وجهة نظر

اللعنة يا بن كيران لقد أزعجت فلاسفتنا العظام !!

عدد كبير ممن يحسبون او يحسبون انفسهم على الثقافة والفلسفة في المغرب، هاجموا رئيس الحكومة بسبب قوله بأن ليس كل من ولج المدرسة سيتخرج فيلسوفا أو رجل قانون او اديب ..الخ، وان المغرب في حاجة لتقنيين ومهندسين ينتجون الثروة لأن الحد الادنى من الفلاسفة والأدباء يكفي.

الذين هاجموا بن كيران بسبب تصريحه الأخير، أغلبهم قرأ ما كتبته الصحافة عن الموضوع ولم يشاهدوا الفيديو ولا حضروا المناسبة التي قيل فيها. لذلك أطلقوا العنان لأقلامهم التي كانت في فترة نقاهة طويلة، وﻷلسنتهم للقول بأن الفلاسفة والأدباء هم مفجرو الثورات التنويرية على مر التاريخ، واستدلوا على ذلك بالثورة الفرنسية والنهضة الاوروبية وووو. وأن رئيس الحكومة عندنا متحجر لا يفقه في الفلسفة والأدب ، وشخصيا قد أتفق مع هذا الرأي الى حد ما. لكن ما قاله بن كيران مؤخراً كلام صحيح إذا وضعناه في سياقه الذي قيل فيه، وهو حفل توقيع اتفاقيات بشأن التكوين المهني في المغرب ضمن استراتيجية الوزارة 2015-2030.

لكن لدينا سؤال لهؤلاء المثقفين والفلاسفة العظام عندنا في المغرب، أين أنتم من هموم الشعب؟ ما هي النظريات الفلسفية التي غزوتم بها العالم؟ كم عدد الأعمال الأدبية أنتجتموها وغيرت شيئا من واقع المغاربة؟ كم رواية ألفتموها وراجت العالم بكل لغاته؟ .

يقول الكاتب الفرنسي باسكال بونيفاس في كتابه “المثقفون المزيفون” إن المثقف -في الغالب- لا يتبنى قضية ما، تهم الشعب، لإيمانه بها، ولكن ﻷنه يؤمن بالعائد الذي تدره عليه من شهرة ونفوذ، وقوة يفاوض بها على مصالحه مع رجل السياسة. وهذا القول لبونيفاس ينطبق على كثير من مثقفينا الذين غابوا عن عن قضايا كثيرة، منها على سبيل المثال، حراك 20 فبراير 2011، ولم يظهر لهم ولا لثقافتهم أثر، لنكتشف بعد ذلك خرجاتهم يتبنون القضية ويدافعون عنها، كما لو أنهم هم من أنتجوها! فيا للغرابة ويا لسخافة الثقافة!

أستغربتُ كثيرا عندما قرأت لبعض من نحسبهم من المثقفين، يصف تصريح بن كيران بالداعشية، ومنهم من ذهب بعيدا الى حد القول بأن التعليم التقني ينتج التطرف!. وكأن السعودية مثلا غزت القمر واكتشفت بتقنياتها المتطورة، حياة البط على كوكب أورانوس، وهذا سبب انتشار الفكر المتطرف بين أبنائها!

المثقف الحقيقي، يجب أن تكون أجوبته على رجل السياسة، أجوبة ثقافية لا سياسية متشنجة، فإذا افترضنا جدلا أن قول رئيس الحكومة بأن الحد الأدنى من الفلاسفة والأدباء يكفي، مجانب للصواب، فإن الرد عليه من طرف المثقفين يجب ان يكون ردا راقيا برقي الفلسفة والأدب، بتقديم مقترحات عملية في عدد من القضايا، أو مثلا الدعوة الى مناظرة وطنية حول واقع الفلسفة في المغرب وحاجة المثقة للتقني والمهندس..او اعطاء أراء فكرية وفلسفية لإصلاح منظومة التعليم المعطوبة منذ سنوات، والتي أنتجت لنا هؤلاء المثقفين. أو أي حل آخر غير السب والشتم والاتهام الذي تتبرأ من جمالية الأدب وحكمة الفلسفة.

لكن المشكلة الكبرى لدى أغلب مثقفينا، أنهم يعيشون عزلة أفلاطونية عن هموم الشعب، بل ويعتبرونه سببا في التخلف والمحافظة والأصولية، كما قال محمد الأشعري في لقاء بوكالة المغرب العربي للانباء. لذلك لا يمكن للمثقف المعزول في برجه العاجي، وينظر للمجتمع بمنظار الفوقية، أن يكون لثقافته أثر ولا لرأيه خبر. والمثقف لدينا يحتقر التقنية والتكنولوجيا عموما، وأغلبهم يجهل أبجدياتها ويعتبرها وبالا. ولكن رغم ذلك فهو دائم الحاجة إلى أصحابها كي يبقى على قيد الحياة الثقافية!

فهل كان لفيلسوف او مثقف كتابة مقال او كتاب ونشره، لولا مئات المهندسين والتقنيين الذين سهروا ليالي من أجل اختراع جهاز الحاسوب والأجهزة الذكية؟ وآلات الطباعة واختراع المواد الكيميائية التي تستغل بها؟ والكهرباء التي لا يعرف أغلب الأدباء والمثقفين كيف يتم إنتاجها، كما لا يعرفون عدد التقنيين والمهندسين الذين يموتون سنويا بالصعقات عالية التوتر او غرقا في السدود من أجل تأمين استمرار الكهرباء كي يستمر الفيلسوف في القراءة والكتابة والتفلسف ؟ وهل كان بإمكان الأشعري مثلا ان يتحدث ونسمعه جيدا لولا المهندس الذي اخترع الميكروفون والتقنيون الذين كانوا يقظين ﻹصلاح اي عطل طارئ في جهاز ما خلال الندوة؟

الحاجة إلى الفليسوف قائمة وستبقى، لكن الفليسوف المتواضع غير المتعجرف، فيسلوف او مثقف يعيش هموم الناس، ويساهم ويجتهد في إخراجهم من ضيق الجهل والتخلف إلى سعة الرقي والتطور، دون ان يمن عليهم بذلك، مثقف ينتج المعرفة وليس المواقف السياسية، مثقف يساهم في إنتاج الحلول لا في تأزيم المشكل.. ومهما كانت الأحوال فحاجته للتقني والمهندس ستبقى ملازمة له.