خارج الحدود

وثيقة تكشف عن نشاط شيعي في الجنوب ومخاوف من عودته للمغرب

غير بعيد عن المملكة المغربية، وقريبا من الحدود الموريتانية المغربية في الشمال الموريتاني، تعمل جهات موريتانية مع إيران، هذه الأيام، على محاولة استعادة ما تصفه “المكانة التاريخية” للشيعة في موريتانيا، حسب ما كشفت عنه دراسة أثارت جدلا داخل البلد الجار جنوبا.

ويتعلق الأمر بدراسة أنجزها ناشطون شيعة موريتانيون بتنسيق مع رجل الدين الإيراني محمد بن جواد أبو القاسمي، المعروف بنشاطه الواسع في مجال نشر التشيع في مناطق متفرقة من العالم، وخصوصا في إفريقيا، ويرأس مؤسسة ثقافية تدعى “الانقلاب الثقافي.”

وقدمت الدراسة نصائح للنشطاء الموريتانيين، بالتركيز على مناطق الشمال الموريتاني، باعتبارها مكان اجتماع الثروة والسلطة، وكذا “ضعف حضور علوم أهل السنة فيها حيث تقل بها المحاضر (المدارس التقليدية) والعلماء مما يؤهلها لتكون المنطقة المثلى للتشيع”.

وادعت أن مستقبل العمل الشيعي في موريتانيا “مضمون، وجد مبشر”، مؤكدة على أنه “يمكن أن تتحول معه موريتانيا إلى بلد شيعي كما كانت في الماضي، كما يمكن للعمل الشيعي أيضا في الوقت الحاضر إذا وجد تنظيما مناسبا أن يعوض تراجع التشيع في المغرب وذلك من خلال جهود التنظيم والتأطير وزيادة الحضور في الميادين الثقافية الدعوية والإعلامية والاجتماعية الخيرية والاقتصادية”.

 وتوقعت “أن يؤتي العمل الشيعي، إذا توافرت له الشروط والمقدرات، أكله بسرعة، ليسمح برفع نسبة التشيع في موريتانيا من 1.5% إلى حولي 20% في ظرف 10 سنوات قادمة”، معتبرة أنه توجد “بيئة خصبة إذا أتيح لها من يتعهدها، فإنها ستسمح بحضور شيعي على المستويين النوعي والكمي”.

وأوضحت الوثيقة الحضور النوعي بالانتشار في مناطق بعينها، منها الشمال على الخصوص، الغني بمناجم الحديد والذهب والنحاس والثروة السمكية وواحات النخيل، والتي ينحدر منها أبرز الأعيان ورجال المال والسياسة وضباط الجيش.

 كما اعتبرت الحضور بدعوتها إلى “التركيز على شرائح قريبة من التشيع بطبعها وثقافتها وهي للحراطين والزنوج والتي تمثل مجتمعة أكثر من 60% من سكان البلاد”.

وقدرت أعداد المتشيعين في موريتانيا حاليا بـ50 ألف شيعي، مشيرة إلى “تركز وجودهم بالأساس في العاصمتين السياسية (انواكشوط) والاقتصادية (نواذيبو) وبعض المدن الداخلية”.

وترى الدراسة أن الأهمية التاريخية لموريتانيا “تمثل أرضية خصبة للعمل الشيعي”، على اعتبار أنها “كانت في الماضي من أبرز قلاع المذهب الشيعي؛ زاعمة” استمرار تأثر الموريتانيين الكبير بالمذهب الشيعي حتى في فترات متأخرة على تجربة المرابطين التي عملت على فرض المذهب المالكي بالسيف وإبادة كل مخالف في الملة مهما كان قربه أو بعده في المعتقد.

كما أشارت إلى أن العلاقات السياسية “الجيدة” بين موريتانيا وإيران دفعت ب”بعض رموز الشيعة بالجهر بمعتقدهم، والسعي لإقامة نواة لمؤسسات خاصة، وإجراء تظاهرات علنية ـ لأول مرة منذ استقلال البلاد عام 1960″.

