سياسة

من جوج فرانك إلى الساعتين..لماذا يتم تغييب الخطاب السياسي في الصحافة واستحضار قضايا “فارغة “

ما الذي يجعل متلقي خطاب السياسيين في المغرب، والمتحملين منهم، على الخصوص، للشأن العام، الاكتفاء بعبارة “لاستغلالها في الترويج الشعبي” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يأتي الدور على وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، كي تمارس مزيدا من عمليات الضرب؟

أو ليس أهم من هذا الاقتناص لعبارة، عابرة، من خلال خطاب، من الخطاب نفسه ككل لا يتجزأ؟

سقطت عند هؤلاء أسهم الوزيرة شرفات أفيلال، حينما تلفظت خلال برنامج حواري بكلمة “زوج فرنك”، وهو نفس الحال بالنسبة للداودي وزير التعليم العالي حين صرح في إحدى حواراته بأن المؤسسات الدولية لا تمنح المغرب سوى “زوج دريال”، ولم يكن حظ الوزيرة الحيطي أحسن من الوزيرين السابقين، حين صرحت، خلال لقاء تلفزي، بأنها لا يتبقى لها إلا ساعتين تخلد خلالهما للراحة، في طريقة تعبير منها على أنها تكد وتعمل بجد، وقد لا تنتهي حكاية هذه العبارات التي بدت وكأنها “صنعة مغربية” خالصة في المغرب السياسي الراهن.

يعتقد الباحث في العلوم السياسية عثمان الزياني، بأن هذه المسألة، مرتبطة في جانب كبير منها بما شخصه ب “أزمة الخطاب السياسي في المغرب، وضعف التواصل بين النخبة السياسية والمواطنين، وأزمة الثقة بين الطرفين”.

فالباحث يعتبر أنه من الطبيعي لجوء المواطنين إلى فضاءات التواصل الاجتماعي للتعبير عن سخريتهم بكل ملفوظ سياسي لا يتلاءم مع تطلعاتهم ورهاناتهم، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بنقاشات تخص قضايا مجتمعية، لها أهمية بالغة، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

واعتبر بأن “رد فعل المواطن، والتركيز على بعض جزئيات الخطاب، أو ملفوظات محددة، وجعلها كمادة دسمة للسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، يشكل في حد ذاته مجالا للتعبير عن سخطه وتذمره حتى من السياسات العمومية، والتعبير عن اعتراضه عن المقول السياسي الذي أضحى ينحو كثيرا نحو إنجاز أفعال كلامية شعبوية تفتقد إلى العقلانية والموضوعية، حتى وإن كان ما يتم التركيز عليه خارج عن سياقات الكلام السياسي في كلياته”.

وفي الوقت الذي عاب فيه الباحث ضعف الإنجاز الحكومي، فإنه كذلك أشار إلى أن القرارات التي يتم اتخاذها، والخطاب الذي رأى أنه “أصبح يؤذي، في كثير من الأحيان، الشعور العام”، بات يتطلب من النخبة السياسية اعتماد خطابات “تتسم بنوع من الرشد والحكمة والعقلانية والحكامة في المقول السياسي والحذر في انتقاء الكلمات الموجهة للجمهور”، يضيف الزياني، الذي أوضح أنه “على كل ملفوظ، يجب أن يكون محسوبا ومضبوطا بالشكل الذي يرتقي بالخطاب السياسي إلى المستوى المطلوب، ويراعي العقل الجمعي للمواطنين”.

هذا وقد أضحت روابط التواصل الاجتماعي التي توفرها الشبكة العنكبوتية، فضاء للنقاش الرحب، وبدون ضوابط مسبقة. وفي ظل التفاعل والتواصل الاجتماعي، أصبح المواطن يلتقط كل شيء، خاصة منه ما تعلق بالمجال السياسي، محولا منه مادة للسخرية والضحك، بالنظر لما توفره هذه المواقع من هامش لحرية التعبير.

والأكثر من هذا، فإن وسائل الإعلام من صحافة مكتوبة وإلكترونية، بالخصوص، بدا وأنها انساقت وراء “تأثيرات” التفاعل التي تحدثها مواقع التواصل الاجتماعي.

وفسر الزياني المسألة بأن وسائل الإعلام هذه، “أضحت تبحث عن الإثارة أكثر، وكسب تأييد المواطنين والمتتبعين أكثر”، عبر “نهج استراتيجية محكمة في اختيار عناوين المادة الصحفية والخبر، ما يجعلها في كثير من الأحيان تفتقد إلى المصداقية”، يؤكد الزياني، معتبرا بأنها تتبنى ما أسماها ب “المقاربة التجزيئية” للخطاب السياسي، وذلك عبر التركيز على بعض الأقوال والألفاظ دون أخرى.

وأضاف الباحث بأن وسائل الإعلام هذه، ليس لها رهان العمل على فتح نقاشات جدية، بقدر ما تسعى إلى هاجسها في كسب متصفحين أكثر لمواقعها، بالنسبة للصحافة الإلكترونية، مع وجود استثناءات لمواقع تعتمد نوعا من المهنية والاحترافية في التعامل مع الخبر، خصوصا في المجال السياسي. مؤكدا على أن المطلوب هو “مسايرة المزاج العام للمواطنين، والسير مع اتجاهاتهم، والتعبير عن مواقفهم بخصوص المقول السياسي ومختلف القضايا التي تشغله”.

إلى أن يحين ذلك الوقت الذي يتطور فيه خطاب سياسيينا، وتعمل وسائل إعلامنا على إنضاج اهتمامات الرأي العام بالشأن العام الوطني السياسي وغيره، في أفق نقاشات سياسية حقيقية، تعكس حقا نضج الممارسة السياسية في بلادنا، نبقى مرهونين، على صحو كل يوم، وعبارة تخرج من هنا أوهناك على لسان ذاك المسؤول أو ذاك، نضحك قليلا، ونكتب عنها كثيرا، ونعلق بلا حدود، ونروج التعليقات مع الأصدقاء عبر ما تمنه “ديمقراطية” شبكات التواصل الاجتماعي، فيما نحن، في آخر المطاف، هم الموضوع الحقيقي للضحك، في مغرب سياسي أراد أن يكون، ومنذ مدة، على هذه الحال البئيسة.