وجهة نظر

المشيخة التنظيمية والتعطيل العضوي

المشيخة التنظيمية التي اقصد هنا هي تلك السلطة المادية و المعنوية التي يفرضها بعض الاعضاء الذين يعتبرون من الرعيل الاول او الجيل المؤسس او حتى الاعضاء القدامى ، هذه السلطة التي تجعلهم في سدة القرار و التسيير بشكل تلقائي ولا تكتفي بهم الى حد الرأي و المشورة فقط – وان كانت مطلوبة احيانا – بل تتجاوز ذلك لتمنحهم الوصاية على باقي الاعضاء . ينتج عن هذه السلطة تباين في البنية التنظيمية ؛ بنية فوقية و اخرى تحتية ؛ مشايخ و مريدين و تبع لهم . تفرض هذه السلطة نوعا من الهدر العضوي و اقصد به ذلك الهدر الذي يقع على باقي الاعضاء فيجمد طاقاتهم و يعطل قدراتهم . فثقافة كهته التي تعطي ( الشرعية التاريخية ) لأشخاص و تقف عند اوامرهم ونواهيهم وقراراتهم دون ان ترجع الى عموم اعضاء التنظيم الواحد بدعوى الخبرة و التجربة و الاقدمية ، لا يسعني إلا ان اسميها ثقافة الانتحار التنظيمي او اجهاض الذات التنظيمية ، فهي تقتل الابداع و تبطل التجديد في التنظيم كيف ما كان بل انها تصنع نظاما مغلقا يميل الى التكرار و اعادة انتاج نفس الوضع باعتبار هذا النظام يستمد قوته من (الشرعية التاريخية ) ومن سلطة المشيخة التنظيمية كنظام مثالي. فهذه الثقافة تخلق شئنا ام ابينا حالة من ( المثلنة) اي رفع الذات او التجارب السابقة الى درجة الانا المثالي و التجربة المثالية وهذا ما يفرض نوعا من التبعية لؤلئك (الشيوخ المنزهين عن الخطأ و المالكين للحقيقة المطلقة ) فيصبح كلامهم ليس حوارا … بل املاء فوقي وبذلك ينبني الذهن على اساس الجواب الواحد الصحيح الذي يسبغ عليه طابع اليقين . فالعضو يستوعب الكلام ويعيد انتاجه في سلوكه و تفاعله و بالتالي فهو لا يفكر ولا يناقش ولا حتى ان يتساءل لكي ينتج معرفة جديدة او اصيلة . فمفهوم المشيخة يأتي ضدا لمفهوم التجديد و الابداع الذي يشكل الدينامية الحيوية لكل تغير و نماء باعتبارها تجاوز للواقع الراهن نحو الافضل . ومن اخطر تجليات هذه الثقافة انها تقضي على التعدد الداخلي للتنظيم و تصد الباب امام التنوع و التفاوت و الاختلاف لأنها توقع فكر العضو و وعيه في الانغلاق و تحول دون انطلاق طموحات التفكير و الابداع و التجديد.

ثقافة الولاء بدلا من ثقافة العمل و الانجاز

فحين تصبح هذه الثقافة هي السائدة في اي تنظيم كيف ما كان فانه و بشكل محتم يجعل اعضاء التنظيم يوظفون كل طاقاتهم او جلها على الاقل في اثبات تبعيتهم وولائهم (لشيوخهم) فتظهر مصطلحات جديدة تكرس نفس التبعية و الولاء على سبيل المثال (الاب الروحي) وهو ما يجعل الجهد الانتاجي و لانجازي و العطاء و المبادرة اشياء ثانوية من حيث الاهمية و القيمة و الاولوية.
نحو ثقافة العمل و الانجاز.

ما نهضت امة او جماعة او تنظيم قديما او حديثا الى و انطلق من تبني ثقافة الانجاز و العمل تبعا لناموسها كسنة كونية . ثقافة الانجاز التي تشكل قاعدة كل نماء او بناء او تقدم ، لا يرى العضو من مفهوم لذاته او تصوره إلا اعتباره كائنا منجزا و عضوا فاعلا يحس بتنمية طاقاته و توظيفها ، كما ان استمرارية اي تنظيم قائمة على الجهد الذاتي و الجماعي بما فيه من تجديد و ابداع. فثقافة الانجاز تحدد المكان الطبيعي و الصحيح لكل عضو بل و تشعره بالذات الجماعية وتزوده بقوة الانتماء على عكس ثقافة الولاء التي لا تفعل شيء سوى هدر الطاقات و الكفاءات التي لطالما اعتبرت ثانوية في عقيدتها . تعدم الطاقات الاكثر حيوية و دينامية على مذبح الولاء و المشيخة . و هكذا تهمش فئات كبيرة من ذو الكفاءات و المؤهلات ، و الخطر الاكبر ان هؤلاء المهمشون يجترون الى دوامة الاحباط و المعاناة ويشتعل في نفوسهم الغضب على واقع الحال . وهذا كاف بان يحرق الامكانات ذاتها التي توظف في احتقان النفوس في حالة من الاحساس بالا جدوى . وربما قد يظهر صنف اخر لا يقل خطورة يحاول تجنب التهميش من خلال العمل بشعار (كل واحد يعوم بحرو _ دبر راسك _ منك ليه )و بالطبع فان مثل هذه الاوضاع ستؤدي الى هدر عضوي رهيب ثم بشكل حتمى ستؤدي الى هدر التنظيم لإمكانياته و رصيده الاستراتيجي المستقبلي الذي يشكل اساس وجوده.

لهذا كله فصحة اي تنظيم و حيويته و قوته تتوقف على حيوية فكره و يقظة وعيه وقوة بنيته العضوية و حسن توظيفها .