وجهة نظر

إلا المس بالوحدة الترابية للوطن

ليس هناك عُرف أو دين أو عقيدة أو فكر يبرر للشخص الإساءة إلى الوطن… إنه العار نفسه أن يفعل ذلك في حق وطنه، فلا تُقبل أعذار من يرتكب ذلك، وبأي ذريعة، لأنه عمل في منتهى القبح، إذ لا يمكن لأي شيء أن يسوِّغَه فأحرى أن يبرِّرَه. فالوطن لا ينسى من يغدره سرا أو علنا، وإذا ما تم الصفح رسميا، لسبب أو لآخر، عمَّن يغدرون به، فهو والتاريخ لا يصفحان أبدا عن هذه الخطيئة، ولا يَمحو مرتكبَها من ذاكرتهما مَوتُه…

فقبل أسبوع صوَّتَت شبيبة “الزعيم إدريس” لصالح شبيبة “البوليساريو” في مؤتمر “منظمة الشباب الاشتراكي العالمية” الذي انعقد بألبانيا. ويشكِّل هذا التصويت لصالح الانفصاليين تزكية لمشروعهم الانفصالي الذي يسعى إلى ضرب وحدتنا الترابية في الصميم، ما يعدُّ تصويتا ضد الوطن والشعب ومستقبلهما…

وقد مضى أسبوع على هذه الكارثة، دون أن يقدم “الزعيم” لحدِّ الآن أي تصريح ولا توضيح حول حيثيات إساءة “شبيبته” لوحدتنا الترابية في ألبانيا. ونظرا للارتباط المتين بينه وبين هذه الجماعة التي لا تشكل سوى أقلِّية قليلة، وبالتالي لا تمثل “شبيبة الاتحاد الاشتراكي”، ومع ذلك لا تتوانى في رفض توجه الحزب واختياراته وقِيَّمه، فإن سلوك صاحبنا هذا يعني أنه يعيش في أزمة كبيرة لأن الحجة تعوزه. ومما يؤكد تورُّطه في هذه الكارثة تصريحات عضوين من المكتب السياسي مقرَّبين جدا منه، سعَياَ من خلالها إلى الردِّ على المناضلين والمواطنين الذين أدانوا تصويت وفد شبيبته على البوليساريو، فقالا: “دعونا نعانق البوليساريو ونصوت عليه…”، “إننا صوَّتنا لصالح البوليساريو، ونتحمل مسؤولية ذلك”… كما أن مناضلي الحزب مقتنعون بأن الوفد الذي شكَّله “الزعيم” لا يمكن أن يفعل ما ارتكبه إلا بأمر منه، لأن أغلبية أعضائه يلازمونه ليل نهار، لما يغدق عليهم من مال وشتى أنواع الأكل والشراب…

ويُجْمِع الرأي العام المغربي على أن هذا التصويت لا يمكن إلا أن يعني أنَّ الزعيم أراد من خلاله أن يقول إنَّ الذين ينازعون بلدنا في وحدته الترابية هم على صواب، وأنه كان على خطأ عندما كان يُناهضُ ادعاءاتهم سابقا. وبوهمه هذا، فهو يساهم في توفير الشروط لهم لكي يتمادوا في التآمر على الوحدة الترابية المغربية، بل يمكن القول بأن هذا التصويت ينطوي على أبعاد دولية، ويمكن أن يجرَّ على البلاد تبعات سيئة، لأنه يشكل اعترافا أمام العالم بأن المغرب مُعْتَدٍ وجبهة البوليساريو معتدَى عليها. كما يُعتبر التصويت نفسه انقلابا في قِيَّم الزعيم وموقفه من قضية وطننا الكبرى وإعلانا للعالم عن تغيير موقفه لصالح أعداء الوحدة الترابية لوطننا، وبالتالي فهو بمثابة تقديم نقد ذاتي واعتذار صريحين من جانبه لما يسمَّى بـ “جبهة للبوليساريو” وللجزائر راعيتها وولية أمرها. ناهيك عن أنَّ التصويت على أعداء وحدتنا الترابية يعني في حد ذاته اعترافا صريحا بهم وبمشروعهم وبأطروحتهم الانفصالية.

