وجهة نظر

فلسفة الإحسان في الاسلام

يعتبر الاحسان الفلسفة الحقيقية للاسلام، وجوهر مشروعه الحضاري العالمي الكبير، فالاسلام يقوم في مُجمله على فكرة الإحسان في جميع نظمه العملية التي تستهدف الرفع بمستوى التعامل الانساني في الوجود الكوني كلّه، وتجويدها، وتحسينها، وتطويرها، وهذا من أجل أن يصل الاسلام إلى أعلى درجات الجودة والاتقان، وتحسين أساليب التعاون والتفاعل مع الموجودات بأسلوب حضاري متميّز، من أجل نقل الأمة الإسلامية من دائرة الوجود إلى دائرة الشهود.

وتقوم فلسفة الإحسان في الاسلام على الآية القرآنية الكريمة: (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)، يقول ابن كثير في تفسير هذه الاية الكريمة، أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة، وكأنّ السياق القرآني يشير إلى أنّ غايات الرسالة والنبوة محصورة في تحقيق معاني الرحمة الواسعة، ولايخرج عن هذا المعنى الحيوان والجماد، والمقصد من الرحمة بناء مجتمع عنوانه التراحم، والتعاون بين الأفراد والأسر والعائلات والشعوب، ومنهج حكم للزعماء، والرؤساء، وأرباب المسؤولية.

ولكن اليوم مع كامل الأسف، نفتقد هذه الثقافة الإيجابيّة، والقيم الدينية الرائعة من رحمة مؤدية إلى إتقان في العمل.
لذلك فمن أهم أسباب تخلف المجتمعات الإسلامية اليوم غياب خلق الإحسان أو الإتقان، وانتشار القيم السلبية المناقضة للإحسان من غش، وفوضى، وغياب النظام، وروح العمل الجماعي . ويوضح هذا المعنى الجوهري في المشروع الحضاري الإسلامي الكبير، قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته .) رواه مسلم ، بمعنى أنّ الإنسان يجب أن يبحث عن أفضل طرق ذبح الأضحية ، دون تعذيب أو تعنيف هذا الحيوان، وأن لا يعمد إلى سنّ السكين أمام ناظري الذبيحة، وأن يسقيها الماء، ولا يتم ذبح حيوان أمام حيوان آخر ، حتى لا يدخل عليه الخوف والفزع، فهذا مثال على أدنى درجات الإحسان امام فعل ضروري للحياة !!

كيف سيكون الإحسان إذا في التعامل مع الإنسان أباً وأخاً وصديقا ؟ وورد في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به الماء حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة، وروى الشيخان كذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عذبت امرأة في هرة حسبتها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار . هذا يدفعنا إلى القول بقوة ، إنّ الإنسان يحمل على عاتقه روح المسؤولية أمام كل المخلوقات ، وعليه أن يحفظ كرامة و ذاتية هذه المخلوقات، سواء من صنفه أو من غير صنفه ، ويجب على كلّ صاحب مسؤولية أن يعامل جميع المخلوقات و ما في هذا الكون برحمة وإحسان، وبأعلى درجات الاحترام والتقدير، ويجب أن يظهر ذلك في المعاملات اليومية .

وفي التقنين والتشريع والأنظمة والدعوة والوعظ والإرشاد والحكم والإدارة، بحيث يكون الإحسان مصدراً للقيود والضوابط والأعراف التي يتم التحاكم إليها في الحكم على الأشياء، ومقياساً لكمال الأفعال وتمام الإنجاز على الصعيد الفردي والجماعي، بحيث يصبح الإنسان قادراً على الإحسان في التعامل مع خالقه، وقادراً على إحسان التعامل مع نفسه وقادراً على الإحسان في التعامل مع غيره من الحيوان، والنبات، و كل موجودات الكون بصفة عامة، ويجب أن يبتعد عن كل ألوان العنف والغلظة والقسوة، وأساليب الانتقام، ويجب أن يبتعد أيضاً عن السخرية والإستهزاء، و أساليب الإهانة للآخر، قال الله تعالى :{ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} و هذه الآية الكريمة تؤكد لنا على خلق رفيع من أخلاق الدعوة والاحتساب، وهو خلق الرحمة وعدم الغلظة، مبينة أنه رافد عظيم وخلق كريم، كان دافعا من دوافع نجاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، والتفاف الناس حوله، وإصغائهم إلى أوامره، وتحري مرضاته، وعدم تقدمهم بين يديه، فهو بهذا الخلق وبغيره قد صار عندهم أغلى من المال والولد، و من النفس والذات ؛ فالإسلام رحمة وإحسان وجد واجتهاد وتواضع، وليس قتل ولا تخويف، ولا رعب، ولا إرهاب، كما يصوره بعض الحاقدين.