أطفال السودان.. “ملائكة” في جحيم الأزمات

كثيرة هي تبعات النزاعات الدامية، على الأوطان والمجتمعات بشكل عام، ما يجعل عمليات التعافي منها في الأمدين القريب والمتوسط، شبه مستحيل.
وفي السودان، تستمر الحرب الدامية منذ منتصف إبريل 2023، وتسببت في مقتل عشرات الآلاف، وتشريد الملايين، مع تدمير المنشآت الخدمية، والمجاعة.
تضرر الشعب كثيرا، وانعكست تداعيات الأزمة بشكل مقلق على الأطفال، إذ يوجد أكثر من 640 ألف طفل سوداني دون سن الخامسة، في مرمى خطر الجوع والمرض، مع تفشي مرض الكوليرا في ولاية شمال دارفور غربي السودان، وفقا لتقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة لحماية الطفولة “يونسيف” 3 أغسطس الجاري .
وقالت المنظمة، إنه “منذ اكتشاف أول حالة في 21 يونيو/ حزيران الماضي، تم الإبلاغ عن أكثر من 1180 حالة إصابة بالكوليرا، بينها نحو 300 حالة بين الأطفال، وما لا يقل عن 20 حالة وفاة، في منطقة طويلة بولاية شمال دارفور”،.
ممثل اليونيسف في السودان شيلدون ييت، أشار إلى أنه بالرغم من ” أن الكوليرا مرض يمكن الوقاية منه وعلاجه بسهولة، إلا أنها تنتشر بسرعة في طويلة ومناطق أخرى من دارفور، مهددةً حياة الأطفال”، وطالب “بتغيير الوضع بشكل عاجل، والوصول إلى هؤلاء الأطفال المحتاجين الذين لا يمكنهم الانتظار يومًا آخر.”
وأكد العمل بلا كلل “مع شركائنا على الأرض، لاحتواء التفشي وإنقاذ الأرواح، لكن العنف المستمر يزيد الاحتياجات بوتيرة أسرع مما نستطيع تلبيته”.
في غضون ذلك، كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا)، قد أعرب عن قلقه إزاء ارتفاع حصيلة الجوع والمرض والنزوح في أنحاء مختلفة من السودان.
وقال فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة 30 يوليو إن الناس في ولاية شمال دارفور، “يموتون من الجوع وسوء التغذية. وقد أغلقت المطابخ التي تديرها المجتمعات المحلية أبوابها بسبب شح الغذاء، ولجأ بعض السكان إلى استهلاك علف الحيوانات.”
تصعيد ميداني
ووسط تحذيرات أممية من الكوارث الإنسانية التي يتعرض لها الأطفال، والشعب السوداني بشكل عام، يستمر قصف تجمعات المدنيين بشكل عشوائي من حين لآخر.
وفي آخر التطورات، نفذت مدفعية الفرقة الخامسة التابعة للجيش السوداني خلال الساعات الماضية، قصفًا مكثفًا على عدة مواقع شمال مدينة الأبيض، ما تسبب في عشرات القتلى، وفقا لصحيفة الراكوبة نيوز السودانية.
وقالت إن طيران الجيش، واصل غاراته على تجمعات مدنية “في مناطق الخوي، أبو زبد، النهود، والمزروب،”وهي أماكن تعج بتحرّكات المدنيين الأبرياء.
ومن حين لآخر، يكثر الجدل في السودان، حول اعتماد الجيش السوداني على الطيران الحربي، ولكن بعد تمكن قوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها من إسقاط المسيرات، تعرف السودانيون، على النوعية التي يشن بها غاراته، وهي “بيرقدار أكنجي”، تركية الصنع والتي تُعد من الطائرات الهجومية طويلة المدى وعالية الحمولة.
مسيرات تركية
وعن سبب حصول الجيش السوداني على هذه النوعية من المسيرات الخارقة، وغالية الثمن، كشف تقرير لواشنطن بوست، عن كيفية قيام شركة “بايكار”، أكبر شركة دفاعية في تركيا، بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني.
وكشفت وثائق المجموعة، تفاصيل مذهلة، كيف قامت بايكار “بتمويل الحرب الأهلية المدمرة في السودان، التي استمرت لمدة 22 شهرًا وأدت إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم. كما توضح كيف بنت صناعة الدفاع التركية علاقات مع طرفي النزاع.”
