وجهة نظر

الجفاف والهدهد التائه

لاحظت و أنا أزور كل يوم بعضا من أعشاش الهداهد المغربية الناقلة ( جمع هدهد ) ، أنها أضحت في الأيام الأخيرة لا تتحدث عن السياسة و صراعاتها بل اختفى دلك اللغط السياسي المفتعل حيث احمَرت العيون و ابتُـلت بعض الذقون وهي مُحدقة إلى السماء .

مما جعل الهداهد في سباق هستيري بحثا عن نبأ عظيم ، اختلفت ألسنة و ألوان الهداهد في المغرب و كل هدهد يخفض جناح الذل لرحمة مُطعمِه بالحَبِ و الماء، الكل يهرول طامعا في إرضاء صاحبه بنبأ عظيم الشأن، و الكل يتنفس بعبارات أن السماء تعتصر في خريبكة و أن الريح قد حل في الناضور و أنها ستعصف في سلا .

قال جحا السلاوي :

في زمن الشعر قال آدونيس : إن العرب لم يتكلموا بعد، بيد أن الشارع العربي لا يماثله شيء في كثرة الثرثرة و الكلام و بعض من أبجديات الهداهد المذكورة ، بل هناك لغتان في واقع أمرنا، لغة يتكلمها الناس و لغة هي التي تتكلم الناس .
إن في القلب غُصة و في الكلام معان كثيرة فصبر جميل.

لقد تحولت عيون الناس من مراقبة الحكومة و ساستها لتلتصق مُحدقة في السماء بين الأمل و دموع لا يُقدِر قيمتها الحقيقية إلا ربها ، فما إن يحمل الهدهد خبره العاجل قائلا ” ظهرت، مرت ، حلت غيمة الرحمة ، حتى ترتفع الأصوات بالدعاء ” اللهم اسقنا غيثا نافعا و لا تجعلنا من القانطين ” .
الكل يعلم أنه قد نادى مناد لإقامة صلاة الاستسقاء ، وصل الدعاء و لم تستجب السماء ثم نودي في الناس مرة أخرى للجولة الثانية فاستجابت أرض الريف بدلا عن السماء ، ثم تساؤل ” ابن غريبة ” لماذا لم تتفاعل السماء و لماذا نابت عنها أرض الريف بالدمار و الهلع و زرع الرعب، فإذا بعضنا فكر وقدر ثم اعتلى المنابر فترتر واستكبر.

إن مشكلة الجفاف لا تستدعي قراءة أخرى لتاريخ المغرب و تعامله مع الجفاف بقدر ما إن نجالس بعض كبار السن بحينا الكئيب، حيث سندرك أن الجفاف بالمغرب ظاهرة ليست بالجديدة لكنها مخيفة مرعبة، كما أن المثير للاهتمام في القضية هو معرفة كيفية تعامل المغاربة معها فيما مضى أو في سحيق الأزمنة و هم ينتقلون بين رحمة الله و حسن تدبير الشأن العام على غرار نبي الله يوسف مع السنوات العجاف ، لقد كان المغاربة فيما مضى يخرجون لطلب الرحمة و الغيث يتقدمهم أطفال و وُجهاء و صُلاح و أئمة و الكل لابس لباسه ” بالمقلوب “، كإشعارة منهم بالخضوع و التدلل لرب الخليقة ” و هم يجوبون أزقة و شوارع البلاد حفاة شبه ” بُهالة ” …

” مولانا نسعاو رضاك و على بابك واقفين لا من يرحمنا سواك يا أرحم الراحمين “.
و ما إن ينفض ذلك الجمع العظيم ، حتى يبدأ المخاض الأعظم بين السحاب و ينزل المطر قبل أو عند العشائين لا أقل و لا أكثر و لأنهم أناس و قرية لا يفسق مُترَفوُها تجد رحمة ربك قريبة منهم.

لقد خضع المخلوق للخالق فهرول الخالق للمخلوق ، فلسفة يصعب تفهما من قبل بنو علمان ، لكن بنو علمان ضل معجب بجزء من النص المعجز المتعلق بحسن التدبير و التسيير من قبل يوسف عليه السلام و كيف تعامل مع الجفاف بأسلوب سياسي دنيوي محض .
و ليكن ، و كما قال الأستاذ جواهري : مهما كتبنا من نصوص دينية أو نقيضاتها إلا و أن المتـتبع البسيط لا يصيبه قسط من الفرح إلا عندما يرى على خريطة النشرة الجوية صور المظلات.

حلل كما شئت ما يهم في الأمر ، أن الله رحيم بعباده و بهيمته و إن ماتت عند أعتاب الجفاف و الجوع فهي رحمة شملتها راحة .
تَساؤلَ الهُدهد قائلا، ” إذا حل شهر أبريل و لم تستجب السماء من أين لي بجلب نبأ السحاب العظيم، كيف سأُرضي ولي نعمتي، كيف ستكون حال قريتي ؟؟؟

أجابه صياد النعام : حينما يطغى لَغَطُ المطر على لغط السياسة بشكل حاد، فاعلم حينها أن ” الموس وصل للعظم”.

ثم يسأله صياد النعام مرة أخرى : أين كنت في وقت كان الكل يغني” هادي ساعة مباركة مسعودة يا لالة “، لماذا تنقل لسيدك أخبار من سبق من الأمم قيما و تقدما و حسن تسييرهم و تدبيرهم، لقد سئم منك الناس و أنت جالس أو متجول مترقب بين مقهى ” بليما ” قبالة برلمان الأمة أو وراء ” الزرواطة ” أو بمقاهي النخبة لتشتري و تبيع سكنات و حركات و عثرات الحاكم بأمر الناس أو المحكوم بأمر الله ، ما أسبابك و دواعيك ، و أين كان موقعك في تلك الطوابير ؟

أجاب الهدهد بلام الجحود قائلا: كنت في المؤخرة أصارع للنيل بمقعد في المقدمة حتى نزل الجفاف مبعثرا أوراق الكل، الأسياد لا يخافون من الجفاف و لكنه خوف حاكم من محكوم، هو الجفاف فزع طويل الذراع.