وجهة نظر

تكوين الدولة الدينية “الإسلامية” (2)

الديمقراطية الحقيقية والدولة الاسلامية

“الديمقراطية في الواقع ماهي إلا نظام يقوم في أساسه على التنازع”( ص98 من كتاب مهزلة العقل البشري للدكتور علي الوردي)، هذه الحقيقة السياسية والتاريخية هي التي خدعت الاخوان في مصر والنهضة في تونس وقد تؤدي بالاخوان في المغرب إلى نفس المصير، لأنه في الحقيقة ليس هناك في الديمقراطية حق مطلق أو باطل مطلق. بل إن تنسيب الأمور في السياسة أكبر بكثير من العلوم.
ويمكن تلخيص مشكلة الدولة الاسلامية في أنها تعتبر نفسها حقا مطلقا، بعيدا عن أبعادها الاجتماعية، لذلك فحتى الديمقراطية هي عادة اجتماعية قبل أن تكون فكرة طوبائية، عادة اجتماعية آتت بعد تجارب قاسية ونحن نحتاج إلى ممارسة هاتيك التجارب القاسية جيلا بعد جيل، فنقوم بها ونقع عدة مرات في بؤرها حتى يتغلغل منطق الديمقراطية في صميم مفاهيمنا وتقاليدنا وعندئد نخرج من قوقعتنا الفكرية القديمة إلى عالم واسع يكون فيه التنازع والتعاون صنوين لا يفترقان. لذلك فحتمية التنازع و الصراع يؤدي حتما إلى عملية قسرية تحديثية .

أصبحت الحاجة ضرورية إلى فصل الدين عن السياسة، السياسة تحتكم لثنائية “الصواب والخطأ”، وأما الدين ” حق وباطل”..
لذلك من الطبيعي جدا أن يصدر مسؤول تنظيمي داخل الحركة الاسلامية احكاما مطلقة ” أحكام في الأخلاق” في أمر سياسي تقديره نسبي، ويخلط بين الشخص الفرد الحر ” الؤمن بقيم الدين ” وبين المناضل السياسي الذي يختلف معه في تقدير سياسي..
إن عملية الاختلاف صعبة للغاية في محيط لم يستوعبها بعد، إما أنه لم يعيشها ام لايريدها ولا تخدم مصالحه السياسية ” هنا لا يجب اصدار اتهامات في اخلاقيات الفرد”، هنا تذكرت كيف كنا نجتمع مع تيارات مختلفة من يسار وحركة قومية وطلبة مستقلين في تدبير الاختلاف من الحلقيات إلى الأشكال الاجتجاجية إلى تقسيم الكلية بين طرفين سياسيين بشكل عادل في احترام قل نظيره وفي قبول بالاخر لم أشهد له مثيل في جامعة غير جامعة ابن زهر. تلك عبر لأولي الألباب

علينا الاستفادة من تجربة البروتستانية، على الأقل كانت واضحة كل الوضوح في رسم مستقبل جديد للعالم كله وليس أوربلا فقط، فعندما يقول ماكس فيبر في كتابه الأخلاق البروتستانية وروح الرأسمالية ” وبما أنه، أو بالأحرى لأنه، لا يوجد، خارج الغرب، أي أثر لتنظيم عقلاني للعمل، فمن باب أولى ألا توجد إشتراكية عقلانية. إن ماتبقى من العالم خارج أوربا قد عرف، ولا شك، الاقتصاد المديني، وسياسات التمويل المديني، ونظريات الأمراء المتعلقة بالمركانتيلية والتقدم،والتقنين، وضبط الاقتصاد، والحمائية ونظريات التلقين (في الصين). كما عرف أيضا أنماطا متعددة من الاقتصاد الشيوعي والاشتراكي: الشيوعية العائلية، الدينية أو العسكرية، إشتراكية الدولة (مصر)، …” فبدلك يؤكد أن هناك قوانين مرتبطة بالعمل والفكر لا يتقنها سوى الغرب اليوم، فهل تستطيع أمتنا الانعتاق من أغلال الماضي والقطع مع الفكر السلفي (الذي يعيق إلى جانب الفكر التقليدي ” الذي يقلد الغرب في نتائجه الفكريه لا في أسباب تقدمه” التقدم وصناعة الحضارة.).

