وجهة نظر

الحياة الزوجية بين النظري والواقع العملي

يقول المثل المغربي المعروف: سوّل المجرّب ولا تسول الطبيب، بداية أود أن ألفت انتباه القارئ العزيز، أن غمار الكتابة عمل ليس سهلاً، فكل يوم تراودك فكرة تعكف عليها مِن أجل وضع بصماتك في موضع معين، وأحيانا تكون فريسة استفزاز معين يجعل من فكرك ينقل السيالة العصبية إلى أناملك لتشرع في تدوين الأفكار، هذه اللحظة خطر ببالي هذا الموضوع نظراً لأهميته، فبناء المجتمع السليم لا يكون إلا ببناء لبنته، تخيل معي أخي وأختي مجتمعا مغربيا، فيه أسر تنهل من المعين الذي لا ينضب، عنوانها قول الله عزوجل:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجاً لتسكنوا إليها)، مجتمع يجعل من مؤسسة الزواج مصدر البناء، فهل سنجد التلوث الأُسَري في مجتمعنا؟

مما لاشك فيه أن أغلب الأمراض التي يعاني منها مجتمعنا، تنطلق من الأسرة، لأن المقصد الشرعي من الزواج يغيب عن ذهن أغلبية المقدمين عليه.

لدينا قانون شرعي ووضعي يأطر العلاقة بين الزوجين، هذا من الناحية النظرية، لكن تنقص بعض الناس الهمّة وتفعيله من الناحية الواقعية، فأول سؤال ينبغي على الزوجين الإجابة عنه، ماهي غايتهم من هذا الميثاق المقدمين عليه؟

فبعض الناس ليس لديهم هدف ولا مقصد من الزواج، إنما هي نزوات يريد تفريغها، فتجد الزوجين لا يتحملون مسؤولية بناء المجتمع، بقدر ما يكونون معاول هدم، كحالات الطلاق التي تعطينا جيلا من المهزوزين نفسيا، والمشردين الذين يصبحون عالة على المجتمع، ومصدرا للجريمة داخل الوطن، أمام هذه الظواهر الخطيرة يتعين على الدولة أن تأخذ بالحزم في تأطير مؤسسة الزواج، هذا إن كانت للجهات المسؤولة عن الأسرة رغبة في النهوض بالمجتمع، ومن جملة ما يقترح فعله للتقليص من المشاكل الزوجية ما يلي:

– تأهيل المقبلين على الزواج، بتأطيرهم في دورات تكوينية، وتعريفهم بالمقصد الشرعي من الزواج، فقد كانت للمجلس العلمي المحلي بمدينة اليوسفية بادرة طيبة بتأطير المقبلين على الزواج بمحكمة الأسرة، لكن مع كامل الأسف لم يستمر هذا العمل بشكل دائم، فالغرض من الزواج هو الدوام وبناء المجتمع، وليس عقدا مؤقتاً لمدة شهور أو بضع سنوات.

– ما دام الإعلام من أهم الوسائل التربوية، حبذا لو اهتمت الحكومة به، وقدمت للمواطنين برامج هادفة يستفيد منها المقبلون على الزواج، بدلا من نشر ثقافة الميوعة والبرامج السخيفة، وأفلام ومسلسلات بدون مضمون ولا مقصد.

– تدريس مادة تهتم بالتربية الجنسية، والعلاقة بين الزوجين من الناحية الشرعية خاصة في مرحلة الإعدادي والثانوي، لما لهذا الأمر من أهمية بالغة، ولأن الفرد يمر من مرحلة عمرية صعبة، يتكون فيها مسار حياته إما إيجاباً أو سلباً، ولا ضير إن درست بعض المناهج التربوية المعاصرة، شريطة أن لا تكون معارضة لهويتنا الثقافية والإسلامية.

فمن يتأمل واقعنا اليوم، سيشاهد العجائب والغرائب في شبابنا، حيث انتشر الفساد، وقلت المروءة، وانعدم الحياء…فعندما يتم تأطير الشاب في مرحلة عمرية متقدمة، فيعلم أن مؤسسة الزواج هي الوحيدة التي يمكن للمسلم أن يصرف فيها شهوته، وأن ما يكون خارج الزواج يعد حراماً، وفيه عقاب شديد، نكون إذن قد زرعنا حس الرقابة الإلهية في الشاب، وتكون الدولة بهذا العمل قد أدت رسالتها.

– قديما كانت للمسجد رسائل تربوية عديدة، فيه تقام الصلاة، وتحل مشاكل الناس، ومنها تنطلق الغزوات، وفيه يتعلم الناس العلم ويتخرج منه العلماء، فعلى الوزارة المعنية أن تكون لها اليد في توعية النَّاس بأهمية تكوين الأسر وفق أحكام الشريعة الإسلامية، لأن حض الكثير من الأزواج قليل فيما يخص المعارف الشرعية والأحكام الفقهية المرتبطة بالعلاقة الزوجية.

وَمِمَّا يجب أن أشير إليه هنا: أن مقاصد الإسلام من تكوين الأسرة الاستمرار في أداء الرسالة الحضارية لتحقيق مفهوم الأمة الشاهدة، و تكوين الأسرة لا ينحصر فقط في دائرة هذا حلال وهذا حرام، لكن المتأمل في الآية السابقة، سيجد لتسكنوا، ومودة، ورحمة، في مكان واحد وسياق جميل، فالسكن في الآية يقصد به الميل والمعاشرة والألفة بين الزوجين، وما يجب التنبيه عليه هنا أن كثيرا من العلاقات الزوجية بدأت بالميل و التآلف، حيث نجد الرجل ضحى بمجموعة من الأشياء من أجل الارتباط بتلك المرأة، وكذلك المرأة تضحي بمجموعة من الأشياء من أجل الاقتران بذلك الرجل، والتضحية هنا من طبيعة الحال ليست مخالفة للشرع، فعندما يتوج الميل النفسي والتآلف والإنسجام الفكري بالزواج، تكون النتيجة إيجابية في عملية البناء، ويتحدى الزوجين العراقيل المادية والمعنوية.

وما يجب أن نذكر به الزوجين أنهما ليسوا ملائكة، فيعتريهم الخطأ والصواب. لكن الأسرة الناجحة هي من تحقق النجاح في تدبير الاختلاف، وتحويل الخطأ إلى صحيح، واستثمار النصوص الشرعية في التأطير الفكري للأسرة، فيتأثر الأولاد بذلك فيحاولون تقليد الآباء في معاملاتهم الإيجابية وينتقدونهم في الأمور السلبية.