إضافة إلى ذلك، يؤدي هذا الفعل إلى ترسيم أطروحة الانفصال في “منظمة الشبيبة الاشتراكية العالمية”، ممّا يُمهِّدُ تدريجيا لترسيمها في منظمات عالمية أخرى. لكن الخطير في الأمر هو أنه يستحيل تصحيح هذه الوضعية على المدى القصير أو المتوسط. لذلك، فما نسيه – أو تناساه – “الزعيم” هو أنه قد ساهم في خلق خصم للمغرب داخل هذه المنظمة العالمية، ما جعله عمليا منخرطا في مسلسل الذين يسعون إلى ضياع الصحراء المغربية منَا ويعملون منذ عقود لتحقيق هذه الغاية…

وبذلك يكون صاحبنا قد ساهم، عن وعي – أو عن غير وعي – في الإجهاز على حق المغاربة في الوحدة الترابية لوطنهم، ما يشكِّل خروجا على إجماع الشعب المغربي عليها. وإذا كان البعضُ يرى في ذلك تعبيرا عن رغبة الزعيم في تقزيم الوطن عبر تجزئته، فإنهُ يبدو لي أن الزعيم، بفعلته هذه، لا يعي أنه بإساءته للوطن إنما يسيء لذاته أولا وقبل كل شيء. فهو يتألم اليوم لعزلته وانفضاض “أصدقائه” من حوله وتركهم إياه وحيدا، إذ لم يعد قادرا حتى على مغادرة إقامته خوفا مما يمكن أن يصيبه من مواطني ووطنيي وطننا…

قد يقول هذا “الزعيم” إنه لم يرافق وفد شبيبته إلى ألبانيا، وقد يدَّعي أن أعضاءه غدروا به، لكن مثل هذا كلام مردود عليه ولا يمكن أن يقبله عاقل، لأنه يتحمل المسؤولية السياسية لما حدث، ولا يمكنه أن يتملَّص إطلاقا من نازلة تصويت أعضاء وفده على البوليساريو بالإجماع.

يتناسى الزعيم أن كل الذين يشاركون في المؤتمرات الدولية يعلمون أن منظماتهم تتوصل بتاريخ انعقاد هذه المؤتمرات واللقاءات والندوات ومكانها وجدول أعمالها وقائمة الأفراد والمنظمات المشاركة فيها…، مما يدلُّ على أن صاحبنا كان على علم بذلك كله. وما دام الأمر يتعلق بمؤتمر اعتدنا فيه على محاولة خصوم بلادنا باستمرار للنيل من وحدتنا الترابية، فمن الأكيد أن هذا “الزعيم” هو من شكَّل الوفد الذي مثَّل بلادنا، بل إنه قد اجتمع بأعضائه وأعطاهم توجيهاته، وكان على اتصال بهم خلال فترة وجودهم بألبانيا، ما سيجعل المواطنين يستنتجون أنه كان متتبِّعا لكل شي وعلى علم به، وسيحمِّلونه المسؤولية السياسية عن إساءة وفد شبيبته للوطن ولوحدته الترابية.

لقد تم ارتكاب هذا الفعل الكارثي في حق الوطن في ظل ظروف تتربص فيها جهات عديدة بالوحدة الترابية المغربية، حيث قطع المغرب علاقاته مع الاتحاد الأوروبي بسبب مسايرة بعض أعضائه للأطروحة الجزائرية ضدنا، كما أن المغرب غادر قبل ذلك “منظمة الوحدة الإفريقية” دفاعا عن وحدتنا الترابية… ثمَّ إنَّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعرف تفتيتا بهدف تحويلها إلى مجرد قبائل وطوائف ومماليك تسهل الهيمنة عليها من قِبل بعض القوى العظمى… ونظرًا لتصويت وفد “الزعيم” ضد وحدتنا الترابية، فقد يُفهم دوليا بأن صاحبنا قد نجح في خلق شرخ في صفوف الإجماع الوطني حول مغربية الصحراء تمهيدا لتفتيت وطننا!!… بذلك، يكون هذا التصويت داخلا في هذا السياق حتى وإن لم يكن للزعيم وعي بتبعاته وتداعياته المحتملة.

