مجتمع

صادم: أطباء يحضرون يوما واحدا بالأسبوع بمستشفيات إقليمية

في الوقت الذي يقطع فيه عشرات المواطنين، مسافات طويلة جدا للوصول إلى المستشفيات الإقليمية بمناطقهم، يستمر “تهاون” بعض الأطباء في الحضور لأداء عملهم بعدد من هذه المستشفيات، إضافة إلى الأوضاع “الكارثية” التي تعرفها بعض المستشفيات.

جريدة “العمق المغربي”، توصلت بمعطيات حارقة عن معاناة عدد من المواطنين بالمستشفى الإقليمي لمدن شفشاون وزاكورة ووزان والعرائش، كنماذج لعدد من المستشفيات الإقليمية بالمدن الصغرى التي يشتكي فيها المرضى من الغياب “الفظيع” لمجموعة من الأطباء الإختصاصيين.

“العمق المغربي” حصلت على جدول أوقات حضور الأطباء الاختصاصيين في الأسبوع من داخل المستشفى الإقليمي لمدينة شفشاون، وتظهر اللائحة حضور أطباء يومين في الأسبوع، ومنهم من يحضر يوما واحدا فقط، رغم أن القانون يحتم عليهم تغطية أيام العمل الرسمية في الأسبوع، وهو ما يشكل “تهاونا بالواجب المهني”.

“العرائش، وزان، شفشاون، وجل الأقاليم والمدن الصغيرة تعاني من نفس الظاهرة في مستشفياتها الإقليمية”، يقول أحد الأطباء في تصريح لـ”العمق المغربي”، مضيفا أن الكثير من الأطباء الاختصاصيين يقضون جل أوقاتهم في مصحات خصوصية في المدن الكبرى، وأن عشرات حالات الولادة التي تأتي إلى وزان من البادية يتم تحويلها بسبب غياب طبيب التوليد إلى شفشاون، ثم تحول إلى المستشفى الجهوي لتطوان لنفس السبب، خاصة في نهاية الأسبوع.

هذه المعاناة تتسبب في مضاعفات للأم والمولود قد تصل إلى النزيف أو تمزق الرحم أو التعفن أو الوفاة أحيانا، وهذا ما يفسر “بقاء نسبة وفيات الولادة مرتفعة بالمغرب” يضيف المصدر.

بيد أن بعض الأطباء الاختصاصيين، الذين وافقوا على الحديث باقتضاب لـ”العمق المغربي”، يرون أن الوزارة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الوضع، نظرا للخصاص الذي تعرفه بعض التخصصات الطبية في عدد من المستشفيات الإقليمية، وغياب التجهيزات والقاعات الضرورية للعمل، “وهو ما نضطر معه إلى تقسيم أيام الأسبوع بيننا”، يقول طبيب من زاكورة.

مصدر مطلع من داخل المستشفى الإقليمي لمدينة شفشاون، أفاد لـ”العمق المغربي”، عن استياء عارم يسود المرضى وحتى الأطقم الإدارية والطبية العاملة بالمستشفى، بسبب غياب الأطباء الذي أصبح يمثل “قاعدة عامة”، مضيفا أن هذه الظاهرة باتت معروفة عند الجميع، بمن فيهم مدير المستشفى والمندوب الإقليمي للصحة.

مصدر “العمق المغربي”، أضاف أن بعض “الأطباء الاختصاصيين” يحددون عدد المرضى الذين يفحصونهم في يوم تواجدهم بين 10 إلى 20 فقط في كل استشارة، وهو ما يؤدي إلى تباعد مواعيد الفحص لأسابيع، وتفاقم حالات المرضى في إقليم 80 % من ساكنته من البادية، خاصة مع صعوبة الولوج إلى المواصلات.

ويظهر جدول “أوقات الحضور” أن غالبية الأطباء الاختصاصيين بشفشاون، يقطنون في مدن أخرى مثل مراكش والرباط والدار البيضاء وسلا وطنجة وتطوان، ويحضر الأطباء الاختصاصيون في أمراض القلب والشرايين، التهاب الجلد، الجهاز العصبي، الجهاز الهضمي، أمراض السكري، الغدد، يومين في الأسبوع فقط، ومنهم من يحضر ليوم واحد. في حين يقسم أطباء الطب الباطني، والولادة، وطب الأطفال، والانعاش، حضورهم بالتناوب فيما بينهم أسبوعا لكل واحد منهم بين 3 إلى 4 أسابيع.

وأشار مصدر “العمق المغربي” إلى وجود حالة استياء واسعة بين أطقم المستشفى، نظرا لما يعتبرونه “تهاون المدير وعدم قيامه بواجبه الإداري في مراقبة حضور الأطباء وتقييم مردودهم ومحاسبتهم على التقصير، مقابل تشديد المعاملة مع الأطقم الإدارية والممرضين”.

وكانت لجنة تفتيشية من المندوبية الإقليمية للصحة، قد زارت المستشفى المذكور العام الماضي، حيث اطلعت على “ظاهرة غياب الأطباء الاختصايين”، غير أنها كانت الزيارة الوحيدة منذ ذاك الوقت، حسب ما كشفه مصدر من الأطقم الطبية بمستشفى شفشاون لـ”العمق المغربي”.

وفي زاكورة، أفاد مصدر من المستشفى الإقليمي للمدينة، أن عددا من الأطباء الاختصاصيين يرفضون إجراء المداومة واستقبال الحالات الاستعجالية التي تتنقل من مدن أخرى بسبب قلة الأيام التي يحضر فيها الأطباء الاختصاصيون، مع تحميل عائلة المريض مصاريف البنزين، مما “يهدد سلامة المريض بسبب خطورة الطريق”، إضافة إلى “المعاملة السيئة” مع المرضى من خلال التكبر والسخرية والإهانة أحيانا.

وكشف ذات المصدر، أن بعض الأطباء “يشتغلون 3 ساعات فقط في يوم حضورهم”، موضحا أن الأطباء المذكورين يبررون هذا الوضع بعدم وجود فضاءات علاج كافية بالمستشفى، مما يضطرهم إلى تقسيم القاعات الموجودة بين الاختصاصات، “والحقيقة أنهم يستفيدون من هذا الوضع لتبرير غيابهم ليس إلا” يقول المتحدث.

وعن التحركات السياسية والنقابية في هذا الموضوع، أفادت مصادر نقابية، أن الهيئات النقابية المحلية بعدد من المستشفيات الإقليمية التي تعاني من هذه الظاهرة، راسلت الجهات الوصية في الموضوع دون نتائج، في حين أشارت مصادرنا من شفشاون أن المتضريين من غياب الأطباء راسلوا المنتخبين المحليين من نواب برلمانيين ومستشارين جماعيين لإثارة القضية وطنيا.

يُذكر أن الحكومة كانت قد قررت تخصيص مليار درهم سنويا على مدى ست سنوات، لتجهيز المستشفيات الإقليمية التي تفتقر لعدد من الآليات بكافة الأجهزة الضرورية، وأكد عبد الإله ابن كيران في مجلس المستشارين قبل 3 أيام، أنه سيرفع الاعتمادات المخصصة لهذا القطاع من 10.89 مليار درهم سنة 2011 إلى 14.28 مليار درهم سنة 2016، كما تم “تعزيز الموارد البشرية لهذا القطاع حيث استفاد من 13.691 منصب مالي خلال الفترة 2012-2016″، حسب قوله.