وجهة نظر

حرب الفصول أسباب وحلول

كابوس اليقظة

المتعارف عليها في غالب الأحيان أن التلاميذ والطلبة وعموم المتعلمين في مؤسساتنا التعليمية يفرحون عندما يعلمون بغياب أستاذ عن حصة أو مجموعة حصص دراسية لأسباب متعددة بعضها معروف والبعض الآخر بحاجة لدراسة وبحث، لكن الغريب فعلا هو أن نجد أن البعض من الأساتذة يقول بلسان حاله وأحيانا بمقاله (متى أتخلص من هؤلاء التلاميذ) ليس لأنه متهاون أو غشاش أو لايقدر الأمانة أو يريد أن يقضي مآربه الخاصة أو غيرها من السلوكات المشينة التي تتنافى مع قيم الأمانة والمسؤولية التي يقوم بها بعض الموظفين في كل المجالات.

ليس كل ذلك أبدا ولكن لأن صاحبنا المسكين يعاني كثيرا بسبب هذه الحصص، فهو لايستطيع أن يدير فصله بشكل جيد، ولا يحسن التعامل مع طلابه، ولا يعرف كيفيةضبطالمشاكسين منهم، ولا يعرف كيف يستمتع ويمتع في تعليمه.

لكل هذه الأسباب أصبح الفصل عنده جحيما لا يطاق، وأصبح التلاميذ والطلاب يمثلون له كابوسا يقض مضجعه ويحرمه من نوم هنيئ، وهاجسا يشغله في كل لحظة وحين مسببا له الأرق والقلق في جل أوقاته مما يجعله يبحث عن كل فرصة مشروعة وغير مشروعة تحول بينه وبين هؤلاء العفاريت(الطلاب والتلاميذ) وتعفيه من مواجهة هذا العدو الصغير.

إنها الحرب بكل معانيها يعيشها بعض أساتذتنا الفضلاء مع بعض الطلاب والتلاميذ أحيانا، وبعض الفصول كاملة أحيانا أخرى من خلال مظاهر متعددة ومتنوعة تشهدها بعض مؤسساتنا التعليمية،حتى أصبح البعض منها من قضايا الرأي العام الوطني الذي تتناقله منتديات التواصل الاجتماعي والجرائد وأحيانا وسائل الإعلام العمومي.

ولعل الشريط المسرب والمنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن أولائك التلاميذ الذين تكالبوا على الأستاذة داخل الفصل وحاصروها أمام مكتبها وجعلوا يتهكمون عليها ويمنعونها من إنجاز حصتها التعليمية، بل تجاوزوا كل القيم والأخلاق بمنعها من الخروج من الفصل أمام أعين زملائهم وضحكهم وسخريتهم دون أن يثير في أحدهم شيئا من النخوة والاحترام لهذه المعلمة حسب ما ورد في الشريط على الأقل.

لم تعد أوزار الحرب وأضرارها مقتصرة على الأستاذ وحده بل وصل وجعها وألمها إلى الأسرة والإدارة التربوية وإلى التلاميذ الآخرين.

الأسرة

فالأسرة مشغولة بمشكلة ابنها الذي طرده الأستاذ من الفصل بسبب سلوكه الذي لم يرضه، أو بسبب الاستدعاءات المتكررة إلى المدرسة وحضور مجالس الانضباط، وتوقيع التعهدات والالتزامات، خصوصا إذا كان ولي الأمر بعيدا في عمله أو في سكنه، فهو مطالب بالاعتذار للأستاذ والإدارة، وقد تلجأ الأسرة أحيانا كثيرة إلى تعنيف ابنها أو طرده من البيت، وأحيانا قد يحدث خلاف بين الزوجين بسبب تباين موقفهما من مشكلة ابنهما مع أستاذه، مما ينتج عنه مشاكل أخرى للتلميذ والأسرة.

