وجهة نظر

غزوة الأحد وتوالي الخيبات في ملف الصحراء

I -دروس مسيرة الأحد

عجزنا و فشلنا في معالجة قضية الصحراء نحوله الى مناسبة عبثية للتظاهر السريالي الذي لا يقدم اي مساهمة في حل المشكل، بل يزيد في تعميق جهل المواطن بالخطر الذي يتهدد ملف الصحراء و إعطاء الانطباع الكاذب بوجود اصطفاف الرعايا وراء الحاكم للدفاع عن القضية الوطنية و التي للأسف نتجه تدريجيا الى فقدان معركتها خارجيا و هو الأهم و ليس تحقيق اجماع وهمي في غياب خطاب شفاف و صريح للماسكين بزمام هذا الملف.

اذا تتبعنا مسار القضية منذ بداية ما يسمى بالعهد الجديد سنلاحظ توالي الفشل في معالجة ملف الصحراء بل و هناك تخبط بادي للمتتبع، من بين بتجلياته غياب حقيقي لحلول واقعية ملموسة لمشكل يزداد تعقيدا يوما بعد يوم. ما يزيد ايضا في الامر تعقيدا و يطيل الوضع القاءم هي مجموعة الرهانات الخاسرة التي عُوِل و يُعول عليها لحل مشكل الصحراء، و من بينها الرهان على الأعيان من خلال إدامة سياسة الريع و يجب الاعتراف ان هذه السياسة لا تهم نخب الصحراء فقط بل تخص مختلف نخب المغرب، على الرغم من ان الدولة تعلم ان هؤلاء هم فقط تجار مصالح و ولاءات لا غير و هم لن يتورعوا في بيع ولاءهم لآخر بمجرد فقدانهم لامتيازاتهم.

كذلك فشل الحل الأمني و هو ما يزيد من حدة الحاجز النفسي لدى سكان الصحراء تجاه الدولة، هذا الامر يمكن تعميمه على باقي مناطق المغرب نظرا للاستمرار في قمع اي مطلب للتغيير. الرهان الابدي ايضا على الدول الكبرى يبقى مبني على مخاطر عدة و فيه نوع من قبول التعرض للابتزاز من قبل هذه الدول. فالاتحاد الأوربي لم تكن قراراته أبدا داعمة للطرح المغربي و هو لا يمكن ان يتجاوز في تعامله مع المغرب القوانين الأوربية و اكبر دليل هو القرار الأخير للمحكمة الأوربية، و خيار مقاطعة أوربا او تجميد التواصل معها لا يفيد في شيء بل سيزيد من عزلتنا دوليا. فيما يخص الولايات المتحدة الامريكية فلا يمكننا الرهان عليها اذ ان نظرتها الى العلاقات بين الدول تنطلق من ثنائية الربح و الخسارة وستتخلى عنا في أية لحظة يكون فيها الربح سيتحقق في خيار الانفصال. اما الاتحاد الأفريقي فأهملناه بجهلنا ببديهيات العلاقات بين الدول و نهجنا لسياسة الكرسي الفارغ لمدة سنوات حتى صارت هذه المنظمة “مصدر إزعاج” لنا و أصبحت الان من اكبر الداعمين لطرح الانفصال. دول الخليج هي ايضا رهان خاسر فصورتها لدى الراي العام الدولي لا تحسد عليها اذ ان أنظمتها المستبدة تعاني فقدان الشرعية على المستوى الخارجي و هي بهذا لن تقدم او تاخر شيءا في توالي هزائمنا في الخارج. الاتجاه ايضا الى روسيا لن يحل شيءا بل سيزيد من عدد المبتزين لنا.

أخطاءنا اذن لا تحصى في معالجة قضية الصحراء، ربما صحيح القول بفشل التدبير الفرداني من طرف القصر لقضية الصحراء، لكن حتى و لو افترضنا وجود تعدد المتدخلين في هذه المسالة فهو كذلك رهان خاسر نظرا لعجز مختلف الفاعلين السياسيين عن تقديم حلول خارجة عما يعرضه القصر و هذا العجز يحيلنا على نوع الثقافة السياسية السائدة في المغرب. يجب اذن نهج غياب خطاب تنويري و شفاف تجاه المواطنين اذ ان اغلبهم لا يعلم بالمأزق الذي نحن فيه و ان قضيتنا خاسرة خارجيا، و ربما استمرار التعتيم على هذا الواقع يزيد من حدة الامر. كذلك من الضروري تغيير لغة الخطابات الملكية التي تكرر نفس الأسطوانة من قبيل “المغرب في صحراءه و الصحراء في مغربها” و “البيعة التاريخية بين سكان الصحراء و ملوك المغرب” فهي لغة غير واقعية و لا تقنع احدا بل فقط موجهة بالأساس للاستهلاك الداخلي.

