وجهة نظر

مذكرتي بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية

يعد التنصيص الدستوري على الأمازيغية لغة رسمية من أقوى التعديلات التي أتى بها الدستور الجديد. فأصبح بموجبه لزاما على الجميع الانخراط في ورش إعادة الاعتبار لها وتنميتها واعطاؤوها المكانة اللائقة بها,ويعتبر الاهتمام بالأمازيغية مسؤولية مشتركة من جميع المغاربة، وليست قضية الأمازيغ منهم فقط، بل الجميع عليه أن يحس بما وقع طيلة العقود الأخيرة، وبأن موقع الأمازيغية اليوم حال دون ما تستحقه بكثير..

لقد كان التمركز المفرط لنموذج الدولة المقصية والذي سيطر لفترة طويلة ولا زالا إلى يومنا هذا، دوره في تكريس توجهات تنمط المجتمعات ثقافيا ولغويا وفي سياسات تدبير الشأن العام. وأضر ذلك بالخصوصيات الثقافية واللغوية في كثير من الدول، وما الأمازيغية إلا واحدة منها. ولذلك تعبأت جهات دولية عديدة للدفاع عن الثقافات واللغات التي تواجه التهديد. ومن بين تلك الجهات منظمة اليونسكو التي رصدت في آخر أطلس لها للغات آلافا منها في وضعية الخطر، ومهددة بالانقراض في هذا القرن، ومع الأسف توجد من بينها اللغة الأمازيغية، وذلك بفعل التمدن والهجرة القروية وعدم الاهتمام حينا وبفعل التهميش حينا آخر. وهكذا أضحى الوضع اللغوي المتنوع في الأساس بسب تنوع الروافد الحضارية للمغرب، يتجه نحو اندثار مكون لغوي هو الأصلي تاريخيا.

إننا إذن أمام قضية كبيرة وخطر ذي بال، ونحتاج إلى تعبئة وطنية لوضع برامج كفيلة بتجنب هذا، ولا سبيل إلى ذلك إلا بمباشرة إجراءات العدالة اللغوية. فمن حق الأمازيغ أن يطمحوا لتكون لغتهم في المستوى ، وأن تكون لغة الحياة والمعرفة وتسمو إلى مصاف اللغات العالمية، وان يتفاؤلوا لرؤية الامازيغية في الدعوات الرسمية الموجهة إليهم من طرف الإدارة، وإن كان عدم وجود مقتضيات دستورية وقانونية في السابق جعلت المسؤولين في حل من الالتزام بأي برامج جادة في هذا المجال. وقد ظهر فعلا أنه على الرغم من الخطابات والتعهدات المقدمة، هناك من لم يهتم بإنجاح ورش تعليم الأمازيغية واعتبره عبئا لا واجبا وطنيا.

أما اليوم فإن الدولة ملزمة بالتدخل لإعطاء الأمازيغية المكانة اللائقة بها في المدرسة والإعلام والإدارة وغيرها، ولا يمكننا الحديث اليوم في مغرب ما بعد دستور 2011 عن الديمقراطية وفي نفس الوقت نقصي الأمازيغية ثقافة ولغة، فلا زال يسمع في الإعلام المغربي الشعوب العربية والمغرب العربي،…، فالانتقال الديمقراطي لن يكون سليما وحقيقيا إلا بإعطاء هذه الرسمية الحمولة الحقيقية على اعتبار أن الأمازيغية مرتكز رئيسي في الثوابت الوطنية وجزء أصيل وأساسي من الشخصية المغربية ورافد من روافدها تاريخيا وحضاريا وثقافيا ولغويا.

إن عدم الوعي بأهمية ما تكتسيه المرحلة بالنسبة للغة الأمازيغية بعد ترسيمها دستوريا، هو أصل النزاع الذي ثار وسيثار بين الفاعلين حول الأمازيغية، مع الدخول في صراعات جانبية قد تسئ اللحظة التاريخية التي يمر بها المغرب، وبالتالي يجب الحذر من الدخول في صراعات ثانوية وشاغلة.

وأشير هنا إلى خطابات تنحو واحدا من منحيين. الأول تقليل شأن المرحلة وإنكار معاناة الأمازيغية لغة وثقافة، وربما الإصرار على ألا يعكس القانون التنظيمي المنتظر في الموضوع القفزة التي أتى بها الدستور، بغض النظر عن الطريقة التي سيتم بها وضع القانون التنظيمي. المنحى الثاني إدخال الأمازيغية في الصراع السياسي والإيديولوجي بشكل سلبي أو وضع الأمازيغية والعربية في وضعية صراع وتقابل. ومع هذه الخطابات تتعدد الاتهامات والاتهامات المضادة والأمازيغية في نهاية المطاف هي الضحية.