الإدارة التربوية

وأما الإدارة التربوية (الحراس العامون والنظار والمديرون والمعيدون والأعوان والأمن الخاص) فإنها تعمل عمل الإطفائي الذي عليه أن يخمد النيران المشتعلة هنا وهناك وعليها أن توفق بين حقوق الأستاذ وحقوق المتعلم، وبين كرامة الكبير وتظلم الصغير. كما أن انشغالها بتوفير الأجواء لهذا الأستاذ وحل مشاكله مع التلاميذ يعطلها عن القيام بأعمال أخرى قد تسهم في تطوير المؤسسة التربوية. كما أن انعقاد مجالس الانضباط يكلف جهدا ووقتا كبيرين ويضع الإدارة في حرج مرات عديدة مع الأساتذة أصحاب المشاكل بسبب التعارض بين رغبات هؤلاء في تطبيق عقوبات زجرية على التلاميذ المشاغبين، وبين القوانين التربوية التي تصدرها الجهات العليا المسؤولة عن قطاع التربية والتعليم.

المتعلمون

والتلاميذ أيضا متضررون من تأزم العلاقة بين زميلهم وبعض الأساتذةحيث تتوقف الدروس وتضيع الأوقات ولا تستوعب الموضوعات، وتكثر العقوبات الجماعية التي قد يصدرها الأستاذ أو الإدارة في حقهم بسبب سلوكات فئة قليلة منهم، حيث نسمع أن بعض المدرسين يعاقب فصلا كاملا لمدة سنة كاملة بسبب سلوك مشين أصدره طالب أو تلميذ واحد منهم، بل هناك من يعاقب أجيالا متعاقبة لسنين طويلة بسبب أخطاء أسلافهم غير المؤدبين في نظره. حكى لي بعضهم أن استاذة كانت تحتقر طلابها في إحدى القرى المغربية بسبب عدم استيعابهم للمادة التي تدرسهم، ولما بلغ السيل الزبى ونفذ صبرهم عليها وعلى إهاناتها المتكررة انتفض بعض التلاميذ بطريقة غير حضارية فصنع لها مقلبا مخيفا أهانها به أمام متعلميه فتكونت لديها عقدة كبيرة من هذه القرية ومن طلابها لسنين طويلة، فأصبحت تدرس بطريقة سيئة معاقبة الكل بما فعل واحد أو اثنيينأو فصل كامل أو أكثر في زمن قد مضى وانقضى.

مسؤولية مشتركة

لست هنا في سياق اتهام أي طرف أو تحميل المسؤولية لجهة دون أخرى مما آل إليه الوضع من سوء العلاقة بين المعلمين والطلاب وغياب التواصل الإيجابي داخل فصول الدراسة، لعلمي اليقين ومن خلال الممارسة والتجربة أن هذه المسؤولية مشتركة بين أطراف متعددة من وزارة وإدارات جهوية واقليمية ومحلية،وإعلام، وأسرة، وتلاميذ، وجمعيات أباء، وأساتذةوغيرهم، وينبغي أن يسهم الجميع في توفير أجواء تساعد على تحصيل العلم والمعرفة تقوم على الحب والتقدير والاحترامبعيدا عن الصراع والخصام الذي يعطل الطاقات ويضيع الفرص.

ارحموا المدرسين

إن حديثي مع الأستاذ اليوم لايعني أنه متهم كما يحلو للبعض سواء من عامة الناس أو من المسؤولين أن يحمل كل مشاكل التربية والتعليم عندنا لرجال ونساء التعليم مع الإغفال التام لباقي العوامل الأخرى ولكن لأن الاستاذ هو الذي يتعامل بشكل مباشر مع الطلاب ويقضي معهم أوقات كثيرة، ويتأثرون به كثيرا سلبا وإيجابا. فقد تكون المناهج جيدة والبنيات التحتية متوفرة والإدارة محترفة ولكن المنتوج يكون ضعيفا إذا لم يجد معلما وأستاذا مربيا محترفا مقتدرا. وقد تكون المناهج ضعيفة والبنيات التحتية متهالكة والإدارة التربوية غير موجودة أو وجودها كعدمها، والأسرة غير مبالية ورغم ذلك يحقق المعلم والأستاذ المقتدر آثارا ايجابية نافعة بجهده الخاص ونيته الصادقة ومهاراته المتنوعة.

