وجهة نظر

“حنا المغاربة” .. لنتجاوز الحد الأدنى من تحقير الذات

“حْنَا المْغَارْبة !”، “مَا دُمْتَ فِي المَغْرِب فَلَا تَسْتغْرب”.. كثيراً ما نردد مثل هذه العبارات المصكوكة و الجمل الموزونة في حواراتنا و أحاديثنا اليومية كما لو أننا نحاول التأكيد بأننا شعب عجاب ما فتئ يُحير الجميع و يبعث على العجب والاستغراب ! لكأنَّ ما يتَحدث عنه فقهاء علم النفس فيسمونه بتحقير النفس لذاتها، لم يصْدق يوماً كما يصدق هاته الأيام علينا.

إن الشعب المغربي مِثله مثل باقي الشعوب الأخرى في أرجاء المعمورة له من الخصوصيات السلوكية و المميزات الثقافية ما يجعله متفردا لا عجيبا و غرائبيا، لكن للأسف ما نسوق له اليوم في حواراتنا هو أننا بالفعل شعب غريب عصي على الفهم و الإدراك و حتى محاوله ترميم سلوكياته و قيمه لم يعد متاحا !

و لعل الحقيقة الواخزة التي لا نلقي لها بالا هي أنه كلما أشهرنا شعارات تحقير النفس و التمرد على الذات كلما حكمنا على أنفسنا بعقود أخرى من الجثوم في تخوم التخلف و الانحطاط لفترات أخرى من التاريخ، و ما من أحد منا في حاجة إلى حدس الكهان و لا واسع النبوغ لنقر بأن الدبيب الزاحف مسلكه التشظي، ليتآكل بعد ذلك الجسم و ينحل انحلالا ثم يصير فتاتا فتاتا.

قد يقول قائل إن هذه العبارات لا تعدو أن تكون إلا ضربا من ضروب التعبير عن اشمئزاز المغاربة من الوضع السياسي و الاقتصادي للبلاد، و الأمر لا يتطلب كتابة مقال بأكمله للخوض في هذه التراهات التي لا فائدة منها، و الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بتراهات زائفة بقدر ما يتعلق بأسباب خفية تفسر العطالة التي نعاني منها دون وعي و إدراك منا.

و ليس هذا من الكلام الجُزَاف و لا من المزايدة في الخطاب، إذ غالبا ما تؤدي بنا المبالغة في تحقير الذات إلى استصغار النفس و تحقير قدراتنا و من تم الميل إلى التكاسل و الإتكالية بدل التشمير على السواعد من أجل صقل المهارات والمواهب و تعميق الالتزام بالأفكار الإصلاحية.

قد نكون بالفعل شعب يميل إلى الفوضى أكثر من الميل إلى التنظيم، و قد نكون فعلا نتهافت على التملص من المسؤوليات و أداء الواجبات إلا ما رحم ربك، إلا أننا بالمقابل من ذلك شعب مضياف متشبث إلى حد كبير بقيمه ومبادئه، كما أننا قطعنا أشواطا كبيرة في بناء سياسة عامة خاصة بنا تؤهلنا إلى حد ما للالتحاق بركب التطور و المضي قدما إلى الأمام.

و لا يجب أن نغفل من جهة أخرى أن تصحيح العيوب و معالجتها لا يتأتى إلا بزيادة الوعي بها و إدراكها إدراكا سليما، ثم السير وفق منهج خطة إصلاحية رصينة، و لنا أن نؤمن بأن الأوان قد آن و يكاد يفوت لنكف عن الاستخفاف بالنفس و العمل بشكل جاد على الاصطلاح مع الذات و النظر إليها كذات حرة مسئولة.