط العلل وإذا كانت هذه العملية  على قدر كبير من الأهمية  في السعي للعناية بالعلة  وإثبات ووجودها ،فإن هناك فصولا أخرى مكملة  تدخل فيما اصطلح عليه الأصوليون  بالقوادح.

التعليل بأكثر من علة

من القضايا المهمة في  الدرس الأصولي مبحث التعليل بأكثر من علة  وهم على صورتين:

أولاهما أن يعلل الحكم  الواحد بعلتين أو أكثر وأن يثبت الحكم بكل واحدة منفردة عن الأخرى  كالبول أوالغائط   بالنسبة إلى نقض الوضوء .

واما الصورة الثانية فهي أن يكون الحكم معللا بمجموع العلتين لا أحداهما بعينها كمن لمس وبال في وقت واحد ،فعلة نقض وضوءه بمجموعهما لا أحدهما بعينه فلا يمكن أن أن يقال هما حكمان لأن الحكم حقيقة واحدة ، وقد نقل الجويني اختلافهم قائلا “ذهب طوائف إلى أنه لا يعلل حكم بأكثر من علة واحدة،وذهب الجماهير إلى أنه لايمتنع تعليل حكم بعلل،وذهب المقتصدون إلى أنه لا يمتنع عن الجملة عقلا ولا شرعا  “[23].

ومنهم من قال بتعدد العلل الشرعية دون العقلية كابن العربي حيث قال في معرض تعداده لعلل النهي عن دخول المسجد برائحة التوم : “…وهذا يدل على مسألة حسنة في أصول الفقه  وهي تعلق الحكم الشرعي بعلل كثيرة ….بخلاف العلل العقلية فإن الحكم لا يتعلق منها إلا بواحدة “[24]

التعليل بالحكمة والمصلحة

الحكمة هي جلب النفع الظاهر ،أو دفع االفساد  الواقع أو االمتوقع  فهي وصف مناسب للحكم يتحقق في أغلب الحالات ،وهو غير منضبط و غير محدود ومحل اخلافهم في الأمر يرد الى أن الأحكام تناط بالعلة لا بالحكمة من دون أن يعني ذلك أنه ليس  تمة بين الفقهاء من اناط الحكم بالحكمة والمصلحة،فقد أكثر الحنابلة من ذلك ،أما المالكية  فقد وفقوا دون غيرهم  إذ جعلوا من المصلحة أصلا من اصول التشريع عندهم  على الرغم نمن ان البعض انتقدها ووصفها بالهوس العقلي ،فهي  بحق مدرسة فقهية جارية على ذوق المقاصد والمعاني .

جريان القياس في العبادات عند القاضي ابي بكر بن العربي من خلال القبس شرح موطا مالك بن أنس

لقد شاع عند الأصوليين مقالة مفادها أن القياس لا يجري في العبادات البتة ،وقد تبدو صحيحة في ظاهر الامر لان سبيل العبادات التوقيف،ولكن فهمها على إطلاقها غير سديد سيما وصيغ الفقهاء على خلافها ،اذ نجدهم يحتجون بالقياس في استنباط بعض مسائل العبادات ،وهو ما يدعونا للتوقف  على جلية الأمر في المسألة ،من خلال هذا المبحث سنتناول هذه  المسالة انطلاقا من موقف القاضي ابي بكر بن العربي المعافري من خلال  كتابه القبس شرح موطأ مالك بن أنس [25]

بادئ ذي بدء فإن العبادات التي نعنيها هاهنا هي ما يقابل المعاملات من طهارة ،وصلاة ،وزكاة ،وصوم ،وحج وأضاح يتقرب بها الى الله تعالى.

والقياس هو الحاق فرع غير منصوص على حكمه بأصل منصوص على حكمه لعلة جامعة بينهما ،والحق أن النظر الاصولي إلى جريان القياس في الأحكام كلها إنما ينصرف ألى وجود  مناط الحكم وهو العلة في الأصل ومن ثم فان القياس يجري في الأحكام الشرعية كلها مادامت معللة معقولة المعنى،أما إن كانت غير معقولة المعنى فلا يصح القياس عليها ومعظم الأصوليين يدرجون في ذلك المقدرات من الحدود والكفارت على خلاف بينهم .[26]

كما شاع بينهم التعبير عن الأحكام التي لا يعقل معناها بأنها تعبدية أي أن الله تعبدنا بها دون علل ومقاصد تدركها عقولنا ،ولعل هذه العبارة هي سبب الخلط الحاصل إذ ليس كل ما في العبادات تعبديا بل إن منها ما يكون معقول المعنى معلوم العلة وأحكام الزكاة أصدق شاهد على ذلك ،على أن القياس الذي ينبني على العلة في غيرها من العبادات قليل ومعظم المسائل التي يرد فيها القياس عند الفقهاء هي من باب قياس الأولى ،او القياس بنفي الفارق وهي أقيسة قوية متفق عليها ،وبعض الأصوليين لا يدخلها القياس أصلا.