هذه خطوة أولى تتبعها خطوات أخرى نخصصها للأسرة والإدارة المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية وللهيئات الفاعلة في المجتمع التي لها أثر مباشر في ظاهرة الشغب المدرسي.

الخطوةالأولى مع الأستاذ الذي اعتبره في تقديري الشخصي حجر الزاوية في الموضوع، باعتباره المدخل الأساس لحل هذه المعضلة أوالتقليل منها أو التخفيف من حدتها، إذا شخص واقعه بشكل جيد وصحح بعض التصورات وغير بعض القناعاتوامتلك بعض الأدوات البسيطة التي يمكنها أن تحول العلاقة من صراع وعداء إلى وفاق ومحبة، وتجعل طلابه يستمتعون بحصته، وتجعله ينتظر لقاء طلابه بشوق وشغف كبيرين.

إذن فما هي أكثر الأسباب المرتبطة بالأستاذ التي تجعل التلاميذ لا يبالون بحصته الدراسية ولا يستمتعون بها وبالتالي ينصرفون إلى اللهو واللعب ثم إلى الشغب والمشاكسة ؟

ثم ماهي أهم الصفات الطرق والوسائل التي تساعد الأستاذ على حسن إدارة فصله وحصول المتعة والإمتاع في حصته التعليمية؟؟

احذر

دون أن أرجع إلى الدراسات والأبحاث التربوية المتعلقة بالموضوع والمبثوثة في الكتب والمجالات رجعت مباشرة إلى التلميذ الذي يحدث الشغب داخل الفصول التربوية في استبيان مفتوح شمل أكثر من 200 تلميذ من مستويات مختلفة سألتهم السؤال التالي:

تعلم أن شغب التلاميذ في الفصول الدراسية له أسباب كثيرة مثل الأسرة والمقرر الدراسي و المؤسسة والتلميذ نفسه والأستاذوغيرها.
من خلال ما تراه وتعاينه ماهي في نظرك الصفات التي يتحلى بها الأستاذ أوالأعمال التي يقوم بها مع طلابه فتكون سببا في شغبهم وعدم اهتمامهم بحصته الدراسية؟؟

وإليكم سادتي الفضلاء ملخص ما أسفرت عنه الاستمارة من الأعمال التي نقوم بها وتكون سببا في سوء العلاقة بيننا وبين طلابنا ونحن نعتقد أحيانا أنها هي الطريقة المثلى للتحكم في الفصول الدراسية:

1. التمييز بين التلاميذ وتفضيل بعضهم على بعض بدون وجه حق.

2. الاستهزاء بالتلاميذ وبمستواهم العلمي.

3. اللجوء إلى الضرب والعنف والزجر واللوم والنقد الكثير.

4. غياب الأنشطة الحركية داخل الفصل.

5. عدم قدرة الأستاذ على تبسيط الدروس لتلاميذه وعدم مراعاة مستواهم العلمي أثناء الشرح. (تحدي النقل الديداكتيكي)

6. وضع اختبارات صعبة فوق مستوى التلاميذ.(معضلة التقويم)

7. عدم تحرك الأستاذ داخل الفصل وبقاؤه جالسا طول الحصة.

8. عدم اهتمام الأستاذ بأعمال طلابه حيث لا يراقب لهم تحضيرا ولا دفاتر ولا يسجل الغياب.

9. تحرش بعض الاساتذة ببعض التلميذات.

10. عدم تنظيمه الكلام داخل الفصل حيث يتكلم الجميع دفعة واحدة وبدون استئذان.

