وجهة نظر

عن مسيرة 24 يناير.. بين تناقض السياسات واقتباس الدلالات

دعت التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين، بعد انعقاد مجلسها الوطني في مرحلته الثالثة، إلى مسيرة وطنية ، ختاما لبرنامج نضالي عنوانه التصعيد، بعد خطوات نضالية من قبيل الاعتصام أمام النيابات الإقليمية، والأكاديميات الجهوية، ومبيتات ليلية، وإضراب عن الطعام لمدة 24 ساعة.

كل هذا يحصل ، والحكومة نائمة، والأزمة قائمة، ولم يكن ردها إلا ردا خفيفا عبر الوزير المكلف بالميزانية إدريس الأزمي، ليعلن على الملأ أن الحكومة عازمة على منع أي مسيرة غير مرخص لها، وأنه لا تراجع عن المرسومين، في حين أن الحوار جار وفق هذا الإطار.

من جهة أخرى، يعقد لقاء بين ممثلي النقابات، وممثلي المبادرة الوطنية، ووالي جهة الرباط سلا ، ولجنة الحوار عن المجلس الوطني للتنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين، ليلتمس منهم عدم تنظيم مسيرة 24 ، وكأنه أتى بشيء جديد ليقترح عليهم توظيف 10 آلاف أستاذ بعد اجتياز مبارتين.

إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أمور أهمها:

• أن الحكومة المغربية أصبحت لا تملك من أمرها شيئا، وقد أصبحت عاجزة عن تدبير ملفاتها، ولما “سخن راس” وزارة الداخلية عبر شكاوى ولاة الأمن من الخروج المتكرر والمحرج ، وربما المتعب للأساتذة للاحتجاج، رأت أنه من الأفضل لها أن تريح رجالها، وتستريح، عبر تدخلها في الملف، سواء أكان لها الحق في ذلك، أم لا، من باب كونها هي الخول لها التعامل مع ملفات الحوار الاجتماعي.

• لو صح أن الأمر متعلق بمنظمة “راكم عارفينها” لكان من النظام المغربي أن يخرج للشارع ويعترض سبيل المسيرة، ويغرق شوارع الرباط دماء، لكنه على علم مسبقا أن الملف ملف مطلبي، وأن الحكومة قد تورطت فيه عبر سقوطها في أخطاء قاتلة، لا على مستوى احترام القانون ولا على مستوى المصالح التي تزعم أنه تجلبها للمواطنين.

• يتعلق أمر الأساتذة المتدربين، أساسا بوزارة التربية الوطنية، وبعدها بوزارة المالية، إلا أن البطل الذي انبرى للدفاع عن المرسومين وكون غايتهما “رفع جودة التكوين” هو الوزير الأزمي المكلف بالميزانية، فهل تجري عليه الحكومة مقولة المغاربة “فكها يامن وحلها؟”

• ما يلاحظ، من خلال اللقاءات التلفزية، والبيانات الصحفية، أن الأساتذة المتدربين، يسبقون الحكومة بأشواط، لا على مستوى الحوار، ولا على مستوى التدبير، ولا على مستوى الاطلاع على القوانين والأوضاع الاقتصادية المحلية والدولية، وسياق فرض هذين المرسومين وفق هذه الأوضاع، وهنا يبرز تساؤل عريض : هل الحكومة حكومة الشعب وتتغيا مصالح الشعب وجلبها؟ أم الحكومة هي تلك العجوز التي ذهب الزمان بجمالها، وكل ذهنها، ولم تعد تصلح سوى لإمضاء القرارات الفوقية وتطبيقها على الفئات الشعبية.

• وبعد كل هذا، ورجوعا للتاريخ، وقد تبين للناس وللحكومة نفسها، أن الحراك لا يدعمه نظام ولا منظومة، وأن العنف قد حصل، وأن قنوات عالمية، ومنظمات أممية قد أدانت ما حصل ، أليس عارا على حكومة ـ بهذا القدر ـ أن تطمس هذا الملف، وتمارس التضليل الإعلامي عليه لتجاوزه .

• إنه من غير المقبول بتاتا أن يمر تعنيف الأساتذة المتدربين مرور الكرام، إن كل نقطة دم غالية على قلوبنا، وأنه لا فكاك إلا بعد تحقيق مطالبنا، ومحاسبة كل المتورطين في الجريمة الشنعاء التي ارتكبت.

• وأخيرا، أقول لإخواني من الأساتذة المتدربين: إن الدرس الذي ينبغي أن نعتبر به مما حصل ، هو كلمة واحدة ، يلخصها المثل العربي “ما حك جلدك مثل ظفرك ، فتول جميع أمرك بنفسك” وأن ملف الأساتذة المتدربين لن ينفع فيه إلا مواصلة النضال، وما لا يأتي بالنضال، يأتي بمزيد من النضال