وجهة نظر

عندما تاهت بندقية “ميليشيا حزب الله” اللبناني؟

في خطوة كانت منتظرة، اعتبر مجلس وزراء داخلية العرب من خلال ما سمي “إعلان تونس لمكافحة الإرهاب”، “حزب الله” اللبناني والذي لا يخفي تبعيته لدولة الشيعة بإيران تنظيما إرهابيا بأغلبية أعضائه .

ومن خلال ردود الأفعال الرافضة لهذا القرار الصادرة حتى الآن، اتضح أنها متواضعة ومن تنظيمات وأحزاب وجمعيات أغلبها محسوبة على التيار الشيعي واليساري الذي لم نسمع لمعظمه موقفا واضحا بعد أن وضع النظام الإنقلابي ببلاد الفراعنة حركة المقاومة الإسلامية حماس على قائمة “الإرهاب”، بل أكثر من هذا باركت بعض مكونات التيار المشار إليه قرار الجنرال الإنقلابي .

الحركات والأحزاب الإسلامية السنية على طول العالم الإسلامي والتي تعتبر الأكثر انتشارا، بعضها التزم الصمت، وبعضها الآخر اعتبر القرار إيجابيا رغم أنه صادر عن أنظمة معظمها “متهالكة ومفروضة على شعوبها” .

في المغرب بدا واضحا أن جزء كبير من قيادات الحركات الإسلامية بمختلف تشكيلاتها وتلاوينهامنتشية بجعل “حزب الله” على قائمة الإرهاب، وسارعت مجموعة منها إلى اعتبار الخطوة بداية لإحداث فرز وتحديد حقيقي لمفهوم وماهية “المقاومة والممانعة” التي ترفعها التنظيمات والأحزاب الشيعية في لبنان والعراق واليمن..إلى جانب النظام الإيراني وما تبقى من قوات الأسد .

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة، هل كانت الأنظمة العربية ستجرأ على جعل “حزب الله” اللبناني على قائمة الإرهاب قبل خمس سنوات ؟ الجواب بكل بساطة، لا وألف لا، لكن لماذا اليوم ؟ ولماذا تقبلت الغالبية العظمى من المكونات المجتمعية التي تضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها قرار مجلس وزراء داخلية العرب بل إنها تجعلها قضية مركزية ضمن مشروعها التغييري ؟ خاصة وأن هذه المكونات ما فتئت تخرج في مسيرات ومهرجانات تضم الآلاف تضامنا مع المقاومة الفلسطينية التي ترفع السلاح في وجه الصهاينة المحتلين ؟

فتور علاقة هذا الحزب بالجماهير العربية والإسلامية سيزداد في القادم من السنوات، بعد أن تحولت فوهة البندقية عن هدفها الأساسي الذي جلب للحزب كل التعاطف والاهتمام، وانتقلت بوصلة السلاح من الأقصى ومن معركة التحرر والدفاع عن الأرض ودفع المحتل، إلى الاصطفاف إلى جانب نظام ديكتاتوري همجي يقتل شعبه لأنه طالب بالحرية والكرامة والتعددية والديمقراطية.. نظام مصنف ضمن الأنظمة الشمولية المنغلقة التي لا تقبل بالرأي الآخر، نظام يعمل على استعمال كل أنواع الأسلحة الفتاكة في وجه احتجاجات شعبية انطلقت سلمية قبل أن يفرض عليها تغيير المسار..

فكيف سيتقبل الشارع العربي والإسلامي معاكسة حزب يقدم نفسه على أنه “ممانع ومقاوم” لطموح الشعب السوري للتخلص من ديكتاتور تحكم عائلته منذ عقود وبيد من حديد؟ وكيف “ستهضم” المكونات الشعبية الجرائم التي يرتكبها الحزب في حق الشعب السوري؟ وماذا تنتظرون مثلا من الشعب السوري أن يقول في حق هذا “الحزب الهمجي” الذي تعمل قواته على محاصرة قرى ومداشر لدرجة أن اضطر أهلها إلى أكل القطط والكلاب لما اشتد عليهم الجوع والعطش؟، وهل تعتقدون أن يخرج الشعب السوري احتجاجا على قرار وزراء داخلية العرب وهو يرى أمامه الآلاف من الشهداء وملايين المبعدين والمهجرين على يد قوات “الحرس الثوري الإيراني” الإرهابي، بدعم من “ملشيات شيعية” وعلى رأسها “مليشيا حزب الله اللبناني”؟ وكيف للشعب السوري أن يرفض قرار الأنظمة العربية وهو يرى حسن نصر الله ينوه وبقوة بالغارات الإجرامية للطيران الروسي التي تدك دون تمحيص قرى المدنيين بدعوى محاربة “الإرهاب” ؟.

“مليشيا حزب الله” اللبناني لم يكتفي بتوجيه سلاحه إلى الشعب السوري التواق إلى الحرية فقط، بل انه اليوم يستقوي به على باقي المكونات اللبنانية المدنية التي وجدت نفسها تحت رحمة هذا الحزب الذي لا يخفي علاقته بأجندة إيران الشيعية التي تريد التوسع على حساب العالم الإسلامي السني في عمومه، وبكل الوسائل بما في ذلك التصفية على الهوية والتجويع والإبعاد بالقوة والسلاح كما يحدث في العراق وسوريا.. هذا فضلا عن تعطيله لعدد من مؤسسات الدولة اللبنانية بقوة السلاح، وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة التي لا زال كرسيها فارغا منذ مدة، كما أن البرلمان والحكومة وغيرهما وجودها أصبح كعدمها، أما مؤسسة الجيش فممنوع عليه الاقتراب الفعلي والحقيقي من الجنوب الذي يعرف سيطرة مطلقة لقوات “ميلشيا حزب الله”، لدرجة أنها تمنع بفضل السلاح النوعي الذي تحصل عليه من إيران دون باقي مكونات المقاومة، فصائل إسلامية سنية من استكمال عملية تحرير الأراضي اللبنانية التي لا زالت ترزح تحت نيران بني صهيون، رغم مشاركة هذه الفصائل السنية في إجبار الصهاينة على الانسحاب في ما عرف ب”حرب تموز” لكن تحت مظلة “ميلشيا حزب الله” الذي عملت الآلة الإعلامية الإيرانية القوية على تقديمه للرأي العام كمقاوم وحيد للعدو الصهيوني .

أمام هذه المعطيات وغيرها كثير لا يسع هذا الحيز التفصيل فيها، يمكن اعتبار وزراء داخلية العرب قد قاربوا الصواب على هذا المستوى، رغم أنهم غير مؤهلين مبدئيا لإصدار مثل هكذا قرارات بسبب ممارسة عدد منهم نفس ممارسات الملشيات الشيعية في سوريا والعراق واليمن ولبنان..