وجهة نظر

الريع فيه وفيه

عندما تكلم رئيس الحكومة في احدى الجلسات الشهرية عن المنحة التي تعتزم الحكومة صرفها للأرامل قائلا: هذا أقل ما يمكن أن نساعد به هذه الأرملة المسكينة التي رحل عنها زوجها وتركها تواجه الثالوث المرعب (الماء، الكراء، الكهرباء) لوحدها، دون معيل، واجهه بعض النواب بكون هذه المنحة البسيطة ريعا.

”الله أكبر”، نسي هؤلاء النواب المحترمون كل هذه الأجور السمينة التي يتقاسمها رؤساء المؤسسات العمومية وأعضاء الحكومة والنواب أنفسهم، إضافة إلى الامتيازات غير المحدودة التي تغدق بها عليهم (قبتهم الشريفة)، والعمولات التي توزع يمنة ويسرة دون حسيب، نسي نوابنا المحترمون التقاعد السخي الذي يحصلون عليه مقابل خمس سنوات فقط من النوم العميق فوق الكراسي المثيرة داخل مجلسهم المحترم. نعم نسي نوابنا المحترمون كل ذلك البحر المتلاطم من الريع ورحلوا يبحثون عن قطرة صغيرة سقطت في صحراء قاحلة لمنعها من التقدم حتى لا تفسد عليهم نعيمهم الذي ألفوا التمتع به.

نعم، قيمة ألف درهم التي أرادت الحكومة صرفها للأرملات المسكينات لا تساوي شيئا وسط هذا البحر الهائج من الريع الذي ينخر المجتمع ويدمر الاقتصاد، ولكن إذا ظهرت فإنها لا محالة ستشكل تهديدا حقيقيا لهذه الحيتان الكبيرة التي اعتادت التهام كل شيء، لأنه إذا تم الاعتناء بالأرملة والمطلقة، وصرف الدعم للمعاق، ويسر تدريس أبناء البوادي الفقراء فكيف يلج هؤلاء قبة البرلمان ويحتلوا مواقع المسؤولية، وهم الذين يسعون دائما على ابقاء جزء من المجتمع على هامش التنمية، حتى يضمنوا لأنفسهم سوقا انتخابية تمكنهم من الحفاظ على مواقعهم.

هم يعلمون جيدا أن الاهتمام بالأرامل والمطلقات والمعاقين وجميع فقراء البلد، سيفقدهم هذا السوق الكبير الذي يشترون منه أصواتهم، ولهذا فلن يتوانون في عرقلة كل مشروع وكل مبادرة موجهة لخدمة الفئات المهمشة، لأن ذلك يعني نهايتهم السياسية، ونحن نرى بأم أعيننا رؤوسا كبيرة هزمها مناضلون من أبناء الشعب فسقطت وتهاوت، وأخرى قد أينعت وحان قطافها.
فمزيدا من الاهمام بالفئات الضعيفة والمهمشة حتى نتمكن من تكسير آخر معاقل الفساد الانتخابي.