فمن الضروري الاتفاق في قضية محورية مثل هذه على موقف وسط، جريء في الدفاع عن الأمازيغية لتتبوأ مكانتها اجتماعيا وثقافيا وإعلاميا وإداريا، والنأي بها عن طرفي الاحتقار والاستصغار من جهة، أو الربط بنزوعات التحكم السياسي أو التعصب من جهة أخرى.

لقد حان الوقت، إذا لم نقول قد فات منذ زمان، لنطرح موضوع القضية الأمازيغية بروح أخوية نسعى من خلالها إلى بناء مغرب مبني على العدالة والمساواة والديمقراطية الحقة.

وإن كانت هذه مسئولية مختلف الفاعلين والمجتمع المدني. فإن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يجب عليه القيام بدوره بعدما أصبح مؤسسة جامدة وعالة على الأمازيغبة، مدعو ليقوم بتنظيم حوار وطني مستمر، يشرك فيه مختلف الفاعلين، وتوضع فيه النقاط على الحروف الواحدة تلو الأخرى. ونظن أن سوء الفهم سبب رئيسي للكثير من ردود الأفعال السلبية، أو المشاحنات الجانبية.

كما أن القضايا الجوهرية المرتبطة بالنهوض بالأمازيغية يجب أن تكون موضوع توافق قادر على أن يحصن المغرب من النزوعات السلبية ذات اليمن وذات اليسار، وينشر الوعي الحقيقي بالقضية وتحدياتها، ويسهم في التعبئة لإنجاحها، إلى أن يعود للمجتمع المغربي توازنه اللغوي والثفافي الذي اختل بفعل مدد من الاستكبار وعدم الاعتراف بالأصل اننا أمازيغ بالفطرة في المغرب، ومن أجل هذا كله أقترح عدة مقترحات تساهم في إدماج اللغة والثقافة الأمازيغيتين في الحياة العامة، وهذا طبعا بعد تغيير العقليات المتحجرة تجاه الأمازيغية:

– المجال الحقوقي والحريات:
• تخصيص مترجم إلى اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية وخاصة المحاكم.
• إعطاء الحق للمواطنين والحرية التامة في تسجيل أبنائهم باسماء أمازيغية.
• عدم استعمال كلمة الشعب العربي لدى المسؤولين المغاربة تجاه الشعب المغربي.

– مجال السياسات العامة.
• وضع رؤية شاملة تجمع بين مختلف اللهجات المنضوية تحت اللغة الأمازيغية في الإعلام والمدرسة العمومية.
• إعادة برمجة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إبتداء من التوزيع العادل في الأطر وعدم سيطرة لهجة ما عليه.
• تكوين أائمة ووعاظ ناطقين باللغة الأمازيغية، وترسيمهم في المناطق الناطقة بها.
• تشوير المرافق العمومية والطروقات بلوائح مكتوبة بالأمازيغية.

– مجال الثقافة والإعلام.
• تغيير النظرة المستصغرة تجاه الثقافة الأمازيغية والأمازيغ.
• إعطاء الأولوية والأهمية للقيم الإيجابية للأمازيغ بدل سياسة الطارة والبندير.
• تأهيل القناة الأمازيغية وجعلها لكل المغاربة، دون سيطرة ثقافة ولهجة وحيدة عليها.
• عدم استعمال الشعب العر بي والمغرب العربي في الإعلام، واستبدالها بكلمات جامعة.
• دعم الباحثين وكتاب النشر باللغة الأمازيغية.
• دعم المهرجانات الثقافية الأمازيغية، وتنظيمها على مختلف جهات المملكة.

– مجال التعليم.
• تعليم اللغة الأمازيغية بتدرج بالحرف العربي موازة مع حرف تيفيناغ، في أفق ترسيم الأخير.
• إدراج مقرر اللغة الأمازيغية في التعليم الإعدادي والثانوي.
• تعميم تخصص الدراسات الأمازيغية في الجامعات المغربية.
• إعادة النظر في اللغة المدرسة حاليا، حيث تسيطر عليها اللهجة السوسية.