وابن العربي لم يخرج عن هذا السنن فهو يرى ان الأحكام التعبدية لا يصح القياس عليها ويقر” أن القياس على الشرع المحض والتعبد الصرف الذي لا يفهم المعنى منه ولا تعقل علته فاسد وإنما يكون الإلحاق عند فهم العلة وعقل المعنى فيركب عليه مثله” [27].

وعى هذا الأساس يتوقف في البحث عن  عن علل غير معقولة المعنى كعلة أفضلية الصلاة في المسجد على  الصلاة في السوق (إذا صلى وحده) :”وهذه المعاني مما لا يدرك بالقياس فاستعمال القياس فيها جهل وعناء “[28]

 كما لم يفته رحمه الله أن للعبادات مقاصدا وحكما ،وأن كثيرا من أحكامه قد تكون جامعة بين التعبد ومقصد معقول المعنى ،وقد أشار إلى ذلك عند نقل اختلاف العلماء في غسل الميت هل هو للنظافة او للتعبد فقال رحمه الله :”واختلف علماؤنا هل غسله للنظافة  ام للعبادة ،والي عندي أنه تعبد ونظافة كالعدة عبادة وبراءة رحم وإزالة النجاسة عبادة ونظافة ” [29]

لقد كان بن العربي رحمة الله عليه يجنح إلى التعليل في مسائل العبادات ومن ذلك قوله في كراهة صام يوم الجمعة :أما يوم الجمعة في فإنما نهي عنه لما ورد عن النسائي  في السنن الكبرى عن ابي  سعيد الخذري أن االنبي صلى اللهى عليه وسلم قال :لاصوم يوم العيد ” وقال علبه السلام في الجمعة  “هذا عيدنا أهل الأسلام “[30].

ومن أحكام العبادات التي يجري فيها القياس مسائل النجاسات فقد نقل عنه في بيان أن الماء مطهر لها  قوله ” إذا بلغ مقدار سجل ماء فاسلكه في سائر النجاسات وقسه عليه ” فهذا المثال يندرج في نوع القياس بنفي الفارق .

اما مثال قياس الاولى فنسوق فيه قوله في كراهة استقبال القبلة ببول او غائط :حيث قال:ان حرمة الصلاة تتعلق بمحلين مسجد وقبلة ثم ثبت أن المسجد يحرم لانه بقعة مخصوصة بالصلاة فكذلك ينبغي أن تحرم القبلة لانها جهة مخصوصة بالصلاة و هو مذهب مالك وقد بوب عليه بقوله :باب النهي عن البصاق على جهتها ،فأولى واحرى أن تحترم عن البول والغائط لأنهما نجسان .[31]

كما يرى أن القياس بنفي الفارق جار في العبادات المنصوصة ما لم يرد دليل يقضي بخلاف ذلك  ويستشف ذلك من حديث : “من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح “متفق عليه  وكذلك قوله في صلاة العصر  إن ركع ركعة قبل الغروب وركعة بعد الغروب  فقد ادركها والصبح عنده كذلك ،لولا ورود قول النبي صلى الله عليه وسلم “تلك صلاة المنافقين ثلاثا :يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر فيها الله إلا قليلا “رواه مسلم

فقد رأى أن إلحاق الأوزاعي وابي حنيفة  لصلاة العصر بصلاة الصبح  صحيح لولا ورود حديث يفيذ أن تأخير العصر مذموم من الشارع لكونه من فعل المنافقين  .[32]

ولا ينافي هنا ما قرر هنا قول  ابن العربي مشيرا إلى عدم جواز القياس في العبادات في عدم صحة الصلاة بترجمة القرآن وألأأذكار إلى الأعجمية إذ لا نتحقق من صحة  المعنى في اللفظ كما تحققناه في الللفظ العربي ” لان ذلك تبديل للعبادة وتغيير وقياس في العبادات ،وذلك  كله غير جائز.”[33]

فمرده ههنا العبادات غير المعقولة المعنى فقد تعبدنا الله بقرآن عربي مبين فلا يصح العدول عن ذلك  قياسا على خارخ الصلاة .

