وجهة نظر

لماذا “قافلة المصباح”؟

ليس من المبالغة في شيء، القول بأن سنة 2005 شكلت سنة استثنائية في الحياة البرلمانية المغربية، حيث انطلقت خلالها مبادرة تواصلية غير مسبوقة، لقيت إشادة وتنويها من كافة المتتبعين المنصفين، بالنظر إلى طبيعتها، والأهداف التي سطرتها سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد.

وكان فريق العدالة والتنمية الحديث العهد نسبيا في العمل البرلماني، وراء هذه المبادرة الخلاقة، واختار لها اسم “قافلة المصباح”، و اعتُبرت حينها تحديا في إخراج عمل النواب البرلمانيين من دائرة الصورة النمطية التي واكبته، إما بسبب سلوكات عدد من البرلمانيين والأحزاب، أو التي أُلصقت به بسبب إعلام مغرض ووسائل دعاية غير بريئة.

كما اعتبر الفريق “قافلة المصباح” عربون وفاء للمواطنين الذين منحوا أصواتهم لحزب العدالة والتنمية، ووعْد بالاستمرار على نهج تواصل القرب الذي ارتضاه الحزب طواعية وبشكل إرادي، تثمينا للدور الذي ينبغي أن يلعبه المواطن في المشهد السياسي، وكذا تكسيرا للتعتيم الإعلامي العمومي وغيره الذي مورس على أنشطة فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب خلال بداياته، ورغبة في الوقوف على مشاكل البلاد في مواقعها، والنزول إلى القرى والمداشر كما الحواضر لرصد المشاكل والخصاص والمعاناة ميدانيا، ونقلها إلى حيث يُمكن أن يُتخذ القرار العمومي بشأنها، وترجمتها عبر الآليات القانونية التي يُتيحها الدستور للبرلمانيين، إلى ممارسة تربط المواطنين بالمؤسسة التشريعية، وتوضح لهم حدود وإمكان تدخلها، تصحيحا للعلاقة التي ظلت تربط هذه المؤسسة بعموم المواطنين.

واستمر فريق العدالة والتنمية على نهجه التواصلي الفريد، الذي يختار له فترة محددة بين دورتي البرلمان، والتي كان الاعتقاد السائد هو أنها فترة راحة وعطلة للبرلمانيين، فنظم الفريق في كل سنة منذ 2005، قافلته التواصلية المتميزة، عبر تراب المملكة، جاعلا لكل دورة شعارا منسجما مع فلسفتها ومع الأهداف المسطرة لكل دورة.

وخلافا لما كان يُعتقد أن انتقال حزب العدالة والتنمية من موقع المعارضة إلى موقع التدبير المباشر للشأن العام الوطني، عقب فوزه التاريخي في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها لسنة 2011، سينهي “قافلة المصباح” ويضع حدا لدوراتها، أبى فريق العدالة والتنمية إلا أن يكذب التوقعات ويجدد الصلة مع المواطنين في الدورة السادسة للقافلة والتي كانت بطعم خاص فرضه الموقع الجديد للحزب في المشهد السياسي، وكذا المستجدات التي عرفها المجتمع بعد الحراك الاجتماعي الذي عرفته سنة 2011.

وكرست الدورة السادسة لقافلة المصباح، الحاجة الماسة إلى تعميق التواصل المباشر مع المواطنين، بغض النظر عن الموقع السياسي، بل كشفت أنه ضرورة من موقع التدبير، بما يُتيحه من زاوية نظر مخالفة لما كان عليه الأمر من قبل، ومُساعدة على تتبع تنزيل ما يتم تقريره من برامج وأوراش، ورصد مدى وصول ثمارها إلى حيث يجب أن تصل، وأين يقع الخلل بالضبط الذي كان يجعلها حبيسة الشعارات والرفوف في أحيان كثيرة.