من جهة أخرى، أسهبت الدراسة في رصد العقبات التي رأت أنها تقف في وجه انتشار التشيع في موريتانيا، منها “مشاكل التنظيم، والتأطير، وتوفير المؤسسات”، واصفة إياها بـ “المشاكل الأبرز أمام الشيعة الموريتانيين حتى يتمكنوا من فرض وجودهم على الخارطة الثقافية والدعوية والسياسية والاقتصادية”، ومشددة على عدم وجود جودة علمية تؤطر وتنسق عمل الفاعلين الأساسيين في الساحة الموريتانية، وغياب إستراتيجية مناسبة لربط وتأطير الشيعة من خلال مؤسسات رسمية لتنظيمهم؛ وأيضا عدم ارتكاز العمل الشيعي في موريتانيا على أبعاد اجتماعية واقتصادية تزيد من لفت انتباه القواعد الهشة والمحرومة إليه.

واقترحت على الجهات الإيرانية والعاملين معها في موريتانيا، التركيز على مناطق الشمال، وكذا على فئات من الشعب الموريتاني، هي: الحراطين، وإيكاون، واللحمة، والزنوج.

وبررت الاهتمام بالحراطين الذين عرفتهم بأنهم (مجموعة الأرقاء السابقين) بأنهم “مجموعة ضخمة تمثل 35% من السكان ويهتم الآن بتمثيلها في كل الوظائف الكبرى للدولة لثقلها الديمغرافي المعتبر)، ووصفتهم بأنه “من محبي الأطهار آل البيت عليهم السلام ويتعاطون لونا فنيا خاصا بمدحهم كما يتسمون بأسماء الأئمة الكرام عليهم السلام”.

 أما “إيكاون” وهو طبقة الفنانين، فنصحت بالتركيز عليهم “لدورهم المهم في نشر حب البيت عن طريق الأناشيد والحضور في مختلف التظاهرات الاجتماعية”.

ووصفت “اللحمة” بأنها “مجموعة أصولها بربرية، وقد عانت من الاضطهاد في الماضي”، معتبرة أنها “مؤهلة لاعتناق مذهب التشيع لبعدها عن الوسط السني المتعلم حيث يسهل إقناعها خصوصا بمذهب آل البيت الذي يجتذب المستضعفين لما يبشر به من مساواة حقيقية وخلاص وتحرر”.

ورأت الدراسة أن الزنوج “يمثلون 25% من السكان في موريتانيا، ويشاع في صفوفهم حب الأطهار آل البيت عليهم السلام والتصوف وهم بيئة مناسبة للتشيع لبعدهم النسبي من الوسط السني”.

وفي إطار المقترحات، رأت الدراسة أن ثمة حلولا في حالة تطبيقها سيضمن “تحقيق نتائج جيدة على الأرضية، تمكن من تنظيم الشيعة في موريتانيا…”، ومن أهمها، تضيف، “وضع استراتيجية واضحة للعمل الشيعي تجمع بين تنظيم الشيعة الموريتانيين والعمل على مضاعفة أعدادهم بأقصى وتيرة، وتأسيس مجلس أعلى استشاري للعمل الشيعي في موريتانيا، ودعم تأسيس الجمعيات والنوادي وتبني ودعم البعض القائم منها لكسبه…”، وناصحة بـ”إقامة مشاريع اقتصادية في مناطق الأرقاء السابقين ومناطق الزنوج بكل من العاصمة والداخل وذلك لجذبهم للمذهب عن طريق التوظيف ومحاربة البطالة في صفوفهم، والتركيز في جانب العمل الاجتماعي على الشرائح المضطهدة السابقة.”

 وأرفقت الدراسة بمشروع ورقة مالية هي عبارة عن تقدير لغلاف مالي يتعلق بطلب دعم إيراني بدعوى إقامة “مركز الإمام محمد السجاد الثقافي” في نواكشوط تقدر ب 704.100 دولارا.