وجهة نظر

تمثيلية الشعب بين الحقيقة والوهم

لا ينكر أحد كون الفيسبوك وما جاوره من مواقع التواصل الاجتماعي يشكل سلطة خامسة تجاوزت سلطة الصحافة، باعتباره ساهم بشكل كبير في تغيير أنظمة واسقاط اخرى في اطار ثورات سياسية في أكثر من بلد عربي .

وسلطة الفيسبوك لا تحتاج الى كل ذلك الجهد الذي يبذله الصحافيون و المتاعب التي تعترضه، وهم يقومون بالبحث عن الخبر ونقله، اذ يكفي أن تجلس في بيت أمام شاشة الحاسوب وتنشئ صفحة في دقائق ، وتكتب ما تشاء دون رقابة ، أو تدخل الى صفحات الآخرين وتعلق ما تشاء أن تعلق ، وتكتب ما تشاء أن تكتب . وبين هذا وذاك، تحصد اعجابات ، وربما تصبح مشهورا بحسب نشاطك ، أو بحسب عدد الجيمات التي تحصدها صفحتك.

ولهذا نقرأ في الفيسبوك : شخصية مشهورة ، أو شخصية عامة أو كاتب رأي وما الى ذلك من التعابير التي لا تنتهي.

مناسبة هذا الكلام ما لاحظناه مؤخرا من الخرجات الاعلامية للمسماة قيد مصداقيتها مايسة سلامة الناجي ، و الجدل الذي خلقته بادعائها تمثيل شعب الفيسبوك وناطقة رسمية باسم مئات الآلاف الذين جمجموا (على وزن الجيم أو الاعجاب) صفحها التي تكتب وتنشر فيها مقالات أقل ما يمكن القول عنها أنها متواضعة . وقد وصل الأمر بمن نفخوا فيها الى درجة الغرور حد استضافتها في برنامج مواطن اليوم لتحاور ممثلي الأمة الذين انتخبهم الشعب وتحاسبهم باسم سكان الفيسبوك وتبخس عملهم البرلماني ، بل وصل بها الحد الى مواجهة البرلمان ككل ومواجهة الحكومة و الأحزاب السياسية ، و التهديد بمقاطعة الانتخابات، وكأنها تملك آلة التحكم في الشعب المغربي لتمنعه من التصويت.

واذا افترضنا جدلا أن كل من أسس صفحة ونال بعض الاعجابات وبدأ يكتب بعض العبارات المكررة ، يمثل من أعجب بصفحته كما تدعي مايسة ( بغض النظر عن جنسية المعجبين، لأن صفحات الفيسبوك يراها العالم كله ويمكن لصفحة أن تحصد اعجابات خارج الوطن ، كما أن كل من أعجب بصفحة ليس بالضرورة يؤيد صاحبها ، اذ هناك من يحب فقط الاطلاع على ما يكتبه الآخرون) . اذا افترضنا ذلك وغصنا في أعماق هذا الكوكب الكبير و المعقد وقمنا بمقارنة صفحات هذه الكاتبة مع الحسابات و الصفحات الأخرى التي تهاجم روادها الآن فسنرى العجب.

ولنبدأ بصفحات هذه المدونة التي تدعي تمثيل سكان الكوكب الأزرق. أول صفحاتها تحت مسمى: مايسة سلامة الناجي (شخصية عامة) ، مجموع الاعجابات التي حصدتها هو386651 اعجاب، ثاني هذه الصفحات تحت اسم : مايسة سلامة الناجي(كاتب) حيت حصدت 16581 اعجاب ، وثالثها تحت مسمى : مايسة سلامة الناجي(صحفي)اذ لم تتجاوز 5679 اعجاب. هذا مع العلم أن الاعجابات التي نالتها الصفحة الأولى كانت قبل أن تغير وجهتها ، أي عندما كانت في صف المدافعين عن الحكومة .

واذا غيرنا الوجهة نحو الذين تنتقدهم الآن وتنتزع عنهم صفة تمثيلية الشعب فسنرى أنها تجاوزت بشكل كبير صفحات هذه المسكينة المعجبة بنفسها، ولنبدأ بصفحة حزب العدالة و التنمية التي تجاوزت 834852 اعجاب ، أما صفحة الأستاذ عبد الاله ابن كيران الذي لم يسلم من قصفها المتكرر، فقد تجاوزت أكثر من 219286 اعجاب منذ الساعات الأولى لإنشائها، اضافة الى العلامة الزرقاء، وصفحة شبيبة العدالة و التنمية 30668 اعجاب ، وصفحة الوزير مصطفى الخلفي 72678 اعجاب و اللائحة طويلة.

أما صفحات المواقع الالكترونية التي تتميز بشيء من المصداقية فانتشارها واسع النطاق، ولنبدأ مثلا بصفحة اليوم24 لنجد أنها تجاوزت 3554226 اعجاب اضافة الى شهادة الاعتراف لذى شركة الفيسبوك ، أما صفحة العمق المغربي فحصدت 75274 اعجاب , وصفحة الرأي 64852 اعجاب ، وصفحة جديد بريس 70841 اعجاب، وقس على ذلك صفحات كثيرة واسعة الانتشار.

أمام هذه الدراسة المتواضعة التي لم تحط بكل سكان هذا الكوكب الأزرق الكبير، يتبين أن موقع هذه الكاتبة المبتدئة وسط هذا الكم الهائل من الصفحات و الحسابات الفيسبوكيةلم يكن على الشكل الذي يسمح لها بالتبجح بشيء من الشعبية الوهمية داخل كوكب وهمي، لا يستطيع كثير من رواده التواصل مع الشعب ولا جمع ربع ما يتواصلون معهم من وراء الشاشات الصغيرة، كما نرى في المهرجانات التي يؤطرها الأمين العام لحزب العدالة و التنمية الأستاذ عبد الاله ابن كيران و الوزراء الآخرين مثل الاستاذ مصطفى الخلفي ، اذ يتقاطر عشرات الآلاف ، فقط حين يسمعون أو يقرأون اعلانا عن تنظيم مهرجان دون الحاجة الى تجييشهم أو اعتماد سياسة الانزالات التي ابتلي بها غيرهم من الأحزاب و النقابات، حتى أصبح تجمع واحد لبنكيران يفوق بكثير مسيرة تعاون على تنظيمها النقابات والأحزاب و الجمعيات المعارضة كلها ، ولنا في مسيرة الحمير وغيرها خير مثال على ذلك.

فليحذر أمثال هؤلاء المغرورين اذا من الوقوع في فخ الانتفاخ الوهمي على صفحات وهمية ، أكثر ما يقاب عن روادها أنهم مجرد كلمات و صور تتقاذفها الرياح ذات اليمين وذات الشمال ، ليجدوا نفسهم عندما يخرجون الى العالم الحقيقي لا يقدرون على تأطير حتى أقرب الناس اليهم. والتمثيلية الحقيقية هي النزول الى الشارع ومخاطبة الناس بخطاب واضح يلامس مشاكلهم الحقيقية، والتنافس بشكل ديموقراطي ونزيه الثقة الحقيقية للشعب عوض الارتماء في أحضان كوكب وهمي تنتظر جيمات كاذبة تجعلك تحس بغرور سرعان ما يخدعك لتجد نفسك في آخر المطاف تعيش على هامش المجتمع .