وجهة نظر

تقنين الكيف.. تحايل المدنس على المقدس

احتضنت جهة “طنجة تطوان الحسيمة” كما هو معلوم ندوة دولية حول الكيف والمخدرات، الندوة التي أشرف على تنظيمها، بالقوة والفعل، حزب الأصالة والمعاصرة ومناصروه في الفكر والمصالح والأهداف لم تكن بالأمر المفاجئ؛ بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، ولأن أصحاب المصالح لم يعودوا يتحرجون من الجهر بالسوء والترويج له في واضحة النهار ولو على حساب الثوابت والمقدسات.

إذا كانت خطة حزب الأصالة والمعاصرة ترمي إلى تقنين الكيف، أو على الأقل إيهام منتجيه، تظل مفهومة ومبررة؛ لأن الحزب يدعي لنفسه انتماء يساريا وعلمانيا، ويستبيح لنفسه كل شئ، ولا يعبأ بمعتقدات المغاربة ومقدساتهم، فإن ما يثير الغرابة والدهشة هو تبني أحزاب أخرى الخطة نفسها، ومن هذه الأحزاب من تأسس على مبدأي الإسلام والعروبة، وهو ما لا يترك أدنى ذرة للشك في أن الهاجس الذي دفع هذا الحزب ومناصروه؛ لم يكن علميا أو تنمويا أو حقوقيا، بل دافعا انتخابيا صرفا، وربما يكون مناسبة لاقتناص ترخيص يشفع لتصنيع المخدرات والاتجار فيها.

لم يتفجأ المغاربة، إذن، من هؤلاء وأولئك الذين يضعون في فمهم تلك السيجارة المشهورة؛ ذات الحجم الكبير واللون البني، تعويضا عن إحساسهم بنقص ما؛ تجدهم يعبرون كذلك عن إعجابهم بنمط خاص من المفكرين مثل ماركس، وبكتاب مثل كارسيا ماركيز، فلا شك إذن أن يكون بابلو إسكوبار امبراطور الكوكايين المشهور هو مثلهم الأعلى.

فهؤلاء اليوم يطلبون ملتمسا لتقنين هذه النبتة المخدرة تحت ذريعة علمية وبمسوغ تنموي، وقبل ذلك كانت مطالبهم تروم إباحة القتل العمد عن طريق الإجهاض، والمساواة في الارث بين الذكر والأنثى، والإفطار العلني… وغدا قد نتفاجأ بادعاء أحدهم النبوة ليسنّ تشريعات أخرى؛ وقد يعيد لنا عبادة الأصنام، ويفرض علينا الانحناء أمام هبل، وأمام اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.. غدا قد يصيح في أصحابه: يا قوم إن المغاربة قد صبئوا.. غدا قد يفرض علينا اقتناء “السبسي” و”المطوي” مع اللوازم المدرسية.. غدا نجد “ربطة” الكيف تباع في الأسواق مع ” القزبر والمعدنوس” ومع”عشوب أتاي”.. غدا قد يفرض علينا تناول “جوان من الحشيش” قبل كل صلاة، لأن ذلك سيفيد المصلي في استحضار النية وفي أداء صلاته بكل طمأنينة وخشوع.

إن العذر الذي قدمه هؤلاء من أجل هذا المشروع أقبح من زلة المشروع نفسه، فإذا كانت ذريعتهم تحمل أبعادا صحية وتنموية وتمس جانبا من جوانب حقوق الإنسان؛ فإن مضار الكيف والمخدرات، مع فرضية صدق النوايا، أكثر من نفعهما على الصحة والتنمية وحقوق الانسان.. ومن ثم فنداء طنجة الذي تمخض عن ندوة الكيف؛ لا يحمل بين ثناياه إلا شعارا ملغوما؛ ظاهره بلسم وباطنه علقم:
فمن الناحية القانونية؛ يعتبر تقنين الكيف والمخدرات خرقا للقانون المغربي الواضح في هذا الشأن، والذي يمنع صراحة زراعة هذه المادة، ووضع من أجل ذلك ضوابط عقابية وزجرية صارمة. ومن الناحية التنموية؛ فإن الترخيص لزراعة عشبة الكيف من شأنها أن تفضي لعدة اختلالات؛ منها حسب ذوي الاختصاص خلق تفاوتات اقتصادية واجتماعية بين مختلف المناطق المغربية، وخلق نزوح وهجرة إلى مناطق زراعة الكيف، وكذا خلق ثغرات أمنية غير صحية للبلاد… أما من الجانب الصحي؛ فالمخدرات آفة تؤدي إلى تخريب العقول، وتثبيط العزائم، وإضعاف النفوس، كما أن تناولها قد يؤدي إلى ظهور أمراض نفسية وعقلية نحن في غنى عنها.

وإذا كان ديننا الحنيف قد جاء ليحقق مصلحة الأفراد والجماعات؛ سواء أكانت هذه المصالح جلبا لمنفعة أم درءا لمفسدة، فإن شرعنة المخدرات يعد ضربا صارخا لمطلق هذه المصالح، وضربا لمقاصد الشريعة وكلياتها؛ وهي حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال.

إن الدعاية لتقنين الكيف والمخدرات إساءة للبلد، ويتنافى مع المواقف الثابتة للدولة المغربية والتزاماتها الدولية بمكافحة هذه الزراعة.. كما أن الترويج لزراعة الكيف وتقنينها، والادعاء بتوفير الحماية لأصحابها خارج القانون، هو فقط من قبيل بيع الوهم للسكان المعنيين وسعيا مفضوحا وراء تحقيق مكاسب ضيقة وزائلة، واستغلالا سياسيا لهذا الملف من أجل استفادة وقتية من كتلة انتخابية تقطن بمنطقة، تحتاج إلى سياسة تنموية ذات أبعاد استراتيجية شاملة وواقعية؛ بدل توظيف معاناة سكانها وخوفهم لأغراض انتخابية. فهذه الخطة تعد تحريضا لسكان المنطقة للانطواء على النفس؛ قد ينضاف إلى تحريض سابق يتعلق بالمسألة الأمازيغية، ومن ثم المطالبة بالاستقلال عن باقي المناطق المغربية.

إذا كان المبرر في تقنين الكيف تنمويا؛ فالتنمية تتحقق بفك العزلة عن المناطق النائية، ووضع استراتيجيات سياسية واقتصادية وتنموية. وإذا كان علميا فإن الكيف المغربي لا يعدو أن يكون مادة مخدرة لا تدخل ضمن الأنواع الصناعية. وإذا كان حقوقيا فإن حقوق الانسان تستدعي عدم الاضرار بالإنسان وبعقله ونفسه. أما إذا كان انتخابيا، فالأمر هنا يستدعي انتاج خطاب صادق، بدلا من الزج بالمؤسسة الملكية؛ بل ومحاولة توريطها في ملف حساس يمس الأمة المغربية في ثوابتها؛ الدين والملكية وإمارة المؤمنين.
فالمرء إذا لم يستحي فليصنع ما يشاء، وليقل أنى يشاء، وليشرعن ما يشاء.

وعذرا للقراء الكرام على دغدغة المشاعر