II-الديمقراطية هي الحل

اثبتت التجارب الحديثة ان الدول الديمقراطية هي الأقل تعرضا لخطر النزعات الانفصالية و تجنب هذه المخاطر لا يأتي الا من خلال دسترة و تفعيل حماية الحقوق و الحريات و إعطاء الشعور للمواطن بالانتماء الى دولة القانون و المؤسسات أضف الى ذلك يجب مأسسة السلطة السياسية من خلال توزيعها عموديا و افقيا و ضمان مراقبتها عِوَض المفهوم الأبوي لممارسة السلطة في المغرب الذي يعتبر المغاربة رعايا لا مواطنيين، الشعور بالمواطنة اذن هو شرط لتحقيق الاستقرار و اندماج كل مكونات المجتمع.

الدولة الحديثة تبني مشروعيتها على الممارسة الديموقراطية للحكم و ليس على أسس تقليدية سلطوية متجاوزة كالبيعة و إمارة المؤمنين أضف الى ذلك ان شراء الولاءات الذي قد يبدو مخرجا بالنسبة للنظام الحاكم على المدى القريب، لكن على المدى البعيد سيكون مصدر عدم الاستقرار و قد يودي بِنَا الى كارثة.

تحقيق اندماج الأفراد يتأتى ايضا من خلال تأسيس لاندماج سياسي لمختلف مناطق الدولة و هذا لا يخص فقط منطقة الصحراء بل جل مناطق المغرب من حيث تمكين ساكنة هذه المناطق من الاشتراك في ممارسة سلطة اتخاذ القرار. هنا يلعب شكل الدولة دورا كبيرا في تحقيق هذه الغاية، فمثلا التخلي عن فكرة الجهوية الموسعة و هو في نظري مشروع بالنظر الى اختصاصات و طريقة انتخاب رؤساء الجهات لا يعدو ان يكون شكلا من أشكال وهم التغيير في دستور 2011، عوض ذلك يجب التفكير جديا في نظام فيدرالي لانه وظيفيا الانجع حيث يضمن توزيع عمودي للسلطة عِوَض اتباع النموذج الفرنسي الذي يبقى في أسسه نظام جد مركزي و لا يترك هامشا كبيرا لفعالية الوحدات الغير المركزية في تدبير الشأن المحلي و هذا الخلل أثبته فشل التجربة المغربية في تبني اللامركزية.

أفضل النماذج المقارنة في هذا الاطار هي النموذج السويسري حيث يمكن الاستفادة من طريقة تقاسم الاختصاصات بين الدولة الفيدرالية و الكانتونات و الجماعات، اتباع هذه التجربة سيمنحنا مشروعية جديدة وسيخفف من الضغط الداخلي و الخارجي في حال أراد النظام المغربي الخروج من الوضع الحالي الذي لا يبشر بخير.

قد يبدو حل توزيع السلطة في إطار نظام فيدرالي او غيره من أشكال الممارسة الديمقراطية للحكم مؤلمًا بالنسبة للملكية المتعودة على الحكم الفردي و عدم الرغبة في تقاسم السلطة رغم ما جاء في دستور 2011 من اوهام تنازل الملك عن جزء من اختصاصاته لرئيس الحكومة، لكن هذا الخيار هو المفتاح الحقيقي نحو مغرب اخر.

ختاما يجب التاكيد على أن مفاتيح إنهاء مشكل الصحراء موجودة داخل المغرب و ليس خارجه، حيث يبقى الحل الوحيد و الأوحد هو نظام ديمقراطي يضمن للجميع الحق في المواطنة و العيش الكريم، دون ذلك سنستمر في الهروب إلى الأمام و بيع الاوهام لانفسنا و اقتراف نفس الأخطاء و تكرار الفعفعات الديبلوماسية و الخروج للتظاهر العبثي في كل مناسبة يتم فيها استفزازنا، فيما الآخرون يحققون تقدما على مستوى إقناع الرأي العام الخارجي بجدوى الانفصال عن المغرب، حين يتحقق لهم هدفهم انذاك سنبكي على الاطلال و نتغنى حصرة انه كانت لدينا يوما ارض اسمها الصحراء.