ومن هذا المنطلق أصر فريق العدالة والتنمية على الاستمرار في إحياء سنّة القافلة، والوصول إلى أكثر المناطق بُعدا وأكثرها تهميشا وخصاصا، وفعلا كذلك كان، فنظم الدورة السابعة والثامنة، بشعارات مرتبطة بتحديات المرحلة، والتي أفرزها التدافع السياسي مع الفساد المتراكم على الصعيدين الوطني والمحلي، ولعل التجاوب الكبير للمواطنين، مع فعاليات القافلة في دوراتها الثلاث المنظمة بعد تولي الحزب مسؤولية رئاسة الحكومة وتدبير قطاعات وازنة، أظهر نجاعة المبادرة من أصلها، وكشف صوابية قرار الاستمرار على نهجها وتطويرها لتصل إلى مساحات إضافية داخل رقعة البلاد والانفتاح على كل الفئات، أداء للواجب ووقوفا على المنجزات الملتزم بها في إطار البرنامج الحكومي وفي المخطط التشريعي، وتسويقا للمجهود الكبير الذي يبذله الفريق ضمن دائرة الاختصاص المخول دستوريا لأعضاء مجلس النواب، ومساهماته الخلاقة داخل أشغال المجلس جلسات عامة ولجان دائمة، أو خارج المؤسسة.

واليوم وبعد أشهر من نهاية الولاية التشريعية التاسعة، يجدد فريق العدالة والتنمية العزم على الانتشار في كل بقاع المملكة للاستماع إلى صوت المواطن الذي لا يمكن أن تكون قائمة للوطن بدون أخذ رأيه بعين الاعتبار، والاستمرار في تتبع كل صغيرة وكبيرة متعلقة بوصول عائد الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد خلال هذه السنوات، إلى مستحقيها وكشف مكامن الخلل مؤسساتية كانت أو قانونية أو بشرية، وقياس مؤشرات الرضى والتجاوب مع الإصلاحات.

ويأتي تنظيم قافلة المصباح في دورتها التاسعة هذه السنة أيام 24 و25 و26 و27 مارس، في سياق سياسي يطرح تحديات كبيرة، تتطلب تعميق الوعي بمتطلبات المرحلة وترسيخه، وتقوية التعبئة المجتمعية لمواجه هذه التحديات، خدمة للوطن ومستقبل الانتقال الديمقراطي، ومستقبل الإصلاحات التي انطلقت، وترصيدا للمكتسبات السياسية والحقوقية والاجتماعية، خاصة أنها تأتي بعد النجاح الكبير للمغرب في ربح رهان الانتقال إلى مستوى مهم من دمقرطة الانتخابات ونزاهتها، وضمان انعكاس الإرادة الحرة للمواطنين على المُخرج الانتخابي، وهو ما تجلى في نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية لـ 4 شتنبر 2015، والتي عززت الموقع الريادي لحزب العدالة والتنمية، ومكنته من نيل ثقة المواطنين لتسيير كل المدن ذات الرمزية وغيرها من الجماعات التي تجاوز عددها 200 جماعة ومقاطعة.

كما يأتي تنظيم قافلة المصباح في دروتها التاسعة، في سياق الشروع في تنزيل الجهوية، عقب خوض تجربة الانتخاب المباشر لأعضاء المجالس الجهوية لأول مرة، مع ما يطرحه ذلك من مسؤوليات على المنتخبين الجهويين لتطبيق الاختصاصات التي يخولها لهم القانون التنظيمي للجهات.

وستجوب القافلة كما جرت بذلك العادة، أكبر عدد ممكن من المناطق، ومن الجماعات الترابية خاصة ذات الطابع القروي التي يشرف الحزب على تسييرها، ويُشارك في تسييرها.

وسيعمل أعضاء الفريق خلال هذه الدورة على تقديم حصيلة الفريق لهذه الولاية التشريعية، وقياس آراء المواطنين حولها، ومدى تفهمهم لمختلف الإكراهات التي حالت دون تحقيق كل الآمال والطموحات المشروعة سواء للفريق أو لعموم المواطنين، على أمل أن تكون هذه الدورة مناسبة أيضا لتأكيد عزم الحزب على مواصلة طريقه المناهض للفساد والتحكم ومختلف صور الهيمنة في المجال السياسي، وإعطاء الفرصة للشعب ليكون كما نص على ذلك الدستور مصدرا وحيدا للسلطة.