من العمق

بين العمق والغوغاء في نقاشات الشعب الفيسبوكي العظيم

يا شعب الفيسبوك العظيم، يا أصحاب عاصفة “جوج فرانك” وزوبعة “لا تنام إلا ساعتين” ونار الحقد التي اشتعلت حول “السوسي بشحال تيعيش” وهلم جرا، هل تعلمون أن فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم صرف 85 مليار سنتيم في ظرف سنة ونصف، وهو ما يساوي 5 ملايير و117 مليون سنتيم في الشهر، بمعدل 170 مليون سنتيم في اليوم؟، وهل تعلمون أن خانة من التقرير المالي لجامعة لقجع تضمنت مبلغ 36 مليون و361 ألف درهم وهو ما يقارب أربع ملايير سنتيم صرفت في إطار مختلفات وفي أقل من سنة، تحدث كل هذه المصائب ويا ليت كرة القدم المغربية “محمرة لوجه ودايرة الطايلة”.

شعب الفيسبوك العظيم، هل تعلمون أيضا أن هذه الجامعة هي فقط واحدة من أصل 36 جامعة رياضية ولحسن الحظ أنه تم سنة 2012 تخفيض عدد الجامعات من 45 جامعة إلى 36، وتم تحويل الأخرى إلى جمعيات، ثم لا أدري لما تحمل هذه الجامعات اسم رئيس الدولة؟ وهل يشرّف اسم رئيس الدولة مثل هذه الفضائح؟ ولما لا يكون حملها لهذا الإسم مدعاة لتسليط الضوء عليها أكثر؟ أم تستغل للتغطية على مثل هذه الفضائح؟

شعب الفيسبوك العظيم هل بلغ إلى كريم علمكم أنه وقبل أسابيع قليلة كان الوزير مولاي حفيظ العلمي مالك مجموعة التأمين سهام سيلتهم لوحده مبلغ 1.25 مليار درهم في غفلة من الجميع وخارج أي شفافية أو تنافس في عملية لم تخلُ من استغلال النفوذ ولعبة “دوز لي ندوز ليك، وعطيني نعطيك” كما حدث سابقا ما بين بنسودة خزين المملكة ووزير المالية آنذاك مزوار.

إن هذه الوقائع وما شاكلها تكشف بالملموس أن هناك مشكل حقيقي في مستوى وطريقة حضورنا على الفيسبوك، فهل يعقل مثلا أن تقيم الدنيا ولا تقعدها لأن أحدهم تحرش بقريبة لك ثم وبكل غرابة تصاب بالخرس لما تضبطه معها في حالة فساد، هل يعقل أن نعمل من “الحبة قبة” كما يقول مثلنا الدارج وعندما يتعلق الأمر بقضية تكاد تكون مصيرية في التدليل على حياة شعب من عدمها ندس الرؤوس في الرمال، وكأن الأمر لا يعنينا.

إن هذه الحالة المرضية لحضورنا على الفيسبوك تؤكد للأسف الشديد أننا عاطفيين غوغائيين نمامين ومتخلفين، وأن أقصر موجة وأخف ريح يمكن أن تجرفنا معها، كما تكشف هذه الحالة سهولة التوجيه والضبط والتحكم، وإلا كيف يمكن لعقلنا أن يفسر ملايين التدوينات والصور التهكمية والمشاركات والتعليقات ومواد السخرية بالفيديو والكاريكاتير وغيرهما كثير من الوسائل في قضية تهم زلة لسان أو خطأ في التعبير -مع أن هذا لا يعفي المسؤولين من الحذر وقياس ما يخرجون من أفواههم قبل النطق به-، ثم نبلع ألستنا ونجمع أيدينا من نقر الحروف حيال قضايا يعد النضال فيها استراتيجيا بلغة الثروة ومحاربة الفساد والكرامة والعدالة الاجتماعية وغيرها من الشعارات الرنانة.

إن سمعة الفيسبوك عربيا ومغربيا على الخصوص أصبحت في خطر، فبعدما كان الفيسبوك ومنابر التواصل الاجتماعي عنوانا للحرية والتخلص من الرقابة ومن ضبط السلطة وتضيقها الكبير على الناس، وأيضا كان له شرف المساهمة في ما وصف بالربيع العربي الذي ارتد عليه من نفس قوى الطغيان، قد يصبح اليوم عنوانا للتفاهة والغوغاء “وقلة لحيا والترابي معا”، هذه صرخة في وجه شعب الفيسبوك العظيم لعلنا ننتقل من الغوغاء إلى العمق؟