وجهة نظر

المشهد السياسي المغربي، الإشكالات الموضوعية والذاتية

بعد صعود حزب العدالة والتنمية لإدارة شؤون البلاد برئاسة الأستاذ عبدالإله بن كيران، يظهر لعموم المغاربة تحولا كبيرا في الخطابات السياسية في مختلف المنابر الإعلامية، ومن حسنات هذه التجربة الحكومية أن ممارسة الفعل السياسي لم يعد حكرا على الفئة المثَقّفة فقط، بل كل المغاربة أصبح لهم رأيًا في المشهد السياسي المغربي، بعد ما كانت تطغى على الخطابات السياسية السابقة الرؤية السطحية ونخبوية الخطاب، فما إن تجلس أمام شاشات التلفاز لتستمع لتصريحات المسؤولين لا تقدر على فك طلاسم كلامهم، إضافة إلى غياب رؤية سياسية واضحة في معالجة الاشكالات الوطنية، ومن مخلفاتهم كثرة فيروسات الفساد وترهل الإدارة وضعف التسيير، حتى قيل أن المغرب على مشارف سكتة قلبية، وهذا في معناه السياسي الشلل الكلي لأجهزة الدولة، ولا نجادل إذا قلنا أن هذه الصورة القاتمة التي آل إليها البلد مما كسبت أيديهم، يقول الله عزوجل:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) الروم ٤١، فعندما نتناول أوضاعنا المزرية دون ربطها بمسبباتها الموضوعية، والدوافع الكامنة وراء انتشار الفساد، إما في طبيعة القوانين، أو في خرق ميثاق التعاقد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، يبقى البلد في تعداد الدول المتخلفة، ويكون الوضع الاجتماعي على فوهة بركان.

فمن الواجب الوطني على كل القوى السياسية، رصد أخطائها وتحليلها وإعادة تركيبها بما يضمن رؤية مقاصدية لحل الأزمة في الخطاب والممارسة، وعلى الحكومة والبرلمان القيام بالدور الفعّال في تسيير الشأن العام، والاهتمام بالكفاءات الوطنية، واعتماد النزاهة والمصداقية في تدبير الشؤون العامة.

انطلاقا مما صدّرت به هذا الموضوع يمكن أن نتساءل ماهي الأسباب الموضوعية والذاتية في تأزم المشهد السياسي المغربي؟

1-  الإشكالات الذاتية:

– طغيان خطاب الديماغوجية في التصريحات والمواقف لدى القوى السياسية، وعدم الوضوح الإيديولوجي في الموقف من الإسلام، حتى أن بعضهم في تصريحاته يصطدم مع عقيدة الشعب المغربي.

– هيمنة الزبونية والمصالح الشخصية في تولّي المناصب الحسّاسة، وهذا ضرب للمبدأ القرآني (القوي الأمين).

– ضعف التنسيق بين الأحزاب السياسية، هذا إن لم نقل غياب التواصل فيما بينهم، وهنا نستنتج الآية: (كل حزب بما لديهم فرحون) الروم ٣٢.

– غياب ما كان يسمى بالقواعد الثابتة، وقلة التنظير العلمي المستمر، والاكتفاء بالخطابات الموسمية في عرض البرامج، دون الإلتزام بالوعود والعهود.

– تراجع الأحزاب في المواقف والخيارات خاصة في بعض القضايا الوطنية.

– إهمال فئة الشباب في صنع القرار، والاعتماد عليهم فقط في رفع الشعارات أثناء الحملات الانتخابية، هذا إن لم نقل أن بعض الأحزاب لا تملك شبيبة حزبية.

– تساهل الأحزاب في منح العضوية، وهذا يخل بسمعة الإنتماء الحزبي، خاصة في الإنتخابات الجماعية.

كل هذه الأسباب الذاتية المذكورة على سبيل المثال لا الحصر، كانت وراء تمييع المشهد السياسي المغربي، وظهور الإنتهازية الحزبية، كما أفرزت لنا نخب سياسية (مفعفعة)، وهذا السلوك السياسي المشين سبيل إلى إجهاض الانتقال الديمقراطي في المغرب.

2- الإشكالات الموضوعية:

– ارتباط النخبة السياسية بالمستعمر، سياسيا، وفكريا، واقتصاديا، حتى أن بعضهم يرجع تراجع التعليم بسبب تعريبه، ويأكد أن تقدم التعليم رهين بفرنسته، وهذا ضرب للهوية الحضارية والثقافية للمغاربة.

– استمرارية العقلية الصدامية بين الأغلبية والمعارضة، دون استيعاب الواقع المغربي، ففي قبة البرلمان الهرج والمرج والمواطن في حكم المتفرج، المواطن المغربي ينتظر من القادة السياسيين حلول واقعية ملموسة، العدل، الكرامة، التشغيل، بنية تحتية قوية، وليس خطاب الرد والرد المضاد بين السادة النواب.

– ضعف اليسار المغربي، وإهتزاز بنائه الإيديولوجي، وانشقاق بنائه التنظيمي، حيث يوجد داخل كل حزب أحزاب.

– سقوط الأنظمة الشيوعية والاشتراكية وعلى رأسها الاتحادالسوفياتي وعزلها دوليا، في مقابل ذلك عرفت الساحة العالمية الهيمنة الأمريكية.

– حداثة تجربة الإسلاميين في تسيير شؤون البلاد، وما رافقها من معارضة داخلية وخارجية، كان سبباً، في تأخير الانتقال الديمقراطي والتقدم خطوتين إلى الأمام.

– غياب استراتجية اقتصادية للدولة من أجل ترشيد الثروات الوطنية، وتشجيع ثقافة الاستثمار بدل سياسة الاقتراض، والسعي لفك الارتهان بصندوق النقد الدولي، والاقتداء بالتجارب الناجحة مثل التجربة التركية التي استطاعت في ظرف وجيز فك عقدة الدين مع صندوق النقد الدولي، هذا دون أن نتكلم عن إنجازاتهم الأخرى في التعليم والاقتصاد والمجال الاجتماعي.

أمام هذه الإشكالات الخطيرة، يتعين على كل مواطن مغربي أن يكون عنصراً مؤثراً من خلال موقعه من أجل بناء الوطن، والتصدي للصراعات الحزبية الضيقة التي ستؤدي لا محالة، إلى التذمر الشعبي، وفقدان الثقة في الأحزاب والمؤسسات، وإلى التأزم الاقتصادي، والاحتقان الاجتماعي، وسيادة النرجسية في التسيير و التدبير وظهور ثقافة التبذير، وكل هذا طريق إلى تشويه البلد والإجهاز عليه، وتكرار للتجارب المجاورة الفاشلة.

فلا يسعنا إلا أن نتوجه إلى الله عزوجل أن يهيئ لهذا البلاد، أسباب التقدم والاستقرار، وأن ينتقم من الخونة الأشرار، أمين يارحمان وَيَا غَفَّار.