وأما الحديث المتفق عليه  أن النبي صلى الله عليه وسلم سألته المرأة الخثعمية فقالت .”ان ابي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل ،والحج مكتوب عليه أفأحج عنه ؟ قال آرايت إن كان على أبوك دين أكنت قاضيته ؟قالت نعم قال فدين الله أحق أن يقضى ” [34]

فقد احتج به العلماء على حجية القياس استنادا  على أن النبي على قضاء الحج على قضاء الدين فأن بن العربي لم يأخذ بمقتضاه فضلا عن أن يحتج به على جريان القياس في العبادات ،وقد رآى أنه لاحجة في هذا الحديث على النيابة في الحج انتصارا لمذهبه ،وعد في تضعيف دلالته أوجها منها أنه خبر واحد  خالف  قواطع الأدلة  في سقوط التكليف عن العاجز،والحديث إذا خالف قواطع الأدلة تؤول أو رد إن لم يمكن تاويله  ولم يقف عند هذا الحد بل يضيف  رحمه الله في توجيه الـتأويل المفترض  بقوله ” ومن قدر على تـاويله بفضل علمه فليقل إنه خرج مخرج الحث على البر بالآباء في قضاء ديونهم عند عجزهم والصدقة عنهم بعد موتهم وصلة اهل ودهم . [35] .وفي هذا الصدد  دفعنا البحث إلى الوقوف على رأي آخر مخالف  للتقعيد المتقدم في المسألة السابقة فنجده  يقول : “…وعند علمائنا إذا جاء الخبر مخالفا للأصول كان أصلا بنفسه ،مستثنى من غيره “[36]    

 من  خلال استقراءنا لهذه المسألة عند القاضي أبي بكر بن العربي من خلال القبس فقد تبث لدينا ان بن العربي استعمل قياس الأولى وقياس الشبه فاقر الاول في مجال النجاسات وأقر الثاني بالنسبة للصلاة .

خلاصة

لا يسعني في ختام هذه الورقة إلا أن أنقل مقالة أبي حيان قوله في الغاية من كتابة البحوث وتأليفها  “… اختراع معدوم،أو جمع متفرق ،أو تكميل ناقص ،أو تفصيل مجمل ،أو تهذيب مطول ،أو ترتيب مختلط ،أو تعيين مبهم،أو تبيين خطأ ” فقد أكون أقرب فيما كتبت إلى جمع المتفرق ،وترتيب المختلط لعل هذا يكون طريقا ناجعا لإدراك المعدوم وتحصيل المطلوب .

 

 

 

[1] سورة الملك الاية 22

[2] أعلام الموقعين

[3] ابن منظور  :لسان العرب

[4] بالإضافة إى الأشاعرة والمعتزلة فهنا ك فرق كلامية أخرى ناقشت الموضوع  مثل :الإمامية، والزيدية، والإباضية، والماتريدية 

[5] حقيقة التعليل بتصرف كبير د أمينة سعدي

[6] انظر تعليل الاحكام مصطفى شلبي ،ووهبة الزحلي  “اصول الفقه “ص1001ج2

[7] رواية عودة الفرسان  سيرة محمد فتح الله كولن للدكتور فريد الأنصاري رحمه الله  ص 87/88 بتصرف

[8] الشافعي في الرسالة ص 20 ،

[9] روضة الناظر لابن قدامة   ومذكرة اصول الفقه لمحمد الامين بن المختار  الشنقيطي  

[10] سورة المائدة من الاية 32

[11] البقرة  من الاية 143

[12] سورة الحشر من الأية 4

[13] ارشاد الفحول ج3ص714

[14] كشاف اصطلاحات الفنون التهانوي 6/242

[15] البقرة من الاية222 

[16] الحديث رواه مسلم  كتاب الصلاة باب ما ذكر  في سجدتي السهو

[17] سورة الطلاق من الاية 3

[18] رواه البخاري كتاب الصوم باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر  

[19] حديث مرفوع روي عن مالك بن انس

[20] الحديث متفق عليه

[21] سورة الجمعة من الاية 9

[22] سورة الأنفطار  الاية 13 /14 

[23] البرهان 2/537

[24] القبس 1ص113

[25]  سنعتمد في عملية الاستقراء هذه طبعة دار الغرب الإسلامي  بثلاثة أجزاء تحقيق محمد عبد الله  ولد كريم

[26] (الشوكاني 755/3).

[27] القبس( 785/2)

[28] القبس 301/

[29] القبس 1/437

[30] رواه احمد والحاكم في المستدرك صحيح ولم يخرجاه

[31] القبس 394

[32] انظر القبس ص78/79

[33] القبس 215.

[34] القبس ج2ص543-544.

[35] القبس 366

[36] المحصول 168