11. عدم اعطاء الفرص للتلاميذ للتعبير عن أرائهم والمشاركة في بناء الدرس

12. إظهار الحقد على التلاميذ بسبب مواقف قديمة (لا يسامح)

13. رغبة الاستاذ في فرض سيطرته المطلقة على التلاميذ بالشدة.

14. التساهل المفرط مع التلاميذ ومنحهم الحرية المطلقة.

15. ضعف الأستاذ في مهارات التواصل والحوار.

16. عدم تقدير الاستاذ للظروف النفسية والاجتماعية التي قد يمر منها التلميذ كالمرض والفقر والمشاكل الأسرية.

17. غياب روح الدعابة لدى الاستاذ

18. ابتزاز التلاميذ بالدروس الخصوصية.

احرص

ولأننا نعلم أن هناك فئة عريضة جدا من الأساتذة استطاعت أن تكسب ود طلابها بالطريقة التي تتعامل بها والصفات التي تتخلق بها وأنها هي الأصل والغالب، سألنا نفس العينة (أكثر من 200 تلميذ) سؤالا معاكسا للأول:

من خلال ما تراه وتعاينه ماهي في نظرك الصفات التي يتحلى بها الأستاذ أوالأعمال التي يقوم بها مع طلابه فتكون سببا في استمتاعهم بحصته الدراسية وتجعلهم يتشوقون لها؟؟

وإليكم سادتي الأساتذة الفضلاء ملخص ما جاء في إجابات التلاميذ من الصفات والأعمال التي يرون أنها تحبب التلاميذ في معلمهم:

1. تمكنه المعرفي من تخصصه.

2. احترام الاستاذ للتلاميذ وتقديره لهم.

3. نصحه لهم وارشادهم وتوجيههم من خلال تجربته.

4. تشجيعه للتلاميذ وتحفيزهم على التنافس والتعاون.

5. اعتبار التلاميذ جمعيا بمثابة أبنائه مما يحببهم في المادة.

6. الاجتهاد في تبسيط مضامين الدروس حسب مستوى التلاميذ.

7. القيام ببعض الأنشطة الترفيهية خارج المقرر.

8. الصرامة في العمل مع غير المنضبطين وعدم السماح بالاستهزاء بأي أحد في فصله.

9. تخصيص وقت للتمارين التطبيقية أثناء الحصة الدراسية وإشراك التلاميذ في إنجازها.

10. تمتع الأستاذ بحس الفكاهة والمرح مع القدرة على السيطرة على الفصل والعودة به للدرس في الوقت المناسب.

11. تفهم الأستاذ وتقديره لظروف التلاميذ سواء منها المادية أو الاجتماعية أو النفسية.

12. تحقيق العدل بين التلاميذ في كل الظروف والأحوال.

13. اتصافه باللباقة في الحوار.

14. ابتسامته في وجه تلاميذه.

هذه رؤية التلاميذ لحل معضلة سوء العلاقة بينهم وبين بعض أساتذتهم أجملها في ثلاث محاور:

محور تغيير القناعات ومحور اكتساب المعلومات ومحور تطوير المهارات، وهذا ما سوف أفصل فيه بحول الله تعالى لاحقا.

أوكد مرة أخرى أن هذه محاولة لفهم بعض المعاناة التي يكابدها نساء ورجال التعليم في الفصول الدراسية ليس اتهاما لهم أبدا ـ كما نفعل كثير من وسائل الإعلام التي وصلت بها الوقاحة للتحريض على تعنيفهم بطرق خبيثة من خلال تقارير إخبارية متكررة تحاول التركيز على بعض السلوكات الشاذة وتسوقها كأنها هي الأصل ـ حاشا أن نفعل ذلك أو نلمح له لمعرفتنا المباشرة بالواقع الذي يعملون فيه، كما أنني لا أبرئهم من جزء من المسؤولية لأنها مشتركة بين الجميع، يتحمل كل طرف قدرا منها يتناسب مع اختصاصاته.