منوعات

يايموت يكتب: صديقي الصحراوي والتحرر الاستعماري

في سنة 2008 كتبت مقالة مطولة بجريدة القدس العربي، تناولت فيها جانب حقوق الإنسان في الصحراء، وأكدت فيه أن أخطر ما سيواجهه المغرب دوليا هو تكريس حقوق الإنسان في الصحراء. فكلما توسع هامش الحريات العامة بالإقليم الجنوبية إلا ورجع المغرب لمغربيته التاريخية الحضارية العربية الأمازيغية. وكلما تكررت خروقات حقوق الإنسان الماسة بكرامة الصحراوي إلا وخسر المغرب مؤيدي قضيته ووحدته الترابية، وطنيا ودوليا.

أعلم أن الواقع معقد، وأن تركيبة الدولة بالمغرب بعد الاستقلال جعلت منها مؤسسة ارتكبت جرائم ضد مواطنيها.

البداية كانت بالرشيدية ونواحيها سنة 1958م وهذا الحدث لم يكتب عنه ولم يؤرخ له بالشكل الذي يستحق…ليست الرشيدية ونواحيها فقط من تعرض لمثل هذا الهجوم، منطقة الريف والصحراء المغربية كذلك.

في الصحراء خلقت أساطير مؤسسة للوعي بعضها معرفي اجتماعي وبعضها ديماغوجي قبلي. لكن كل هذه العوامل سقطت لضعفها أمام قوة الصراع الدولي، فأصبح الوعي القبلي يدور في فلك لم يعهده تاريخيا، ولا هو بقادر على التعايش معه حاليا ولا مستقبلا. ولذلك تستغل القبلية في الصراع مع الدولة، كما تستغل في جمع الثروة والتسلط من داخل القبيلة، وتستغل في فرز الصحراوي الأصيل عن الصحراوي الدخيل المراد تهميشه.

في ظل هذا الوضع، تحولت قضية الأرض في الصحراء من الجذور الفكرية القبلية التي تقاتل دفاعا عن أرضها، إلى واقع دولي تصارع فيه المعسكر الشرقي مع نظيره الغربي؛ في ظل سياق ديني مسيحي ينظر لخاصرة المغرب التاريخي بعين عقدية تحمي أوروبا من الإسلام، وتحمي إفريقيا من التعريب.

كانت الأسس الكولونيالية تتحدث عن مجتمع البيضان، وهذه الأسطورة المؤسسة للوعي المستدعي للاستعمار، والمنتهج لنهج الانتربولوجية التقويضية للجماعة التاريخية العربية الإسلامية بالصحراء الكبرى -الممتدة بين درعة وإفريقيا الوسطى… – خلقت أجيالا من المثقفين الاستعماريين الملتحفين بأحزمة التحرر الاستعماري.

ولشدة ارتباط هذا المثقف بما أفرزته أدبيات الكولونيالية (عن وعي أو بدونه)، فقد غيب تمام النظرة الحضارية، للمغرب كما كان. تاريخ تخوم لا حدود، ثقافة إسلامية مالكية المذهب، عربية أمازيغية، مختلطة اللون قبل العرق؛ ولم يكن المجتمع الأمازيغي في أرجائه الواسعة، بيضان أو حراطين، أو عبيد؛ بل كان خليط من البيض والسود من الجنوب والشمال الإفريقي.

ولم تكن الحسانية تجمع معزول، أو قادرة أمام السوسيولوجية التاريخية على الاستقلال. لذلك انتظمت وفق ظروف سوسيولوجية جماعية، اعتمدت الترحال والاختلاط الزواجي مع الحراطين والبيض والسود؛ وقبل ذلك وبشكل واسع جدا مع الأمازيغ الذين ضيفوا الحسانيين فوق أرضهم التاريخية. ولم يكن للمجتمع المتعدد هذا خيارات أما الظروف الطبيعية وخاصة الجفاف والمجاعات، فازدادت وتيرة الاختلاط المجتمعي المركب … ومع الهجرات الجماعية تحولت بعض القبائل الحسانية إلى “هجين مجتمعي”، واتجهت شمالا لتستقر بالريف “مدينة الحسيمة”،.. ومدينة “الريصاني بالرشيدية حاليا”. وجنوبا وصل الحسانيون للغابون وساحل العاجل وغيره…كما هاجر الأمازيغ الريف عبر هجرات جماعية، واستقروا بشكل جماعي في مدينة مكناس ونواحيها… ومدينة العيون والداخلة والنيجر، ومالي… وصولا لمدينة بنغازي ومدينة طبرق الليبية الحالية.

إن وعي التاريخ الراهن بمنطق “التحرر الاستعماري”، لا يخرج عن كونه جزء من الأزمة العامة للجيل الجديد، جيل ينظر للمغرب دولة وتاريخا وشعبا، بحصره بذلك التدخل الوحشي، الذي وقع في الرشيدية، والريف والصحراء المغربية.

وإن حقوق الإنسان كذلك تعني حقوقنا الحضارية، حقوق تاريخ سوسيولوجي يراد له أن ينتحر بيد ثوار التحرر الاستعماري؛ وأن قمعية السلطة السياسية وتسلطية النظام السياسي، لن يمنح أية شرعية لفكر الانفصال عن التاريخ والحضارة، فنحن تخوم وثقافة، تقاليد جماعية ومسلكيات حضارية حية؛ ولسنا حدود وألوان بشرة كما تخبرنا الانتربولوجية الاستعمارية، ومن يدور في فلكها باسم الحداثة والمدرسة الوضعية، أو باسم القبيلة ومجتمع البيضان.