و“بايكار”، مملوكة جزئيًا لصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتعتبر “المورد الرئيسي للطائرات المسيّرة للجيش التركي، وأكبر مصدر دفاعي في البلاد. يمكن لطرازها المتقدم TB2 حمل أكثر من 300 رطل من المتفجرات، وهو مصنوع باستخدام العديد من المكونات الأمريكية الصنع.”
وسلمت أسلحة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل إلى الجيش السوداني العام الماضي، بما في ذلك ثماني طائرات مسيّرة من طراز TB2 ومئات من الرؤوس الحربية.
وأشار تقرير الصحيفة، إلى “الإبلاغ سابقًا عن وجود أسلحة تركية في ساحة المعركة السودانية، لكن لم يكن ذلك بمثل هذا التفصيل، الذي يكشف عن هوية الوسطاء، وحجم الشحنات، وكيف تم تسليمها إلى منطقة نزاع نشطة رغم العقوبات الدولية.”
وأظهرت الوثائق أيضًا “التسهيلات التي يبدو أن السلطات السودانية تقدمها للشركات الأجنبية مقابل المساعدة العسكرية، مما يمنح لمحة نادرة عن عالم صفقات الحروب المظلمة.”
تحالف إخواني
الحضور التركي في الحرب السودانية من خلال دعم الجيش بالعتاد العسكري، يعكس مدى سعي أنقرة لدعم إخوان السودان من أجل العودة إلى الواجهة، بحسب مراقبين سودانيين
الباحث السياسي والصحافي السوداني محمد إلياس، يقول “إن المسيرات التركية تلعب دورًا محوريًا في حسم الحرب لصالح الجيش السوداني وجماعة الإخوان، هذا الدعم العسكري لا يعزز فقط من قدرات الجيش على الأرض، بل يعكس أيضًا التحالف القوي بين تركيا والعسكر في السودان.”
وأضاف في تصريح صحفي خلال شهر يناير 2025، إن “هذا الدعم ليس مجرد تقديم أسلحة، بل هو جزء من استراتيجية تركية أوسع تهدف إلى تعزيز نفوذها في المنطقة ودعم حلفائها”، وأشار إلى أن الدعم “يتمثل في تقديم الطائرات المسيرة والمعدات العسكرية الحديثة التي تُحدث فرقًا كبيرًا في ميادين القتال”.
ومن جهته قال المحلل السياسي هشام النجار : “تركيا تضررت كثيرًا من الثورة ضد نظام البشير، ومن مصلحتها استعادة الإسلاميين السلطة لمواصلة ما بدأته مع نظام الإخوان، ولذلك فهي تتماهى مع مخطط الجماعة للانقلاب على الثورة وعدم تمكين المدنيين الذي نتجت عنه الحرب الدائرة بكل حمولاتها وخلفياتها وتسليحها والدفع باتجاه استمرارها إلى حين إعادة الإخوان للسلطة والالتفاف على مكتسبات ومطالب الثورة”.
وأكد النجار، أنّ تركيا مستفيدة من الحرب في السودان، وأضاف: “بالمنطق وعبر تأمل تسلسل الأحداث، فإنّ تركيا تضررت كثيرًا من الثورة، لأنّها أنهت حكم نظام أقامت معه اتفاقيات جائرة كانت بموجبها تفرض وصايتها على طرف ضعيف لاستنزاف ثروات البلد الغني زراعيًا والغني بالموارد وصاحب الموقع المتميز على البحر الأحمر، وبدون شك فهي مستفيدة من الحرب التي حالت دون المضي في طريق التحول إلى الديمقراطية، وتهميش النظام القديم والتمكين للقوى المدنية”.
وقال إنّ “سطو تركيا على بعض موانئ السودان الاستراتيجية واحتلالها مثل ميناء سواكن أثناء حكم جماعة الإخوان بزعامة البشير، يعبّر عن استعمار مقنع يستفيد من خلاله النظام التركي من المحاصيل والثروة مقابل إضفاء الشرعية على حكم الإخوان المرفوض شعبيًا”، وأشار إلى أنه يرجح أن “تكون تركيا تلعب دورًا سلبيًا من أجل استمرار الصراع بهدف منع التحول الديمقراطي وعدم اكتمال مسار تهميش الإخوان والإسلاميين، وهو الذي حال دون استمرار الوصاية التركية على السودان”.
اترك تعليقاً