وجهة نظر

حب أم حرب

تلقت خبر طلاقها ببرودة دم غريبة، لعل سبب ذلك، أن الخبر لم يكن مفاجىء ، وأنها يئست، وحاولت وحاربت من أجله، لمدة طويلة وهي تكتم حسرتها، خيبتها، وهي تتستر على فعلاته،خرجاته، خيانته، عشقه الخفي. كان يحب امرأة أخرى، وهي تدري، وتكتم، وتتحسر، وتخبىء،خوفا على بيتها، خوفا على حبها، طمعا في أنه سيعود، بعد أن تهدأ العاصفة، سيعود بعد أن يستعيد رشده، سيرجع بعد أن يدرك، أن ما يشعربه ليس حبا، وإنما انبهار بأخرى تفوقها جمالا وحضورا ربما، ولكنه يبقى مجرد انبهار، لأن الحب أعمق، لأنه أحبها عندما كان لا شيء، أحبها عندما كان مجرد موظف عادي، ولأنها صبرت ودعمت وحرمت نفسها مما تشتهيه النساء من أزياء وذهب وسفريات، لم تتفاجأ ولكنها لم تستطع أن تحبس دمعها.

حملت حقيبتها وخرجت…..إلى أين؟لازالت لم تحدد، بيت أبيها المتوفي، مغلق تسكنه الحشرات منذ مدة، أم تحجز غرفةبفندق بانتظار الصبح ؟.

كيف ستكمل حياتها في سنها هذا ؟ هل ستخبر الولدين وهما ببلاد الغربة؟ ماذا ستفعل؟ وهي المرأة التي رفضت أن تشتغل، لتبقى بجانبه، لتهتم به وبولديهما، هي التي كرست نفسها لهم،واهملت نفسها لأجلهم.

كرست وأهملت و اهتمت بالطبخ والكنس، ولربما هنا أخطأت، و أخطأت عندما نحت كل اهتماماتها وأنكرت أنها يجب أن تعيش لنفسها، وأنها كان يجب أن تنتبه أنه لا يعترف لها بما تفعل، كان يجب أن تنتبه أنه عاشق، يتأخر، يعتذر عن الحضور والعشاء بجانبهم مامرة، كان يجب أن تنتبه أنه تغير، وكان عليها أن ترفض الاستسلام والصمت، هل كانت سلبيتها سبب ماهي فيه الآن، أم أن تلك المصيبة كانت محتمة، سواء استسلمت أم حاربت؟

دخلت الفندق، وضعت حقيبتها ، اتصلت ، و حجزت على أقرب رحلة إلى باريس. نامت مدة يوم ونصف يوم بالكامل.
هناك بالغربة، شحنت نفسها بالأمل، فهي أم لشابين في مقتبل العمر، ارتدت معطفها في يوم كسائر ايام باريس، بارد، غائم، واتجهت نحو نهر “السين”.

سرعان ماسقطت عيناها على زوجين، في الستين من عمرهما، فرجال اوروبا نادرا ما يتزوجون من نساء تصغرهم سنا بكثير،كان الزوجان في منتهى الانسجام، وكأنهما يعيشان أول أيام حبهما، نظرت إلى الزوجة، وجدتها جميلة رغم سنها، بشوشة،تتحدث بالهمس،، تتأبط زوجها،بكل حب، ولا تخجل من ذلك……

تذكرت ساعتها، عندما كانت تنصحها صديقتها، وتؤاخدها على إهمال نفسها أكثر من اللازم، تؤاخذها على سلبيتها، على استسلامها.
حتى عندما قرر أن يطلقها، لم تنطق بحرف واحد، لم تلمه، لم تسأله عن السبب، لم تحاول أن تعرف، لم أحب عليها، لم، ولم، ولم…..أشياء كثيرة لم تفعلها، وأخرى أخطأت عندما قامت بها، جلست هناك بباريس مدة شهر، قررت أن لا تشعل الحرب مع زوجها، و تطالبه بالنفقة والمؤخر، وقررت أن لاتنهال عليه بالسب والشتم، وإن لاتنعته بالمجحف، الناكر للجميل، وأن لا ولا ولا……ستحاربه بالصمت وربما بالحب، هي هكذا ولا يمكن أن تكون إلا هكذا، أخذت هاتفها، وكتبت، ” ومع ذلك، لازلت احبك، زوجي حبيبي “.

غادرت باريس بعد أن قارب المال الذي كان بحوزتها على الانتهاء، علم ولداها بالخبر،التحقت بهما إلى كندا. في صباح يوم خميس، رن هاتفها ،اجهش بالبكاء وقال، أصبح عالمي فارغا من دونك، احسست اني عار، بدون غطاء، أريدك أن تكملي معي المشوار، أعدك أن اعوضك عن الألم الذي سببته لك،تبسمت وأدركت أن الحب لا يدرك بالحرب.