كما أن التصويت نفسه ضد وحدة وطننا الترابية، هو اعتراف بعدم شرعيتها، وبالحقوق الوهمية لأعداء هذه الوحدة وخصومها، ومطالبة صريحة بتخلينا عن جزء من ترابنا لصالح ما يسمَّى بـ ” جبهة البوليساريو” والجزائر…

فضلا عن ذلك، يتضحُ من مختلف صور وفد “الزعيم” إلى مؤتمر “منظمة الشباب الاشتراكي العالمية” المنشورة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي أنّ أفراد هذا الوفد ظهروا ضعفاء أمام أعضاء وفد البوليساريو، حيث شوهدوا وهم يتودَّدون إلى هؤلاء ويستجدونهم لكي يصوتوا عليهم للوصول إلى نيابة رئيس هذه المنظمة، وكأنهم بدون قضية، ما جعلهم يبدون صغارا أمام أعداء وحدتنا الترابية… ويعود ذلك إلى أنَّ “الزعيم” قد أبعَد الأطر الحزبية التي تعرف ملف قضيتنا الوطنية معرفة جيدة وتتميز بنزوعها الوطني وسموِّ الخلُق، فأفرغ بفعله هذا لجنة العلاقات الخارجية للاتحاد الاشتراكي من مضمونها، وحوَّلها إلى مجرد وكالة أسفار سياحية لاستقطاب بعض الناس إلى صفوفه كي يحمي منصبه ويستقوي بهم ضد خصومه داخل الحزب… وهذا ما يشكل دليلا على انحراف الزعيم عن اختيارات المغاربة ومبادئ حزبه وضربه بتضحياتهما عرض الحائض.

يفسر مناضلو ومناضلات الحزب وأفراد المجتمع موقف “الزعيم” هذا بكونه ردّا داخليا على إخفاقاته الانتخابية الكبيرة ودُنُوِّ أجله السياسي، ما جعله ينخرط مؤخرا في مسلسل ابتزاز السلطة لكي تمنحه مقاعد في البرلمان تضمن له دخول الحكومة، لأن المقعد أحبُّ إليه من الوطن!!. لكن ها هو السحر ينقلب على الساحر، إذ لن يحصد صاحبنا من فعلته هذه إلا الشوك، لأنَّ لا أحد سيترشح معه، ولا أحد سيصوِّت عليه بعد ارتكابه لهذه الفعلة، وسيكون أكبر الخاسرين في الاستحقاقات التشريعية المقبلة…

ويُرْجِع الاتحاديون والمغاربة موقفهم الرافض لهذا الشخص إلى نرجسيته ومطامحه ومطامعه التي أصابته بالعمى، فأصبح يضع نفسه فوق الإرادة العامة للشعب المغربي. كما أنه لا يُعقَل توظيف الوحدة الترابية للوطن في المزايدات السياسية، إذ تقتضي الوطنية ألآٰ يكون الوطن محطّ مزايدات ومقايضات، لأن كل من يفعل ذلك يضع ذاته قبله وفوقه. فالزعيم يرغب في الاستفادة من الرّيع، ويعتقد أنه ما لم يتحقق له ذلك، فالحلّ يكمن في الإساءة إلى الوطن، وذلك على عكس الثقافة الوطنية السائدة في المغرب وكافة بلدان العالم التي تضع الوطن فوق كل شيء، وتجعل المواطنين مستعدين للتضحية بكل شيء من أجله…

ويعود سلوك “الزعيم ” وشبيبته إلى تجهيل النخب السياسية إلى حدّ أنَّ بعضها أصبح لا يجد حرجا في العمل ضد الوطن والمواطنين، كما يبدو من سلوك هذا الزعيم الذي انقلب على الوطن والمغاربة أجمعين. فالجاهل لا يملك قِيَّم الوطنية والمواطنة التي لا يمكن الفصل بينها وبين المعرفة…