الوعي الفقير العمود الفقري لتنظيم الدولة الاسلامية

لا يمكن ل “الوعي الفقير” بتعبير بيير بورديو، إلا أن يلجأ إلى العنف والقتل وتجارة المخذرات والدخول إلى عوالم مظلمة وقاتمة. إنه الوعي الذي يعاني منه كل من يناصر داعش ومثيلاتها، الذي يغذيه الاعلام البئيس عبر تمكينه لشروط قيام تنظيمات جهادية من تغذية البؤس الاجتماعي وصناعة الوعي البائس.

وبدلا من الوعي بهذا البؤس الاجتماعي “باعتبار أن الوعي به مدخل رئيسي لقيام تمرد حقيقي على الانظمة الاجتماعية والسياسية القائمة”، يتم إعادة صناعة إديولوجية تدميرية أخرى معاكسة للنظام وخادمة له في آن واحد ” حالة النظام السوري وتنظيم داعش.
إنها حالة من التنقاض الذي يسجده الصراع التاريخي بين القديم والجديد، وفي هذا الصدد كتب عبد الصمد بلكبير مقالا مهما ويعد مفتاحا لفهم ما يجري من تحولات سياسية وثقافية على ارض الواقع يقول في مقاله ” جدلية الجديد والقديم ” ففيه يقول (حيث يموت القديم ويضمحل بفعل تناقضاته الداخلية وصراعه الانتحاري وأن يأتي الجديد بديلا منبثقا من القديم دون صراع مباشر بينهما..كلما جاء استعمار على نمط جديد يعقب استعمارا قديما لا بمواجهة ميكانيكية بينهما بل بجدلية، لعب فيها الصراع الانتحاري للقديم الدور الاهم في إضعافه وفي تهميشه ثم في انهياره لاحقا ( = الاستعمار القديم )).

ويضيف ” لقد تمكن القديم اليوم من الاستمرار، لا بفعل مقوماته الذاتية ، وإنما خاصة ، بفعل قدراته الجهنمية على اختراق الجديد وتعطيله من الداخل ، وذلك بإفساده ، واصطناع وتفجير تناقضاته .. سواء ثقافيا وفكريا وإعلاميا.. أو تلغيم أحزاب التقدمية في الغرب الرأسمالي، او خاصة المؤامرات (انقلابات-حروب-اغتيالات…) التي تعرضت لها شعوب ودول الجنوب وحركاتها ورموزها التقدمية، او لاحقا ما دعي زورا وبهتانا ب”ربيع” أوربا الشرقية والهزيمة المؤقتة لاشتراكية الاتحاد السوفياتي ..”، والذي استخلصته من هذين القولين هو أنه من خلال فهم التناقضات القائمة في العالمين العربي والاسلامي من خلال جدلية صراع القديم والجديد ، يتبين أن تاريخ الدولة الاسلامية هو عينه تاريخ أزماتها، غير أن الأزمات تحيي أو تميت، وهذه الراهنة (= داعش ومثيلاتها الاستبدادية) هي من النمط القاتل ، ذلك لأنها شاملة ومتواصلة وختامية، لقديم تأخر انسحابه من تاريخ ” التراثية والمحافظة السياسية ..”، لم تعد له فيه فضل قيمة، بل العكس أضحى يعرقل تقدمه .. وبالتالي فداعشي هي أخير أزمة قوية ستتعرض لها الأمة الاسلامية لينذر ذلك بميلاد جديد لمدنية حقيقة.

هذه المدنية ستبني على اختيارات عقلانية وعلى الاعتراف بالحقوق، كما يؤكد الان توران ( إن المجتمع الحديث يتأسسان على مبدأين ليسا من طبيعة اجتماعية هما : النشاط العقلي والاعتراف بالحقوق العامة لكل الافراد..ويردف ” لا تفاجئنا هذه الخلاصة، لأن الحداثة المكتملة لا يمكنها أن تكون إلا نقيضا للنموذج الطائفي ” ايران والسعودية : النموذجين السائدين على الشرق بقوة وفي المغرب الاقصى باقل “..إن فكرة العلمانية “laïcité ” لا تنفصل عن فكرة حقوق الفرد، ص 135 – ص 136 ).

إنه الأمل الوحيد الذي تبقى لدى هذه الامة وهو مصيرها الحتمي، إنه امل بناء دولة مدنية أساسها العقلانية والحقوق العامة للأفراد.